الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«التشريعيات»... تعزز موقف «هولاند»

«التشريعيات»... تعزز موقف «هولاند»
12 يونيو 2012
يحب الرئيس فرانسوا هولاند أن يصف نفسه بالرئيس "العادي"، ولكنه لن يكون كذلك إلا إذا كان معنى تعبير "العادي" يعني فرصة التحول إلى أقوى رئيس في الذاكرة الفرنسية المعاصرة، ويبدو أن هولاند في طريقه إلى توطيد سلطته وترسيخ انتصاره الذي حققه في الانتخابات الرئاسية بعد الفوز الأولي الذي حصده الحزب الاشتراكي في الانتخابات البرلمانية التي جرت دورتها الأولى يوم أول من أمس الأحد، بحيث من المتوقع أن يعزز هولاند في حال تأكد الانتصار الانتخابي في الدورة الثانية للانتخابات التشريعية سلطته على الحياة السياسية الفرنسية، وهو الموقع الذي ظل الاشتراكيون يتطلعون إليه دون جدوى منذ أكثر من جيل. والحقيقة أن تداعيات الانتصار في الانتخابات البرلمانية لا تقتصر على الداخل الفرنسي بتأكيد سيطرة الاشتراكيين على مفاصل اتخاذ القرار السياسي، بل تمتد أيضاً إلى عموم الفضاء الأوروبي لتخدم مباشرة أجندة هولاند الذي سيتكرس انتصاره داخلياً وينعكس عليه في الخارج باعتباره القائد الأوروبي المصمم على تغيير وجهة أوروبا بنقلها من التركيز المفرط على التقشف إلى سياسة تحفيز النمو الاقتصادي كحل أساسي لأزمة الديون التي تتخبط فيها أوروبا. وهذا الأمر تؤكده الباحثة في جامعة أوكسفورد "صوفي هين"، قائلة: "لا شك أن حيازة هولاند لأغلبية المقاعد في البرلمان الفرنسي ستمنحه الشرعية لتطبيق سياسات جذرية سواء في الداخل، أو على الساحة الأوروبية"، مضيفة أن "الوزن السياسي والرمزي لفرنسا في أوروبا ما زال معتبراً ولا يمكن تجاوزه". ومنذ انتقال هولاند إلى قصر الإليزيه شرع في اتخاذ بعض القرارات المهمة المتسقة مع ما كان يدعو إليه في حملته الانتخابية مثل خفض سن التقاعد إلى 60 سنة بالنسبة لعمال في بعض القطاعات الصناعية. ولكن على رغم الفوز في الانتخابات التشريعية، أو على الأقل ما تأكد منه في الجولة الأولى، يواجه الاشتراكيون العديد من المشاكل العالقة الباحثة عن حلول مستعجلة، فمعدل البطالة في فرنسا تجاوز 10 في المئة، كما أن النمو الاقتصادي ضعيف للغاية، هذا بالإضافة إلى تفاقم العجز المالي الذي تعهد هولاند الرافض للتقشف بخفضه، وإن كان لم يحدد آليات تقليص العجز ولا الطرق التي سيتبعها لإعادة التوازن لمالية فرنسا، غير أن هذه المعارك الكبرى التي سيكون على الاشتراكيين خوضها لم تمنع الرأي العام الفرنسي من منحهم الثقة، حيث يبدو أن عدداً متزايداً من الفرنسيين اعتنقوا بالفعل خطاب هولاند وقبلوه منذ توليه السلطة. فقد أظهر استبيان أُجري في الأسبوع الماضي أن 53 في المئة من الفرنسيين يشعرون بثقة أكبر إزاء المستقبل الاقتصادي للبلد بارتفاع 20 في المئة مقارنة بالفترة التي سبقت تولي هولاند الرئاسة. ويتوقع العديد من المراقبين أنه حتى لو استطاع الاشتراكيون تعميق انتصارهم في الانتخابات البرلمانية خلال الجولة الثانية والحصول على أغلبية مقاعد البرلمان فلن يكون ذلك كافياً لتحقيق انتصار ساحق يمكنهم من الحكم منفردين، بل لابد من تحالفهم مع حزب الخضر وجبهة اليسار المتطرفة. وعلى رغم الصعوبات التي قد يطرحها هذا السيناريو على الحزب الاشتراكي، إلا أنه بسيطرته على أغلبية مريحة في الجمعية الوطنية، ومجلس الشيوخ، وبسط هيمنته على العديد من الإدارات المحلية سيكون اليسار قد راكم العديد من مواقع السلطة ما سيتيح له إدارة البلاد بحرية أكبر لم تتوافر له منذ انتخاب الرئيس الاشتراكي الأسبق، فرانسوا ميتران، في 1981. وعن هذه السيطرة الكاسحة للاشتراكيين تقول "إيميلي"، إحدى مؤيدات الحزب الاشتراكي التي رفضت الكشف عن كامل اسمها: "نحن في حاجة إلى حزب اشتراكي قوي يمتلك الأغلبية في الجمعية الوطنية حتى يستطيع العمل بفاعلية وإعادة فرنسا إلى قوتها مجدداً"، مضيفة "لست قلقة من سيطرة حزب واحد على مقاليد السلطة في فرنسا لأن اليسار الفرنسي نفسه ليس موحداً ويضم في صفوفه العديد من الآراء والتوجهات". وفي المقابل يعاني يمين الوسط ممثلاً في "الاتحاد من أجل حركة شعبية" صعوبات كثيرة في إعادة فرض نفسه على الساحة السياسية منذ هزيمة ساركوزي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وهي الصعوبات التي صبت في صالح أجندة حزب "الجبهة الوطنية" المتطرفة بخطابها المناوئ للهجرة بعدما سجل نتيجة مهمة في الانتخابات الرئاسية أعطته 18 في المئة من أصوات الفرنسيين، وإن كانت حظوظها في الانتخابات البرلمانية متواضعة بالنظر إلى طبيعة النظام الانتخابي الفرنسي. وفي حال تأكد انتصار الاشتراكيين بعد الإعلان عن نتائج الجولة الثانية سيتمكن هولاند من تعزيز قبضته على بروكسل في الوقت الذي ما زال فيه الاتحاد الأوروبي يصارع طواحين أزمة الديون المستفحلة التي تهدد بتقويض أكبر منجز أوروبي متجسد في العملة الأوروبية الموحدة، "اليورو". وإلى حدود الشهر الماضي كانت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، هي من يحدد وتيرة استجابة أوروبا للأزمة، وكانت تصف العلاج لها في ظل تعاون ساركوزي الكامل معها وانسياقه وراء الأجندة الألمانية. ولكن هولاند وضع نفسه كرئيس مختلف ليس مستعداً للتجاوب الكامل مع ميركل، وهو ما يفسره "كريستوفر بيكرتون"، أستاذ العلوم السياسية بجامعة باريس للعلاقات الدولية بقوله: "ما يجعل من هولاند رئيساً قوياً على الصعيد الأوروبي هو أنه يمثل تياراً جديداً في النقاش العام الدائر بأوروبا، هذا التيار الذي يرفض التقشف ويراهن على النمو، ولذا جاء هولاند في المكان الصحيح والوقت الصحيح، بمعنى أن حديثه عن النمو تصادف مع توجه عام بدأ يظهر في أوروبا يتململ من التقشف الصارم ويدعو إلى النمو". هنري تشو باريس ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشونال"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©