الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مقاومة ترامب بعدم الرحيل!

13 نوفمبر 2016 22:38
في هذا الخريف يكون قد مر عليَّ 20 عاماً منذ أن وضعت قدمي لأول مرة في أرض الولايات المتحدة قادماً من باريس، وقد جئت إلى هنا في بداية الأمر للدراسة، وبعدها أدت كل خطوة إلى خطوات أخرى وتعمقت جذوري في هذه البلاد مع مرور عقدين. وزوجتي أميركية وابني البالغ من العمر ثمانية أعوام ولد هنا، لكن رغم كل هذا لطالما ترددت في أن أصبح مواطناً أميركياً. ويرجع هذا في جانب منه إلى الارتباط العاطفي بفرنسا ومنتخبها القومي متعدد الأعراق لكرة القدم المعروف باسم «بلوز» أو «الزرق»، وفي جانب آخر لأنه بعد مرور عشرين عاماً ما زلت أجد التقاليد والقوانين الأميركية غريبة نوعاً ما بالنسبة لي وإن لم يشعرني هذا بالاغتراب تجاهها. وعلى امتداد هذه الفترة كنت أخبر نفسي أنه بوسعي أن أجمع متاعي وأغادر البلاد في أي لحظة حين يفيض بي الكيل من الجوانب الأقل جاذبية في المجتمع الأميركي، أو في حالة ظهور نتيجة سياسية معادية. راودتني هذه الفكرة حين أُعلن الانتخاب غير المتوقع لدونالد ترامب رئيساً للبلاد، لكن فكرة الرحيل لم تكن إلا نزوة عابرة، فحياتي هنا وأسرتي هنا وأصدقائي هنا وأنا أهتم بهم. وسواء أعجبني هذا أم لا فإنني أنتمي إلى هنا. لذا غيرت رأيي. وبدلاً من جمع متاعي والرحيل، سأتقدم بطلب للحصول على الجنسية الأميركية، وسأجعل الأمر رسمياً وأصبح أميركياً وأقسم بالولاء للعلم الأميركي. إنه عمل بسيط من أعمال التحدي والمقاومة. إنني مدين بدين الولاء لأصدقائي الأميركيين والمدينة التي أعيش فيها والبلد الرائع والحيوي والغريب والمدهش دوماً الذي رحب بأذرع مفتوحة، وقبل كل شيء، فأنا مدين بهذا لابني. ففي الليلة التي أصبح من الواضح أن ترامب سيفوز بالانتخابات، دخل ابني دورة المياه وأغلق على نفسه من الداخل وأخذ يبكي. وبسبب المسار المثير للشقاق الذي سلكته الحملة الرئاسية وما بثه ترامب وأنصاره من الشعور بالخوف الشديد من الأجانب في المجتمع، شعر ابني بقلق شديد من احتمال أن يتضرر أصدقاؤه من أصحاب الأصول الأجنبية مثل الفلبينيين والجواتيمالايين والمكسيكيين واليابانيين والألمان وغيرهم وأن يتم ترحيلهم إلى بلادهم. وكان خائفاً أيضاً من إجبار والده، وهو أنا، على الرحيل. وحاولت جاهداً أن أطمئنه وأنا أنقله إلى السرير أن كل شيء سيكون على ما يرام، وأن الولايات المتحدة بلد يحكمها القانون، وأن البلاد بها مؤسسات عتيقة وشامخة صمدت في أكثر الأوقات محنة وخطورة، وأن ديموقراطيتها منتعشة رغم أنها تكون شديدة الشقاق أحياناً. وأخبرته أن الأميركيين تعلموا حسم صراعاتهم بالمشاركة السياسية النشطة، وأننا في أميركا نتصدى للظلم ونصحح الأخطاء بالمشاركة، كل في مكانه سواء كانت المدارس أو الكنائس أو الاتحادات العمالية. وبهذه الطريقة نغير القلوب والقوانين. وبهذه الطريقة نجعل بلادنا مكاناً أفضل، وأننا نقنع بعضنا البعض بالحجج الحماسية العلنية التي تكون أحياناً شديدة الشقاق لكننا نتقاسم بعدها رغيف الخبز فيما بيننا في وئام. لقد قلت كل هذا وأكثر. واتضح لي أن الطريقة الوحيدة التي يمكنني بها إقناع ابني بصحة ما أقوله، وأن أثبت له أن ما قلته له معنى واقعي وعملي، وأن القيم الأميركية ليست مفرغة من معناها هو ممارسة ما أعظ به. ولذا سوف أصبح مواطناً أميركياً في نهاية المطاف. وسوف أصبح أميركياً فرنسياً أي مواطناً أميركياً مهاجراً، وبهذه الطريقة سأحصل على مكاني المستحق وإن يكن ضئيلاً في المعارضة المخلصة ضد الرئيس ترامب. وسوف أبذل كل ما في وسعي لألحق الهزيمة به وبحزبه كخصم وليس كعدو، لكن لا تطلبوا مني فحسب أن أشجع المنتخب القومي الأميركي لكرة القدم. * كاتب مقيم في لوس أنجلوس ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©