الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

منال حمدي: شخصياتي توبخني

منال حمدي: شخصياتي توبخني
8 سبتمبر 2010 21:42
منال حمدي قاصة أردنية تبدع حين تكتب.. كلماتها تجمل الورق كما يصفها البعض.. تصعد سلم الشهرة بخطى واثقة وغير متسرعة مسلحة بوعي وثقافة ورؤية تثير الإعجاب، وبعد مجموعتها القصصية “تلك الوجوه.. هذه الأبواب” التي أثارت جدلاً واسعاً بين المثقفين، تستعد لإصدار روايتها “ويشبه القمح”. في حديثها صراحة ووفاء واندفاع شباب منضبط تعرف ما تريد وما لا تريد.. شخصياتها واقعية يشربن معها فنجان قهوتها كما تقول، تلتقطهن من الشارع أو البيت أو المقهى، وتفتح لهن نافذة واسعة للانطلاق للتعبير عن عواطفهن وخلجات قلوبهن بكل حرية في منأى عن التابوهات المحرمة أو أي قيود، لتصورهن كما هن وليس كما تتخيلهن.. هذه إطلالة على شيء من إبداعاتها. ? في مجموعتك “تلك الوجوه.. هذه الأبواب” محاولة لاقتحام “التابو”.. فهل تدعين لثقافة جنسية؟ ? بوصفي كاتبة لست متقوقعة بالتابوهات التي تعرقل فن الكتابة فلتسميه تمرداً إن شئت! فـ”التابو” لغة مرفوضة تحد من الإبداع وما يدعوني للكتابة هو الألق الذي نختلف فيه عن الآخرين والتحليق الذي نحتاجه كلّما أعتَمَنا مصباحنا.. لن أجزّ عنق قلمي حين أكتب أو أقتل فكرة لأني أخشى إفشاءها ولا يعنيني الرقيب الذي يترصّد كلماتي ليسقطها في الممنوعات تباعاً فهي في كل الحالات محفوفة بالمخاطر حتى من كتّاب قد يفسرونها بطريقة مغايرة لكاتبة تخترق تابو الجنس فهذا خطر أحبه ولا أخشاه ولا أعتبره معيباً حين أتناوله كثقافة وليس إسفافاً للجسد فكيف أكتب وأنا أضع نصب عيني الممنوعات؟ فإن كنتُ اقتحمت تابو الجنس في قصتي: “يشربه الورد أحياناً” و”الطابور” فهي دعوة لتثقيف الفكر والحواسّ تجاه الجنس الذي هو من صميم حياتنا اليومية. شخصية مهزومة ? بطلتك في “سقوط الأبيض” مهزومة فلم تدافع عن حبها بل تملكتها رغبة الموت لماذا؟ ? لأننا آدميون نحتاج إلى الحب والبطلة هنا عاشت حياة حالمة بعيداً عن فكرة الجسد وشهوته لكنها اكتشفت من خلال الآخر أنّ الحبّ مربوط بشهوة الجسد أيضاً وأنّ لا حب أفلاطونياً في عالم المتغيرات والتعقيدات والماديات. بطلتي شخصية واقعية لم تكن سوى فتاة تمضي حيث يقذف بها التيار تاركاً لحطام ذكرياتها رجلاً ثلجياً يذوب مع أول صباح تشرق فيه الشمس مرسلة حزمتها الذهبية فوق الثلوج أيضاً فقصصي واقعية سمعتها بنفسي أو من الآخرين أو عني فقد أكون واحدة من سبايا الانهزام أو أتحول إلى واحدة من العابرات حدود المستحيل لتتخطى المألوف فكلنا نتشارك في الحقائق الملتبسة علينا. ? يبدو ليّ أنك قاصة حالمة.. ترى ما الحلم الذي ما زلت تنتظرينه؟ ? الحالمون دهشة الواقع حين يتحول إلى طائر صيفي وشتوي وربيعي وخريفي.. كلها فصول تدعونا لنحلم حتى في سنوات عجاف حلما تساقط مع أوراق الخريف أو يفتش عن بجعة في نهر على جزيرة لم نرها إلا في خيالنا.. نحن لا نعرف لماذا نحلم وكيف نمسك بحلمنا سوى أن له سلطة غريبة، فهو يمتد فينا حتى وعيوننا مفتوحة.. هؤلاء الحالمون يموتون وأحلامهم طليقة تتهادى فجأة كريشة فوق من ترك جسده تقتله الأحزان والحروب والمنازعات والمشاجرات والقهر والانهزامات وقد تكون ذاتها الريشة على خفتها القاتلة! فلسفة الحب ? تقولين على لسان واحدة من شخصياتك “أنا لست مجرد فتاة عندما أحب” ما هي فلسفتك تجاه الحب؟ ? أليس الحب مثل الندى حين يسقط على ورق الياسمين فيتفتح لصباح مشرق؟ ومثل الفراشة لمّا تتحرر من شرنقتها فتهبنا ألوان الربيع.. وطير زاجل حين يسافر بنا فنتجول في فضاءات لم يعشها غيرنا وذاكرة عندما يصبح شخص واحد هو محتلها.. أرض يطأها أشخاص ليسوا ثقال الظل على قلوبنا. ويجب ألا ننسى أننا فتيات جميلات وأمهات صالحات والحياة مؤنثة لن أقول إنّ الرجل السبب بل هو فعل مقصود من قبل مجتمع تهيمن عليه هشاشة في كثير من تقاليدنا العمياء التي ليست لها صلة بالواقع وتبتعد كلّ البعد عن الصحة.. إفرازات لمجتمعات مرتبكة ربما لأن مجتمعاتنا باتت قشرة محترقة باحتدام الصراع الدائم بين العرب والغرب.. وبين التعبير الشفيف للحب وابتذاله.. هو ذاته الحب الذي قلتُه في مجموعتي القصصية: حين تستحيل عودتك إلى بكارتك إلى نشيد الصبايا العالقات بصور أبطال المسلسلات يفضّنا الهواء فأنا لستُ مجرّد فتاة عندما أحب. أنت عندما تحب تتحول إلى وطن وتتحرر من عبودية العالم وتصبح ملكاً على خيال لذيذ وأرض يقطنها شخص واحد يصبح شريكاً لك في مملكتك وتحيط بك عصافيرٌ تنقر فتات كلماتك وتحملها إلى البعيد حيث لا رقيب على ما تقول والآخرون لا يعرفون أين أنت وإن طالت أعناقهم السماء!. ? تقولين “عليّ أن أكون حلماً لرجل” ما نظرتك للجنس الغيري كقاصة وإنسانة؟ ? ربما تعلمنا فلسفة الحب منذ نعومة أظفارنا بمفهومها الواسع وحين كبرنا كبرت معنا المعاني والمعطيات وأصبح الحب أيضاً يعني رجلاً ربما يشقّ علينا حيناً فتح مسامات روحه لنشتمّ هواءه وربما نحن قادرون على أن نتحول إلى مسامات دقيقة تستطيع الذوبان في مسامات من نحب.. حب الذات بالنسبة للمرأة لا يعني الاستعلاء على فطرة خلقت معنا كغريزة طالما كانت المرأة العربية مؤمنة بأن هناك نصفاً آخر من الحياة يشكلها كيفما هي تحب وتريد ونون النسوة ليست سوى امرأة شفافة تدرك أنّ هناك على الطرف الآخر من الحياة من ينتظر حبها. إنّ ما يثار حول حقوق المرأة العربية ما هي إلا فبركة للحطّ من دور العروبة والإسلام وخصوصاً عند مطالبتهنّ بحقوق أصلاً كانت موجودة فالإسلام كرمها، وإذا ألقينا نظرة سريعة على حال المرأة اليهودية فديانتها تعتبرها لعنة وأَمة ووصفها الكتّاب اليهود بالمومس وأما الغرب فقد همشها وحولها لسلعة لتصل إلى الحضيض. ? المبدعون وأنت واحدة منهم شموع مضيئة في حياتنا كيف تنظرين للثقافة والمثقفين؟ ? بات المثقف مبهوراً بالغرب ووسيطاً ناقلاً لحضارة مزعومة، وقد كان المثقف هو الثوري ليس بمفهوم التحزّب بل إطاحة ما ينتهك حرمة المواطن ويحدّ من احترامه ويقلل من شأنه، ولكن الحقيقيين فئة قليلة ذهبوا ويذهبون تباعاً إما بالموت أو الاستسلام أو استمالتهم كوسيلة تشويش لكل المبادئ التي يرحّلونها إلى المجهول. نوبة الكتابة ? يقال بأن الكتابة تسمو بالإنسان لفضاءات ثرية.. ماذا تمثل الكتابة لك؟ ? أنا لا أستفيق من نوبتها إلا لأعود إلى نوبة أخرى تصبح الكتابة هيكلنا ونحن هامش لا معنى للعيش من دونه وفي بعض الأحيان أشعر أن عليّ التخلي عن قصة كتبتها لأنها تريق دماء أبطالها في روحي وتجعلني في حالة نزاع معها وقد أجد نفسي أعاقب من شخصياتها ولا أملك حيلة لمصالحتها لأنها تستحوذ على قلمي لتكتب من خلاله ما تريد. وأتذكر روايتي التي أكتبها حين بكيت لأكثر من مرة على أكثر من شخصية فيها بل كنت أكتبها ودموعي تتساقط ثم أبتعد عنها لفترات تمتد بالأشهر وأصطنع الرضى لأنها ترغّبني بالعودة لمتابعة أحداثها وكتابتها. وبصراحة شخصياتي تعيش معي تشرب قهوتي وترافقني لعملي وتنتحل أسماء قد أجدني أناديها كلّ يوم .. تروضني وتوبخني وأنا أحاورها في الشارع أو المقهى حين أراها تجلس على مقعد قبالتي وترسم موقفاً ما فتحرمني من جلسة قد تجدد شيئاً ما داخلي لأعود أدراجي وأكتب ما تمليه عليّ تلك الشخصية. فقد نبكي على قصة كتبناها وننزوي عنها في هدنة طويلة لكنها ليست مقاطعة فنحن نعيش إنسانيتنا كيفما يحركنا النبض تجاه أدواتنا فنصل إلى الذروة لتكون هناك ذروة أخرى بانتظارنا. ? في حياتنا لحظات يأس وأمل أنت كقاصة متفائلة أم متشائمة؟ ? كقاصة تعبة حتى العمق وعوالمنا ليست قادرة على الحدّ من تلك التشابكات التي تلم بنا وتبقينا على طرفي نقيض من حياة ليست زاخرة بالعطاء.. أجدني في بعض الأحيان متفائلة فأدرك أنني لم أكن سوى فتاة طارت بعيداً عن أرضية صلبة فكان ارتطامها قوياً بكل أسباب الألم والحزن. ومع هذا أجدني دائماً جدية في البحث عن أسباب تدعوني للتمسك بالحياة لتجديدها داخل روحي.. متشائمة لدرجة الضحك ومتفائلة لدرجة البكاء لكنني لا أحاول تجميل الصور ومنحها حُمرَة مُصفَرّة. ? لديك رواية قيد الطبع.. ما الذي تثيرينه بالضبط؟ ? بدأت كتابتها منذ عام 2003 واكتملت من أيام قليلة.. بكيت وضحكت فيها.. غضبت واستسلمت.. أحببت وكرهت.. هي حكاية فتاة تبحث عن ماهية الجنس التي لم تتعرف عليها بسبب عادات وتقاليد عائلتها وعلقت مع بداية حبّها الأول واعتقادها بأنها ستكون زوجة له وبدأت بحثها بطرق عدّة حتى وجدت نفسها بعد فشلها تلجأ إلى صديقاتها اللواتي اكتشفن أنها تبتعد لدرجة كبيرة عن هدفها بمعرفة ماهية الجنس وعلاقته بالحب، وبالمقابل كانت تتحد بعلاقة روحية مع أستاذها وهو مثقف مدّعي يحاول إشهار نفسه وعند اكتشافها لحقيقته تنكسر ويصبح الجنس آفة تشعرها بالاشمئزاز فتغلق عليها بابها. ? بعض النقاد نعوا القصة القصيرة وأنت تتمسكين بها فماذا تعلقين؟ ? أرى أن هناك تشابهاً يجمع بين القصة والرواية وعلى رأسها السرد فالقصة عمل أدبي شائك وصعب ومعقّد قادر على إطاحة كل مدّعٍ لكتابتها بسبب قيودها الكفيلة بأن توقع بهذه الفئة من المدّعين للكتابة خاصة عند محاولة التفلّت من قيودها بشكل عشوائي أو كامل من منطلق أنها كتابة إبداعية نستطيع أن نجددها بالطريقة التي نريد. وحسب رأي فإن تجديد القصة يكون بالطريقة التي تضيف عليها مناخاً آخر يجعل منها عملاً يضاف عليه لذلك أختلف مع النقاد الذين نعوا القصة القصيرة لأن نعيهم لها يعني الحكم عليها بالموت والتقليل من شأن كتّابها وإنّ المجاملين لهؤلاء المدعين يشكلون حلقة مفرغة تجعل من القصة سؤالاً على مفترق الطرق.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©