السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ليلى نعيم: تجاهلوني لأنني خارج أي اصطفافات

ليلى نعيم: تجاهلوني لأنني خارج أي اصطفافات
15 يونيو 2011 19:47
في عينيها حزن عميق، وفي أفكارها نضج واضح لا يخفي ما تختزنه الروح من وجع كبير. تحلم بـ “المدينة الفاضلة”، حيث يسود العدل والمساواة وتكافؤ الفرص بين طبقات المجتمع، وبقارئ تذهب إليه ويأتي إليها... في حديثها متعة الحوار وجماله؛ فهي تنتقي كلماتها دون مجاملة وتصوب كلماتها بحيادية ومصداقية نحو القضية المثارة بدقة... تقول ليلى نعيم في حوار لـ “الاتحاد الثقافي”: “أنا البحر” بغموضه واتساعه، ولدت على الطريق من كثرة الترحال ونهلت من الثقافات بقوة، ولي وجهة نظر أقولها بشجاعة واقتدار وأعاني من اغتراب جيني. وهنا التفاصيل: ليلى نعيم ناقدة وروائية تحمل شهادة الدكتوراه في الأدب المقارن من جامعة هامبورج بألمانيا، وحازت جائزة غوتة الذهبية لتميز ترجماتها وإسهاماتها الفكرية والثقافية والاجتماعية، وتحلق في فضاءات مفتوحة لتلتقط الجميل في حياتنا وتقدمه بموقف فلسفي، يثير الأسئلة والاستفسارات التي بدأت بسؤال عن روايتها “والهمس لا يتوقف أبداً”. ? في روايتك “والهمس لا يتوقف أبداً” ما الذي أردت قوله، وما رسالتك للقارئ؟ ? لم أكن أعرف ما أريد، وما قلته جاء بعفوية كاملة، وبعد أن كتبت الرواية وجدت أنها فلسفة حياة؛ فهي مبنية على رسالتين: الأولى تطلُّع لإعادة صياغة العالم والتقاط الجميل في الحياة وعكسه، فالعمل قراءة توازنية لمجمل ما شاهدت وأحسست مما أتت به الحياة، أما الرسالة الثانية فهي مراجعة وجردة حساب مع مسار حياتي، وقد خلصت بكثير من الخيبة، لكنني اكتشفت بقاء القليل لنؤسس عليه بالمقاومة الجميلة نحو الاستمرار مع الحياة وفيها. إن لحظات حياتي تتسم بالحيوية، فعندما تعيش أزمة أو إحباطا أو مأساة أو خسارة إنسانية كبيرة تكون في لحظتها قاسية جدا وعنيفة على روحك، وتؤثر في خطواتك القادمة وتتحكم الذاكرة بآليتها الخاصة في رؤيتك، وتكتشف ذاتك أو ما لم تره بتلك الدقة وتفاجأ بقوى كامنة تستنفر روحك وحياتك. ? الموت والحب والبحر مفردات تتكرر في روايتك.. ماذا هناك؟ ? البحر أنا، وفي اللحظة التي أفقد حبي وعلاقتي مع ذاتي أتذكر جماله وحيويته وكبره وهيجانه وهدوءه فأمسك الخيوط باتجاه ذاتي. “البحر أنا” بغموضه وجبروته وأمواجه وانفتاحه وعالمه الداخلي، وهو في حياتي رحلة تأمل مفاجئة وليس كما أعتادها في وعيي، وكل مرة أذهب إليه أكتشف جديدا وأستعيد توازني، لا أخطط للكتابة يومياً، بل أبدأ كل صباح من حيث انتهيت.. لا أعود لما كتبته في العادة، وعندما قرأته مجدداً بكيت لأنه زاد جمالية أو عظمة التأمل عندي. تعاملت معه بعين أخرى ففوجئت بهذا الغنى من الرؤية. أما الموت أو ما أسميه في الرواية “خلوة القبور” فبيني وبينه تصالح مطلق، لا أخاف الموت أبداً، وأمشي باتجاهه براحة تامة لكن أحاول التسلح بآلية البقاء وأدوات المقاومة كالحلم المشترك مع الآخرين وعدم فردية الاحتياجات، كما أنني أخرج من هذا العالم، أراقبه وأتمرن يومياً على حبه خارج الأنا “الذات الجمعية” التي تعنيني، أما أهم مصادر آلية البقاء فهو حبي وشغفي لرؤية ما صنعه الإنسان من جميل في الطبيعة أو إنتاجه الفني أو الفكري وجماليات تطلعه للأمام، ففكر الشباب مهم بالنسبة لي لأنه فتيّ وحيويّ في الحلم بحياة بعيدة عن المنغصات والإحباطات. والطبيعة تخبرني بأن الكون باق، فهي مسكن وجمال روح أستمد منها الحركة الأنيقة المتناغمة اللون وأشعر بأنها امتداد روحي الأبدية. يدور بيني وبينها همس دائم، ودائماً أحنّ إلى الطبيعة التي تبعدني عن الوحدة والعدم، وتذكرني بإنسانيتي، فإن لم تظلمها، وجعلتها تتصرف براحتها فحنانها يفوق حنان الأم والأب. ? فلسفتك الخاصة تجاه الحب أو ما تسمينه في روايتك “تحدي اللحظة الموجعة”، باعتباره القاسم المشترك والدائم لإنسانيتنا، على ماذا ترتكزين فيها؟ ? الحب حياة وبفقدانه تفتقد كل عناصر الحياة. والحب يأتيك بأشكال مختلفة وعليك أن تكون منفتحاً باتجاهه،”لست محرومة من الحب بل أغير ملامحي كما تتطلب الظروف”.. أحب الإنسان بحالته الساكنة المتأملة وربما الحزينة والمنفعلة.. كل لحظة في الإنسان والكون تستطيع أن تفتح أبوابها وحتى الحزن والتأمل يمتلئان بالحب أيضا، لأنك لا تستطيع أن تتأمل شيئا تكرهه، فبالتالي الحزن نبيل جداً يعيد لروحك إنسانيتها. دمغة الغربة ? قلت في روايتك: “أحمل دمغة الغربة” فهل تعانين أزمة هوية؟ ? الغربة متعددة الطبقات والوجوه والأشكال؛ فقد تأتي ربما في لحظات غياب التآلف مع محيطك الثقافي أو تقبل محيطك السياسي أو الطبقي، وإذا كنت أكثر حساسية ومعرفة تشعر بالاغتراب فقد شاءت الظروف أن أولد على الطريق، وخارج الولادة على الطريق كانت هناك عائلة تشعر بدرجة عالية من الاغتراب، حيث اختلاف الأديان والمرجعية الاجتماعية والمعرفية للأب والأم أصابني بما يسمى بـ “الاغتراب الجيني”، أما القراءة غير المؤطرة، القراءة العالمية فتجعلك تقتحم مواقع متباينة جغرافياً وتاريخياً: تكون جارية في القرن السابع عشر في اليابان، وولداً مشرداً في مزابل مومباي، وملكاً متسلطاً من أعمال شكسبير.. وإنساناً منزوياً أو مشاركاً قومياً جمالياً بصحبة محمود درويش وهو يقرع أجراس المقاومة. ومع القراءة تتوتر الشخصيات في داخلك وتتوسع الذات في انقساماتك وفي تكاملها أيضا، ممّا يسبب اغترابا تتقبله وتحبه مستقبلاً كمكوّن لذاتك. ? تتحدثين كثيراً عن الترحال والسفر المتواصل... ماذا أعطاك؟ ? أعطاني الترحال جمالية الحركة والعين المنفتحة، وهو ضروري وجميل وعامل إثراء دائم لكنه يأخذ منك غذاء الاستقرار. الثقافات المختلفة “هي أنا”. تخيل لو لم أقرأ جزءاً كبيرا من المكتبة الألمانية الأدبية والفلسفية أو الإنجليزية أو الفرنسية أو الروسية، ولم ألتق بتولستوي أو شكسبير أو بلفاغ أو بودلير أو دانتي فماذا أكون!!.. لقد جاورتهم جميعا ودخلت في أعماقهم وأعادوا تشكيلي وأصبحت جزءاً منهم وأصبحوا جزءاً مني. ? بمن تأثرت في رحلتك الفكرية والأدبية، فالرواية نص عميق مشحون بالفلسفة؟ ? النص مشحون بالموقف الفلسفي وليس الفلسفة، الذي هو موقف ورؤية للحياة من خلال رؤيتي وإنارة ما أتاني جميلا أو مهما ومثريا لي. ومن سيقرأ؟ أطلب من القارئ أن يصعد إلي وأذهب إليه أيضاً. أطالبه بأن يأتيني بأدواتي حتى يتعلم أو يثرى بما جمعت عيناي وقلبي وأذهب لقلبه وعقله وأتحاور معهما؛ فالعملية متبادلة فلا يمكن لكاتب أدبي أن لا يأخذ هذه الجدلية “تذهب وتأتي”، أما عن التأثر فقد تأترث بأسماء كثيرة مثل غوتة وشكسبير وبلزاك وأبو حيان التوحيدي، والمعري وكتاب الرواية العربية في عصر النهضة وشعراء المقاومة. ? ما يأتيك من الثقافات الأخرى.. هل يخضع لـ”فلترة”؟ ? نعم، هناك آلية مراقبة ذاتية وتقييم منفتح؛ فقد أصبحت مستقلة في الرؤية وأشعر بجماليتها في الفترة الحالية، فلا يستقر عندي ما لا أريد ولا يمكن أن أتقبل أو أتلقى بترحاب ما لا أريده، وثمة “عملية فلترة عالية”. ? بعض المفكرين العرب ينظرون للعولمة بأنها ذوبان للذات والهوية.. ماذا ترين؟ ? هذا يتطلب أولاً تحديد مفهوم المصطلحات، ومن وجهة نظري فالعولمة ليست جديدة وفيها جانب من التمازج والتلاحم والتداخل المعرفي والثقافي، وهناك الجانب الاستيلائي الاستعماري المدمر أو لنقل تسلط قوى على أخرى بطرق مباشرة أوغير مباشرة. لا أقول إنني أعارض العولمة أو معها فهي مجمل الحياة المعاصرة بسلبياتها وإيجابياتها، وعليك أن تنتقي وتحارب الجزء الذي لا تريد وتشير لما تراه لصالح الإنسانية، فالثقافات لا تعيش إلا بانفتاح الهواء والأكسجين على الآخرو وإذا امتلأت بذاتها فاضت ودمرت وإذا انكمشت على ذاتها ضمرت وذهبت “هما كمبدأ فيزيائي”. ? في بداية الحديث قلت إنك صاحبة مشروع ثقافي.. ما مضمونه وما أهدافه؟ ? إنه مشروع إنساني بمفرداته وأدوات إنتاجه وتوجهه، وأعني بالإنساني ذلك المركب الواسع في الاجتهاد والمعرفة والإنتاج، فمشروعي قائم من داخل البيت الإنساني باتجاه تعميق قراءة الإنسان لذاته وتاريخه الماضي والمستقبلي، لفهم حاضره والارتقاء به من خلال ما أنتجه الإنسان جماليا ومعرفيا وإثراء ما أتاك منتجا. وشخصيا أريد إنسانا فرحا ومتسقا مع حياته وواعيا لأهمية حياته لذاته، وهذا يعطي نماذج لإنسان ملتزم بالإنسانية والعدالة الاجتماعية وجماليات الحياة والوجود داخل عائلة جيدة وجسد اجتماعي تقل فيه الفروقات الطبقية والمعرفية ويرفض العنف. ? ترسمين صورة للإنسان، فهل ينطبق هذا الوصف على الشباب الرابضين في الميادين والشوارع مطالبين بالعدالة والكرامة؟ ? لو حاولت أن أرسمها لما استطعت الوصول للحد الأدنى من جمالياتها؛ فالشباب العربي يعيشون الآن جمالا إنسانيا ورغبة في المعرفة وترتيبا وحماية للحياة الإنسانية من أن تكون وحشاً. أنا شكورة أن عشت هذه اللحظة وما زلت وأستمد يوميا كل معرفتي وجماليات التمسك بإتمام مشروعي، والسير به لأساهم ولو بالقليل في إثراء هذه الحالة المباغتة الجميلة في تاريخنا. هؤلاء يشكلون لي إضاءات وفضاء جديدا وإيمانا بأن الإنسان قادر على الدفاع عن حقوقه والتقدم في إنسانيته للأمام. المدن متوحّشة ? مدينتك، لماذا سرقت أحلامك؟ ? المدن أماكن إقامة تحمل الشيء وضده، تماماً مثل الإنسان الذي بناها لكن المدن التي نشهدها الآن وحشية؛ فمن يحكم المدن سياسيا واجتماعيا وأخلاقيا وكيف؟!! ولو قرأنا هذه المفردات بعيون ساكنيها لوجدنا أنها ضد الإنسان “المدن أصبحت وحشاً لساكنيها”، وتنغص إمكانية الموت. وعليك أن تكون يقظا وتحتفظ ببعض الزوايا الصغيرة لتولد أحلامك في مدن إنسانية أو جبلية خارج القسوة التامة. المدينة سرقت أحلامي. من الممكن استبدال المدن .. ومن المستحيل استبدال الأعماق. ? يلاحظ أنك منعزلة وتفضلين البقاء في محرابك، لماذا؟ ? هذه مسألة ذاتية تدور حول كيف أتقبل هذا الانكفاء على الذات الثقافية هنا، فقد تعلمت الحياة بانفتاح على الآخر واستقبال المختلف وتطويره، لكنني اشعر أحيانا عندما ادخل الأجواء الثقافية بضيق وشعور بالإحباط، فأعود لمحرابي وأقول عليّ أن امتلك الفضاء فهو أرحب وأوسع من الذهاب لمواقع ثقافية أراها تمترست بالضيق والبؤس. ? بصراحة ما هو تقييمك لدور المثقفين في حركة التغيير التي تشهدها عدة عواصم عربية؟ ? الثقافة والمثقف ليس لهما ربما في هذه اللحظة دور مباشر، لكن الثقافة ومخرجاتها عبر أزمنة مختلفة أسستا وساهمتا في البنية الجميلة لدى شباب مدن العرب. المثقف لا يقود بل يؤسس لحراك داخلي في الإنسان ويستشرف أيضا أن الحراك سيأتي في اللحظة المناسبة لصالح الإنسان. ? الحركة النقدية بالأردن من وجهة نظرك هل تنهض بالنص أم أنها تجميلية؟ ? لا أظن أن هناك حركة نقدية بمفهومها البنائي الاستنهاضي للنصوص؛ فهي تعتمد طريقة استعراض نص.. وحتى الآن لا أرى تلك الخاصية البنائية في صفحات النقد بالأردن، وأرى أنها اصطفافية تعصبية؛ فإذا كنت من خارج دوائر معينة تبقى مُتَجاهَلاً ونصوصك خارج القراءات النقدية لأن الناقد لا يتخطى النص لمواقع أعلى، ولا يسير فيه لشطآن جديدة، والحالة النقدية لا تثري النص وصانعه. والمدينة حينما تتجاهل إنساناً معرفياً وفكرياً مهماً اجتهد في حب المكان تقتله، لقد وقع عليّ ظلم باستبعادي من أي موقع بنائي في المجتمع كغيري واستثنيت بحجم وجودي (22 عاما)، ومن هنا أشعر بالغربة لأنني خارج أي اصطفاف قبلي أو سياسي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©