السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الميليشيات الليبية... خطر يتفاقم

الميليشيات الليبية... خطر يتفاقم
13 يونيو 2013 00:04
فريديرك ويري الملحق العسكري الأميركي السابق في ليبيا والباحث في معهد كارنيجي للسلام الدولي بعـد مرور سنتيـن علـى الثـورة الليبيـة، ما زالت الشرطة والجيش يعانيان من الضعف وعدم القدرة على مواجهة التحديات، فبسبب الإهمال المتعمد الذي لحق بهما من نظام القذافي لصالح وحدات خاصة تابعة لأبنائه، تفتقد الشرطة والجيش للمعدات، وللعناصر المدربة، فضلاً عن تضخم رتبها العالية، هذا ناهيك عن وصمة الارتباط بالنظام السابق التي تطاردهما. وبالنظر إلى هذا الفراغ في مؤسسات الأمن الرسمية، قفزت إلى الواجهة أكثر من 300 ميليشيا ثورية، وهي الجماعات التي خاضت حرب عام 2011 ضد قوات القذافي للإطاحة بالنظام وتحرير البلاد، فكانت النتيجة النهائية مزيداً من الاضطراب والفوضى مثلما حصل السبت الماضي عندما اكتسحت مجموعة من المحتجين في مدينة بنغازي مقر إحدى الميليشيات القوية التي ترعاها الحكومة والمعروفة باسم «درع ليبيا»، فأطلق أفرادها النار على المحتجين موقعين 27 قتيلاً في صفوفهم. فبعدما شعرت الجماهير بتضخم نفوذ الميليشيا وحضورها المتزايد في الحياة المدنية، بدأت المطالب تتصاعد بانسحابها وحلول الجيش والشرطة مكانها. لكن ما جرى من إطلاق للنار وسقوط القتلى، كان تذكـرة مؤلمـة بالصفقـة التي أجرتهـا الحكومـة الليبية الضعيفة والمنقسمة على نفسها مع الميليشيات المتعددة، وليست «درع ليبيا» سوى واحدة من الميليشيات ذات التوجه الإسلامي التي صعدت في بنغازي خلال الثورة. وفيما خضعت بعض تلك الجماعات المسلحة لسلطة الحكومة الليبية، ظلت جماعات أخرى مثل، «أنصار الشريعة»، خارج سلطة الدولة. وترجع إشكالية القوى المسلحة في ليبيا إلى ما بعد سقوط القذافي مباشرة، حيث اضطرت الحكومة الانتقالية التي كانت تفتقد إلى الوسائل والسلطة لفرض الأمن إلى استيعاب الميليشيات وإخضاعها للقيادة العامة للجيش ووزارة الداخلية، وبهذه الطريقة وُلدت «درع ليبيا» ولجان الأمن العليا. ومنذ ظهورها على الساحة وتلك اللجان تلعب الدور الفعلي للشرطة والجيش باعتقالها لتجار المخدرات وتسييرها للدوريات على الحدود الغربية والشرقية للبلاد، فضلاً عن تدخلها لإخماد الصراعات القبلية في المناطق. لكن وبشكل متصاعد أيضاً، شرعت تلك الجماعات في احتكار القانون والسعي لفرض أجندات خاصة ذات أبعاد محلية وقبلية وإسلامية، بل حتى إجرامية في بعض الأحيان، وعندما التقيت في الشهر الماضي في بنغازي بقائد «درع ليبيا»، أظهر احتقاراً واضحاً تجاه الحكومة المركزية والجيش النظامي باعتبارهما جزءاً من النظام السابق، ورغم خضوعه تراتبياً للقائد العام لهيئة الأركان المشتركة، إلا أنه كان جلياً في تحفظه على التخلي عن استقلاليته، حيث انتقد المحاولات الأخيرة التي بذلتها الحكومة لإرسال قوات خاصة إلى بنغازي. كما أنه في الشهر الماضي حاصرت الميليشيات الموالية لقائد قوات «درع ليبيا» البرلمان وباقي الوزارات، مطالبين بإقرار قانون العزل السياسي، الذي يستبعد مسؤولين عملوا مع القذافي، لكن مطالبهم تصاعدت للمطالبة باستقالة رئيس الحكومة، علي زيدان. وأمام هذا الوضع المنفلت تقدم زيدان، الذي يعاني العزلة، بطلب إلى الولايات المتحدة لتدريب قوات عسكرية جديدة تتشكل أساساً من عناصر خارج الميليشيات، ومع أن الطلب في ظاهره منطقي ويهدف إلى زيادة عدد قوات الجيش الليبية وتعزيزها، إلا أنه ينطوي على العديد من المخاطر. فأولاً من غير الواضح ما إذا كان البرلمان سيوافق على الخطوة الحكومية، كما أنه ومن دون رقابة على القوة الجديدة، فإنها قد تتحول هي أيضاً إلى ميليشيا أخرى، أو حرس خاص لسياسي سيجر عليه المزيد من النقمة الشعبية، لاسيما إذا اقترنت تلك القوات بأميركا. هذا بالإضافة إلى الصعوبات التقنية مثل ما يتطلبه بناء قوات عسكرية محترفة في ظل الإهمال، الذي طال الجيش في عهد القذافي وافتقاده لرتب مهمة مثل الملازمين والنقباء الذين يمثلون العمود الفقري لأية قوة مقاتلة، وهي أمور ستستغرق ما بين خمس إلى ست سنوات على الأقل لبناء قوات بمواصفات جيدة تكون قادرة على مجابهة التحديات والأخطار المحدقة بليبيا. لكن الأهم من هذه التفاصيل ما تغفله خطة الحكومة بإنشاء تشكيل عسكري جديد من معالجة الجذور الحقيقية للأزمة الليبية، فما هو مطلوب الآن هو صياغة عقد اجتماعي جديد، يصالح بين الفصائل الليبية المختلفة، ويقود إلى تشكيل حكومة تتمتع بشرعية حقيقية. وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى الانتخابات البرلمانية التي كانت خطوة في الاتجاه الصحيح، كما يمكن التنويه بالخطة الجاري دراستها تحت قبة البرلمان، والتي تقضي بإدماج الميليشيات ضمن قوة وطنية واحدة إلى حين تعزيز الجيش النظامي، وهو ما يوفر فرصة لإقناع الميليشيات بالخضوع لسلطة الدولة والعمل تحت مظلتها، ثم ستحتاج ليبيا إلى دستور يوضح خطوط القيادة بالنسية للجيش، ويعيد توزيع السلطة من شكلها المركزي إلى الحكومات المحلية، هذا الأمر تدركه الميليشيات بما فيها الإسلامية التي جعلت من كتابة الدستور شرطاً لإلقاء السلاح والانخراط في الدولة. وفيما يبدو أنه هدف نبيل، أخبرني قادة بعض الميليشيات في الشهر الماضي أنه على غرار النموذج الأميركي يريدون للجيش الليبي أن يدين بالولاء للدستور، ويلتزم بحمايته وليس لرئيس الدولة، لذا أعتقد بأن التسرع في إقامة قوة جديدة، كما اقترح ذلك رئيس الحكومة، دون توضيح حدود سلطتها وفي غياب الدعم الشعبي، ليس الحل الأنجع لمشكلات ليبيا المزمنة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©