السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الضواري».. عودة باهتة لسلسلة أفلام الرعب

«الضواري».. عودة باهتة لسلسلة أفلام الرعب
8 سبتمبر 2010 21:54
ينتمي فيلم “الضواري” ـ predators ـ للمخرج نيمرود أنتال وبإدارة المنتج روبيرت رودريغيز، لنوعية الأعمال الفنية التي تتبع أثر نجاحات الأجزاء الأولى، والتي لا يمكن الرهان دائما على استمرارية نجاحها في الأجزاء التالية، فكثيرة هي الأفلام التي اتكأت على أصالة وقوة أجزائها الأولى ولكنها قدمت فيما بعد نسخا مشوهة ومتواضعة للابتكارات الفنية والموضوعية التي تضمنها العمل الأصلي. فالأجزاء التالية عادة ما تحوّل عنوان الفيلم إلى ما يشبه الإنارة اللامعة التي تضيء الذاكرة الأرشيفية للمتفرج، وتعيده لتألق ونجاح الجزء الأول، ولكنها هذه الذاكرة الاستعادية سرعان ما تنطفئ في مهب المقارنات والمقاربات التي يختبرها هذا المتفرج مع ذائقته ومع مرجعيته وحساسيته الفنية والتي تميل باتجاه الأفضل والأكثر تميزا. في الجزء الأول من فيلم “الضواري” الذي شاهدناه في نهاية الثمانينات من القرن الماضي استطاع المخرج جون مكتيرنان (مخرج فيلم “داي هارد”) أن يوظف البنية الجسمانية القوية والملامح المتجهمة للممثل أرنولد شواريزنيجر كي يقدم للمتفرج توليفة مشهدية مثيرة، تجمع بين الرعب والخيال العلمي والأجواء الغامضة والحافلة بالمطاردات والتصفيات الجسدية، التي ينفذها كائن فضائي مخيف ومتطور تقنيا، أثناء مجابهته لمجموعة من الجنود المرتزقة في غابات أمريكا الجنوبية. ومع الجزء الثاني الذي ظهر في بداية التسعينات، وتولى بطولته الممثل الأسمر داني جلوفر، كان الفيلم الذي تدور أحداثه في غابات المدن الأسمنتية، مقنعا نوعا ما، ولكنه لم يضف جديدا لخلطة الإثارة والترقب التي حفل بها الجزء الأول، أما الجزء الثالث فكان مجرد استعراض بصري ساذج لدمج كائنين مخيفين في صراع مدمر وشرس، ولكن النتائج كانت مخيبة للآمال، وتحول المتفرجون إلى فرائس وضحايا جراء مشاهدتهم لهذا الفيلم المفلس والخاوي من أي قيمة أو مغزى. متاهات سردية في النسخة الرابعة من السلسلة التي عرضت مؤخرا ـ والتي نتمنى أن تكون هي النسخة الأخيرة ـ قدم المخرج (أنتال) عملا يمكن إدراجه في خانة الأفلام ذات الميزانية المتوسطة التي تستعين بممثلين معروفين في أدوار سريعة وعابرة، وتتلافى الدخول في مغامرات إنتاجية ضخمة لأنها تعرف بالأساس حجم المردود المادي والجماهيري المتوقع منها، خصوصا وأن مثل هذه النوعية من الأفلام والتي يطلق عليها عادة مصطلح (البي موفيز) أو أفلام الدرجة الثانية هي أفلام تسعى لتحقيق ربح سريع ومقنع في مواسم سينمائية شبه ميتة وخالية من إغراءات الجذب السينمائي والضمانات الربحية العالية، لأن البقية المتاحة من هذه الأرباح البسيطة يمكن جنيها بعد ذلك في سوق الفيديو والتعاقدات التلفزيونية وغيرها من المنافذ التسويقية والإعلانية المختلفة. افتقر الجزء الرابع من سلسلة “الضواري” للموضوعية منذ دقائقه الأولى التي تؤسس للدخول إلى قصته ومناخاته أو تهيئ معبرا بصريا مناسبا للتواصل مع السينوغرافيا والديكورات الخارجية التي تعزز نوايا الحبكة وتضيء مسارات القصة، فعندما تهبط مجموعة مكونة من مجندين منحدرين من جنسيات مختلفة وسط غابة كثيفة في كوكب غريب دون أن يعرف هؤلاء المجندون عن موقعهم شيئا، أو لماذا تم اختيارهم وما المهام المطلوبة منهم، فإن الفيلم يفصح منذ البداية عن ارتباكه وضياع خيوطه السردية، خصوصا إذا تم التحكم في هذه الخيوط الدالة على مسارات القصة بواسطة تأويلات شخصية وتفاسير ذاتية من قبل قائد المجموعة (رويس) ـ يقوم بدوره الممثل المعروف أدريان برودي ـ والذي يخلص إلى نتيجة مفادها أن مجموعته وقعت في فخ كبير، وأنهم مجرد دمى بشرية وسط لعبة دموية يتسلى بها وحوش أكثر منهم قوة وفتكا وتطورا، مقارنة بالأسلحة الأرضية التي بحوزتهم، وفي تقاطعات ومقاربات مشهدية تلامس أجواء الأفلام الكارثية والمستقبلية التي شاهدناها هذا العام مثل “آفاتار” و”كتاب إيلاي” و”2012” و”الطريق”، فإن فيلم الضواري ومن خلال حلول تقنية متواضعة لم يستطع أن يتفرد بنمط إخراجي مستقل، ولم يكن قادرا أيضا على استثمار الغابة الفضائية الإكزوتيكية كي يقدم معالجات سينمائية مدهشة ومحفزة للتواصل البصري والذهني مع أحداث الفيلم. مواجهات خاسرة فالكلاب المتوحشة التي تطارد المجندين في بداية الفيلم كانت أقرب إلى الكائنات المخيفة والمفبركة التي نشاهدها عادة في أفلام الرعب التجارية، فهي خالية من عنصر الإقناع ومقحمة في سياق الإثارة غير الموظفة والتي لا يعرف المتفرج كيف ولماذا تم إدراجها في المشهد، ومعظم اللقطات الصادمة والمروعة في الفيلم كانت تعتمد على الصدفة واللاتعيين وضياع المسببات والدوافع، فخلال الربع ساعة الأولى من زمن الفيلم تساقط معظم المجندين واحدا تلو الآخر بعد مواجهات خاسرة مع كائنات فضائية شرسة لا تعرف الرحمة، أما باقي زمن الفيلم فيتحول إلى لعبة انتقام، ثم لعبة كرّ وفرّ بين بطل وبطلة الفيلم وبين الضواري الذين يملكون قدرات قتالية متفوقة تقنيا، فهم تارة يتحولون إلى أشباح، وتارة إلى كائنات تترصد ضحاياها من خلال الأشعة تحت الحمراء، وتارة أخرى نرى هذه الكائنات الغرائبية وهي ترمي بقذائف موجهة ومخّزنة في أجسادها، بينما يعتمد بطلا الفيلم على ما تبقى لديهما من دهاء بشري ومن حماسة داخلية كي يقضيا على هذه الوحوش المخاتلة والماكرة. وعلى مستوى الأداء التمثيلي فإن كيمياء التواصل والتعاطف بين شخصيات الفيلم وبين المتفرج كانت معدومة تماما فممثل كإدريان برودي الذي قدم سابقا أدوارا مذهلة على الشاشة، أهمها على الإطلاق دوره الاستثنائي في فيلم “عازف البيانو” تحت إدارة المخرج رومان بولانسكي، فبغض النظر عن موضوع الفيلم وتعاطفه المفرط مع ضحايا الهولوكوست، إلا أن برودي استطاع أن يعبر عن طاقة أدائية ساحرة وفاتنة استحق عليها جائزة الأوسكار خلال السنة التي عرض فيها الفيلم، ويستغرب المتابع للخيارات الفنية التي يميل لها (برودي) من مبررات مشاركته في فيلم رعب رخيص مثل (الضواري) فهو لن يضيف إلى رصيده الفني شيئا، كما أنه لا يلائم قدراته الأدائية ولا بنيته الجسدية والتي تتطلب مواصفات خاصة لهكذا أفلام تعتمد على القوة والعراك والتلاحم الجسماني. حوارات الفيلم بدورها جاءت هزيلة ومشوشة، خصوصا في المشهد الذي ظهر فيه الممثل المعروف لورنس فيشبورن والذي بدا مرتبكا وكان أداؤه أقرب إلى الممثلين المبتدئين أو الهواة وليس لممثل مخضرم قدم أدوارا ملفتة وقوية في أعماله السابقة، وحتى عندما أراد المخرج أن يبرز مدى القسوة البشرية التي عبّر عنها الجنود استنادا إلى خبراتهم الحربية والمهمات القذرة التي أدوها أثناء المعارك الأرضية، فإنه أخفق في إيجاد مبرر أو منفذ لتمرير هذه القسوة وتفسيرها، كما أن دوافع الصراع بين الجنود وبين الكائنات الفضائية كانت مشوشة وغير مترابطة وجاءت معظم مشاهد القتال بين الطرفين لسد الثغرات الموضوعية، وإكمال النقص الكبير والواضح لتسلسل الأحداث وتداخلها. إخفاقات متواصلة عموما فإن فيلم “الضواري” يضاف لسلسلة الإخفاقات التي ما زالت تطارد المخرج والمنتج المكسيكي الأصل روبيرت رودريغيز والذي ظل لفترة طويلة وهو يتخبط في خياراته الفنية فتارة نراه ينتج أفلاما موجهة للأطفال، وتارة أخرى يتجه نحو أفلام الرعب، ثم الكوميديا، وأخيرا الخيال العلمي، إلا أنه وفي كل مرة يقع في فخ الفشل التجاري والفني، الذي لا يمكن الخلاص منه رغم استعانته بممثلين مشهورين أمثال أنطونيو بانديراس وسلفستر ستالوني وهذه المرة أدريان برودي، ورغم الوعود الفنية المبشرة التي قدمها رودريغيز في بداية التسعينات مع إخراجه لباكورة أعماله السينمائية، وهو الفيلم المكسيكي الجميل والمؤثر “المارياتشي” أو “العازف” والذي حاز على إعجاب النقاد حول العالم في ذلك الوقت رغم ميزانيته البسيطة، إلا أن رودريعيز سرعان ما سقط ضحية للإغراءات المادية التي قدمتها له هوليوود فأخرج النسخة التجارية من المارياتشي تحت عنوان “ديسبرادو” أو (المتهور) مع الممثل أنطونيو بانديراس، وكرت السبحة بعد من خلال تعاون رودريغيز مع المخرج المشاكس كوانتين تارانتينو صاحب الفيلم الشهير “بالب فيكشن” أو (رواية الجيب)، ولكن التعاون بين هذين المخرجين لم يثمر عن نتائج مبهرة حتى الآن.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©