الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مزار شريف مدينة أفغانية ورثت أمجاد «جنة الأرض» بسبب الملاريا

مزار شريف مدينة أفغانية ورثت أمجاد «جنة الأرض» بسبب الملاريا
8 سبتمبر 2010 22:05
مزار شريف ذاع صيتها مؤخراً في الأحداث العاصفة التي تمر بها أفغانستان، وهي وريثة “بلخ” الشهيرة في كتب التاريخ، بل هي محض نبت معاصر لإحدى جهاتها العتيقة. وتعد مدينة “مزار شريف” اليوم رابع أكبر مدن أفغانستان من حيث عدد السكان، حيث يبلغ سكانها 183 ألف نسمة وهي عاصمة لولاية بلخ. وترتبط مزار شريف بالعاصمة الأفغانية كابول بواسطة طريق بري يبدأ عند جنوب شرق المدينة، وإلى الغرب منها تقع مدينة هرات أو حيرات، أما شمال المدينة فتوجد عنده حدود جمهورية أوزبكستان. اسم المدينة المعروفة به في اللغة البشتونية هو اسم لمسجد تاريخي بها يسمى أيضاً المسجد الأزرق. أما شهرة المسجد ثم المدينة معاً بالمزار الشريف فهي راجعة إلى روايات متواترة لدى سكان بلخ تشير إلى أن جثمان الخليفة الراشد الرابع “علي بن أبي طالب” نقل سراً من النجف الأشرف بالعراق ليوارى الثرى بمقبرة داخل هذا المسجد الذي بات مزاراً مقدساً لدى سكان منطقة بلخ وجوارها. وقد تم تشييد المسجد الأزرق أو المزار الشريف عام 1512م، ولكنه جدد حوالي مئتي مرة عبر تاريخه ليستقر على هيئته الحالية. واستحق المسجد أن يسمى الأزرق لروعة كسوة جدرانه الخارجية وقبته الكبيرة ببلاطات من الخزف الملون بدرجات مختلفة من الأزرق وتعكس الزخارف النباتية والهندسية والكتابات النسخية في عقود الواجهة روح الفن الإسلامي. وإذا كانت مزار شريف قد صارت في العصر الحديث عاصمة لإقليم بلخ، فإن ذلك لا ينفي أن بلخ كانت المدينة الأقدم والأصل في نشأة مزار شريف رغم أنها تبدو اليوم كقرية قديمة مهجورة على بعد 20 كم إلى الشمال الغربي وتبعد هذه المدينة عن نهر “آمودريا” المعروف في كتب الجغرافيين بنهر “جيحون” بنحو 74 كم ومنه يتدفق أحد روافده عبر المدينة. وبلخ المهجورة حاليا بها تل يعرف باسم “تل حمران”، وكان الأفغانيون يعتقدون أن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قد دفن سرا فيه، ثم تم نقل الجثمان حسب اعتقادهم ليدفن في قبره الحالي بالمسجد الأزرق. وقد لعبت الصدفة التاريخية دورها في نقل عاصمة ولاية بلخ من المدينة التاريخية العتيقة إلى الضاحية المشيد بها المزار الشريف عندما اجتاح وباء “الملاريا” بلخ في عام 1870م وقضى على أغلب سكانها فأعلنت منطقة منكوبة وأخذت “مزار شريف” ما تبقى من دور لها. وتشير تقديرات سلطات الاحتلال البريطاني إلى أن عدد سكان “مزار شريف” في عام 1911م لم يكن يتجاوز 500 ولم يكن بها سوى سوق واحدة وسط أنقاض القرية القديمة. وتعود شهرة بلخ التي ورثتها مزار شريف إلى العصور الموغلة في القدم فهي من المواقع التي ازدهرت بها الحضارة الهلينية في أعقاب غزوات الإسكندر المقدوني وما زالت آثار تلك الفترة باقية بها وتجتذب الزوار من أوروبا خاصة لمشاهدتها. وقبل الفتح الإسلامي لبلخ كانت من المراكز الدينية المهمة في تلك المنطقة حيث نشأت بها مراكز كبيرة لديانات البوذية والزرادشتية أو عبادة النار. وقد أقام الزرادشت بها معبداً ارتفاعه 300 متر حتى أنه كان يرى من مدينة ترمذ بأوزبكستان وتذكر كتب التاريخ أن كتاب الزرادشت “الأفستا” كتب هناك بماء الذهب على جلود عشرة آلاف بقرة وأن العرب عندما دخلوا بلخ أحرقوا صفحات كثيرة منه وتبقى ثلاثة آلاف قطعة علما بأن الأفستا توجد حالياً في خمسة مجلدات. أما البوذية فقد انتشرت في بلخ قديماً عقب قيام أحد ملوك الهند بإنشاء معبد هناك أطلق عليه اسم “نوبهار بلخ” وقد هدم عقب فتح بلخ ويعتقد أن الجد الأعلى لأسرة البرامكة كان سادناً أو برمكاً لهذا المعبد. وقد عرفت بلخ القديمة بعدة أسماء عقب افتتاحها فهي “قبة الإسلام” لأن أهلها دخلوا طوعاً في الإسلام ولم يحاربوا جيش الفتح الذي أرسله الخليفة عثمان بن عفان تحت قيادة الأحنف بن قيس. وعرفها المؤرخون بأنها “جنة الأرض” لجودة تربتها وثرائها وكانت تنتج مختلف أنواع الأشجار والفواكه والخضر كما سميت “خير التراب” لأن ترابها كان مفضلا في صناعة الفخار والخزف بيد أن أهم أسمائها التاريخية هو “أم البلاد” لأنها أقدم بلد في المنطقة، وكانت منطلقاً للغزوات في تلك الناحية. وقد جر موقع بلخ الفريد عند ملتقى شعوب وثقافات آسيوية عدة إيرانية وهندية وتركية ومغولية عليها ويلات لم تسلم منها إلى يومنا هذا فهي دوماً في قلب الأحداث والصراعات. فقد تعرضت للهدم والتدمير الشامل 22 مرة آخرها على يد المغولي “جنكيز خان” في القرن السابع الهجري “13م”. وخضعت مزار شريف لعناصر الأفغان في عام 1852م وأصبحت في عام 1869م حاضرة كبيرة من حواضر منطقة تركستان الأفغانية وفي السنوات الأخيرة عرف اسم مزار شريف على المستوى الدولي منذ الغزو السوفيتي لأفغانستان حيث شيدت على مقربة منها قاعدة “دهداي” المركزية عام 1979م. وتمثل مزار شريف اليوم قاعدة إدارية وسياسية لولاية بلخ إحدى الولايات الأربع والثلاثين في أفغانستان وتصل مساحة هذه الولاية إلى 17249 كم2، وهي تبعد نحو 56 كم من الحدود الجنوبية لأوزبكستان بينما يصل ارتفاعها إلى حوالي 1250 قدماً عن سطح البحر. وتعد إحدى المناطق الخصبة في أفغانستان، حيث تنتج القمح والقطن والفواكه فضلاً عن شهرتها التقليدية بإنتاج الحرير. ويشكل الطاجيك أغلبية سكان مزار شريف بل وولاية بلخ كلها ثم يأتي ذوو الأصول الأوزبكية في المرتبة الثانية مع أقلية من عناصر البشتون. «البوزكاشي» من الألعاب المنتشرة في مزار شريف لعبة “البوزكاشي” أو شد الماعز ويتنافس فيها فريقان يضم كل منهما 10 رجال يمتطون الخيول ويتقاتل الفريقان من أجل الاستحواذ على جثة ماعز صغير مقطوع الرأس ويسجل اللاعبون النقاط كلما أسقطوا الجثة في واحدة من الدائرتين المرسومتين عند طرفي ملعب كبير فيما يتلقون ضربات سياط مؤلمة من الخصوم وربما يتعرضون لسقوط قاتل من فوق خيولهم لحملهم على التخلي عن الجثة قبل الوصول للدائرة التي تمثل المرمى. وتستهوي اللعبة الأجانب رغم أنهم لا يتفهمون جيداً قواعدها المطاطة التي تسمح للاعبين بعمل أي شيء لإيقاف خصومهم وعادة ما يتم ذلك بإعاقة جيادهم وجلد أيديهم بالسياط لحملهم على إسقاط جثة الماعز.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©