السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الاتحاد الأوروبي والإمبراطورية الرومانية!

13 يونيو 2013 00:05
بريدنان سيمز أستاذ التاريخ بجامعة كامبردج، يحب أنصار الاتحاد الأوروبي أن ينظروا إليه باعتباره ظاهرة جديدة كلياً، وُلدت من فظاعات حربين عالميتين. ولكنه في الحقيقة يشبه كثيراً شكلاً سابقاً اعتقد الكثير من الأوروبيين أنهم تركوه منذ وقت طويل لمزبلة التاريخ: إنه الامبراطورية الرومانية المقدسة التي عاش تحتها الألمان لعدة مئات من السنين. والواقع أن أوجه الشبه مع الامبراطورية الرومانية المقدسة -التي ضمت في أوج قوتها كل أوروبا الوسطى تقريباً- توجد على عدة مستويات. فمجلس أوروبا اليوم، الذي تجتمع فيه الدول الأعضاء في الاتحاد، يذكِّرنا كثيراً بالرايخستاج، الذي كان يجتمع فيه ممثلو المدن والبلديات الألمانية من أجل مناقشة المواضيع ذات الاهتمام المشترك. وعلى غرار المشروع الأوروبي، الذي انبثق في الأصل عن رغبة في تجنب حرب جديدة بعد عام 1945، فإن الامبراطورية الرومانية المقدسة «الحديثة»، التي خضعت لإصلاحات بمقتضى اتفاقية ويستفاليا 1648، كان القصد منها هو نزع فتيل العداوات الألمانية الداخلية التي أدت في النهاية إلى حرب الثلاثين عاماً المأساوية. غير أن معظم أوجه الشبه أقل إطراء، في الواقع. ذلك أن كلا من الاتحاد الأوروبي والامبراطورية تميزا بنقاشات عقيمة لا نهاية لها. وعلى غرار الاتحاد الأوروبي، الذي تقسِّمه توترات بين الدول الكبيرة والصغيرة، فإن الامبراطورية الرومانية المقدسة أثبتت أنها أضعف من أن تحتوي أعضاء أقوياء جداً مثل بروسيا والنمسا. إذ تنامت المخاوف من الانقسام والانهيار، وأصيب الرايخستاج بالشلل، وعُرقل الإمبراطور بسبب الأمراء المتنافسين. فالتجربة الألمانية شكلت قصة تحذيرية بالنسبة للمستوطنات الأميركية بعد الحرب الثورية. فهذه الأخيرة كانت منقسمة انقساماً عميقاً بخصوص الطريقة، التي ينبغي أن تدافع بها عن نفسها، والأهم من ذلك بخصوص الكيفية التي ينبغي بها إعادة تسديد الدين الضخم الذي تراكم خلال الحرب. والاتفاقية التي كانت تجمع المستوطنات الأولى كانت أضعف من أن تواجه وتؤدي المطلوب، فانطلق الآباء المؤسسون يبحثون عن نماذج بديلة. وهكذا، قام جيمس ماديسون وألكسندر هاميلتون، في «الأوراق الفيدرالية»، بتأمل النظام الفيدرالي للامبراطورية الرومانية المقدسة، ولكنهما وجداه جسماً ضعيفاً، غير قادر على تنظيم أعضائه، ولا يوفر الأمن في مواجهة الأخطار الخارجية». وبدلا من ذلك، تبنى الوطنيون الأميركيون نموذج الاتحاد الإنجليزي- الاسكتلندي لعام 1707، عندما اتحدت المملكتان، اللتان كانتا جد منقسمتين في الماضي، وقامتا بدمج ديونهما وبرلمانيهما وجهودهما الجماعية على الساحة الدولية. ثم خلق الدستور الأميركي الجديد الذي نتج عن ذلك رئاسة تنفيذية قوية وسلطة تشريعية تمثيلية، وسمح بإمكانية إنشاء دين وطني موحد، وبنك وطني، وجيش قوي في النهاية، وكل ذلك في وقت تحولت فيه الولايات المتحدة إلى القوة العظمى التي نعرفها اليوم. وبالمقابل، فشلت الامبراطورية الرومانية المقدسة في إصلاح نفسها وتفككت بعد أن هُزمت أمام فرنسا النابوليونية في عام 1806. غير أنه بعد نحو 200 عام على ذلك، تم نسيان هذا التاريخ. واليوم، تذكِّرنا الجولة الدائمة لاجتماعات القمم لأوروبية ومبادرات الإصلاح بـ«نقاشات الإصلاح الامبريالي» الألمانية العقيمة التي لا تنتهي، ومن المرجح أن تعرف هي أيضاً نهاية حزينة مماثلة. فعلى غرار الامبراطورية القديمة، فقد أصبح الاتحاد اليوم منشغلا بالجوانب القانونية والإجراءات على حساب المشاركة والفعالية. وهو ما يجعل منطقة اليورو ثقيلة وبطيئة أمام المنافسة من الشرق ويجعل أسواق السندات تشك في جدارتها الائتمانية. والحقيقة أن كل ما كتبه ماديسون وهاميلتون حول الامبراطورية آنذاك يتكرر صداه اليوم في واشنطن، وإن بصوت مهموس. ولكن لحسن الحظ، هناك حل من التاريخ. ذلك أن منطقة اليورو تواجه الاختيار نفسه الذي واجهته الامبراطورية الرومانية المقدسة والوطنيون الأميركيون من قبل: كيفية التغلب على أشكال من الكونفدرالية باتت فاقدة للمصداقية. وبدلا من أن تفاقم أزمتها وتورط نفسها في ركود أعمق وعجز ديمقراطي من خلال تدابير تقشفية، يجب على الدول في منطقة العملة الموحدة أن تشكل اتحاداً كاملا وقوياً وفق النموذج الأنجلو-أميركي؛ حيث يتعين عليها أن تنشئ رئاسة تنفيذية قوية تُنتخب بالتصويت الشعبي عبر منطقة اليورو، وغرفة تشريعية قوية حقاً تُنتخب وفق عدد السكان، ومجلس شيوخ يمثل المناطق. كما ينبغي أن تصبح الديون السيادية الحالية فيدراليةً من خلال «سندات اتحادية»، مع تحديد سقف صارم للديون بالنسبة لحكومات الدول الأعضاء. وإضافة إلى ذلك، ينبغي أن يكون ثمة جيش أوروبي واحد ولغة واحدة للحكومة والسياسة: الإنجليزية. وهذا، في اعتقادنا، هو الإطار الوحيد الذي سيمنح منطقة اليورو الشرعية الديمقراطية من أجل طمأنة أسواق السندات، ودعم تطبيق حكامة مالية جيدة عبر كامل الاتحاد، والدفاع عن مصالحه وقيمه على الساحة العالمية. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©