الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حكايات ترام القاهرة

حكايات ترام القاهرة
8 سبتمبر 2010 21:41
الأديب والكاتب الراحل محمد سيد كيلاني كان مغرما بالموضوعات الطريفة التي لا تثير اهتمام كثير من الباحثين والكتاب، فأصدر كتابا بعنوان “ترام القاهرة” وآخر عن “ربوع الازبكية” وثالثا عن “الأدب القبطي” ورابعا حول “التشيع في الأدب” وهكذا كانت كتبه التي لم تحقق له في حياته شهرة حقيقية، ولم ينل اعتراف الاكاديميين ولا غيرهم بل ظل كاتبا مغمورا الى ان جاءت السنوات الاخيرة بحوادثها لتلفت انتباه الباحثين الى كتبه وأعماله، فأعيدت طباعتها، ومن بينها “ترام القاهرة” الذي أصدرت طبعة جديدة منه سلسلة “ذاكرة الوطن” التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة ويترأس تحريرها الشاعر اسامة عفيفي. صدرت الطبعة الاولى من الكتاب عام 1968 وقدمه كاتبه بقصيدة اهداء الى ثروت عكاشة فيها الرجاء والتمني. الكتاب يتناول قصة الترام في القاهرة، وكان الترام وقت ان بدأ العمل في شوارع القاهرة، 12 أغسطس 1896 نقلة ضخمة، فقد أنهى عصر المواصلات البطيئة والفردية الى الجماعية والسريعة، كانت الحمير والبغال وسيلة المواصلات السائدة في القاهرة، وكانت هناك عربات تجرها الخيول يركبها علية القوم وكانت الحياة تتعطل حين تصاب الخيول والبغال بالاوبئة مثل الكوليرا، وكان اصحاب الحمير يعاملون الركاب بغلظة ومبالغة في الأسعار، وكانت الحوادث تقع في الشوارع كأن تطأ البغال احد المواطنين فتكسر ساقه، ولم تكن الحمير والبغال تسير ليلا فتتوقف الحياة، لذا كان الانتقال من حي الى حي داخل القاهرة سفرا حقيقيا، فيه من المشقة والمعاناة الكثير، وكانت الحركة صعبة في ليل القاهرة، لكن في عصر الخديو عباس حلمي وتحديدا في أغسطس 1893 أعلنت الحكومة المصرية أن تقوم شركة بمد خطوط الترام في شوارع القاهرة وتقدمت شركة بلجيكية للقيام بهذه المهمة وصادق مجلس النظار على منحها الامتياز في نوفمبر من العام التالي وفي اول اغسطس 1896 بدأ التسيير التجريبي للترام، حيث استقل حسين فخري باشا ناظر الاشغال ومعه كبار الموظفين بالوزارة عربة الترام من بولاق مارا بالعتبة وصولا الى القلعة وقد وقف الاهالي بالآلاف يتابعون ذلك المشهد الغريب، والاطفال يجرون خلف العربات صائحين “العفريت العفريت” وقالت صحيفة “المقطم” في اليوم التالي ان المركبة كانت “تسرع حتى تسابق الرياح متى خلت الطريق، وتارة تسير رويدا رويدا، أو تقف عند اعتراض الاولاد طريقها، وقد وقف سائقها ووضع يده على نيران تسييرها وإيقافها. ويصل بينها وبين السلك فوقها عمود من الحديد لإتمام الدورة الكهربائية” وتقرر الافتتاح الرسمي يوم 12 أغسطس وأقيم الاحتفال في العتبة الخضراء حيث وقفت العربات ودعي اليه الأمراء والنظار وكبار الموظفين وقناصل الدول الاجنبية ورجال القضاء وغيرهم. وغص الميدان بعشرات الآلاف من المواطنين يتابعون ذلك المشهد البديع. وبالاتفاق بين الحكومة والشركة البلجيكية وضعت لائحة خاصة بالترام ونوقشت في مجلس شورى النواب ـ البرلمان ـ وتم اقرارها ومن اهم بنودها ان كل محدث غوغاء أو سكران أو مصاب بعاهة تشمئز منها النفس يمنع من ركوب الترام. وكذلك منع وضع اي شيء على قضيب الترام امامه أو خلفه أو على جانبيه أو التعلق بأبوابه، وقد اقترح الامام محمد عبده ان يضاف الى اللائحة عبارة تفيد منع السير بين القضيبين. وترتب على ظهور الترام ان صار الانتقال سهلا داخل القاهرة وكثر التلاقي بين الجماعات والأصحاب ليلا فالعربات كانت تعمل حتى الواحدة صباحا وارتفعت أسعار الاراضي القريبة من خطوط الترام وبدأ البناء عليها وكان الترام وسيلة لخروج المرأة من بيتها والعودة سريعا لقضاء حوائجها واشيائها، ولم يعد خروجها محاطا بالمحاذير كما كان يحدث في السابق. اما في منطقة العتبة فقد انتشرت المحال التجارية وأقيمت الفنادق والمطاعم بها وازداد اقبال الاجانب على شراء الاراضي وإقامة المتاجر الانيقة والمباني الفخمة حتى ان مجلة “المنار” علقت بالقول ـ عدد 12 ابريل 1898 “لو ان أحدا طار في منطاد ونزل في الازبكية وطاف فيما يقرب منها يقول ان هذه المدينة هي أخت باريس أو بنتها”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©