الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

طريق الغربة.. والعودة

طريق الغربة.. والعودة
8 سبتمبر 2010 21:39
حياة زهران وتحولاته وترحاله هي الحالة التي يتناولها طاهر الزهراني الروائي السعودي في روايته الجديدة “نحو الجنوب”، إذ ينجو به من مصير إلى آخر في حياة أخرى لم تكن بحسبانه ولم يكن مهيئا لها، وعليه أن يكون مستعدا لشكل آخر ينرسم على ملامحه ويتشكل مثل ذاكرة بقي منها خيوط رهيفة في صورة فوتوغرافية. وطاهر في هذه الرواية ينسج حالته ليدخلنا في مقاربة إنسانية لبطله زهران مع تحوله وانتقاله من المدينة إلى القرية حيث سيكون من الصعب عليه أن يتكيف بسهولة مع محيطاته الجديدة وتلك الأفكار التي لم تطرأ على باله من قبل. اللغة تغيرت وصار لها رائحة الشجر وعرق الحياة في كدحها، والفكرة هي ذاتها مع فارق شاسع في فهم المتحول والواقع الجديد. سيكون الشارع والملعب والكرة والحبيبة التي تركها في جدة خلف نافذة تشف عنها مقابل ماتقترحه حياة القرية وماتهبه.. المزرعة وجدة والشنفرى ورحلات الصيد وحياة في قبضة الريح والانتظار وكلبه الصديق المسمى مروان. وبين عالمين يأخذنا طاهر الزهراني في رحلة زهران وتساؤلات عديدة مع شخوص الرواية عن الحب والحياة والحداثة والعادات والتقاليد ومعاناة الجنوبي مع كائناته التي يمثلها طاهر بالطرقات الوعرة والحالة الاقتصادية، تلك الحالة العامة التي تسيطر على القرية من الرفض والتمسك بالكثير من الآراء مهما كانت، ومقترحات من شأنها الإصلاح والتجديد والتطور. ولأن طاهر يعنيه بالدرجة الأولى أن يكتب نصا إبداعيا عن الانسان ليقيس العلاقة الطردية والعكسية بين المدنية والقرية البسيطة يختار لغة بسيطة على مدار الفصول يتخللها ماقد يعرفه المتابع والعارف بأسرار المكان وخوابيه، فهو يتطرق كثيرا إلى عوالم المكانين من جانبهما المضيء كلا حسب امكانياته وعوالمه، فنعثر على الشعر والتقليد أو القانون في أوساط القرى، وعلى نظام آخر أكثر ديناميكية ومختلف تماما في اهتماماته واكتراثه في المدينة، ولايحدث هذا المزيج لدى زهران الكثير من التغيير فهو في محطة أو على مقعد انتظار ليعود بعد حصته من الجبال والجنوب إلى مدينته جدة الصخب والأضواء والحارة والنادي الكروي، وهناك سيلقي بكل شيء زائد عن حاجته على مشارف المدينة، ولكنه لن يفقد حنينه وتلك العلاقات الانسانية التي تكونت وتخلقت في دواخله، حتى مع مروان ورحلات الصيد ولسعات الناموس في عتمة القرى والمرض وثقافة جديدة. القرية علمته الكثير من فن الحياة وخلقت لديه حسا ليقارب بين الأشياء وينصت للشجر والحيوان وأغنيات الجد: “مروان ينظر من فوق إلينا.. ونحن ندفن صاحبه يدور على نفسه ويصدر من جوفه أنينا مؤلما”، أو في مقطع آخر: “تشعر أن الأرض ترقص وتغني، طرق زهران على العود موسيقى تصويرية، تسكب على المكان ألوانا من بهجة، تزرع أملا أنك موجود على أرض لها تاريخ وهموم وحكايات”، وبالتالي لاتكون عودته لجدة مشروطة لديه بالسعادة والرضا تماما، بل ربما كانت هي الأخرى محطة لم تنتظره خلال فترة غيابه فيقول في طريق عودته وهو يرى أضواء جدة من بعيد: “هالة النور التي تغطيها أدخلها فارغا من كل شعور”، ذلك الشعور الذي لم يحسمه طاهر تماما لأنها زاوية سيقررها القارئ وهو يغلق آخر صفحات الجنوب من جهة وهو يقارن وبين شعوره بالحنين لأولاد الحارة من جهة أخرى.. وهاهو يقول: “اشتقت إلى جدة اشتقت إلى أزقتها الرطبة، الحواري المهملة، عرق الكادحين، تناقض الشمال والجنوب، باب مكة، باب شريف، ومقاهي باب جديد المتهاكلة”. إذن فجدة التي يعرفها زهران أيضا ليست تلك الارستقراطية أو الثرية فقط بل هي المهملة والمنسية وذات الناس والكدح وهي مقاربة ذكية يقتنصها طاهر في تأجيج السؤال مجددا، وفي لعبة الأجيال التي مررها أكثر من مرة على صعيد المتغير الطارئ والذي عايشه زهران كاملا وفي المكانين: “والجيل الجديد أصبح مسخا بلاهوية، يذاكر دروسه أولا بأول ويضعون نظارات سميكة على أنوفهم ويلعبون الــ(سوني) في المساء وفي نهاية الأسبوع يذهبون للكبائن للسباحة واللعب بالجت سكي”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©