الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كتب تُحرق.. وأخرى تَغرق

كتب تُحرق.. وأخرى تَغرق
15 يونيو 2011 19:48
تبرز أهمية المكتبات ودورها الحضاري والثقافي من خلال نهضة الأمم وكثرة علمائها ومفكريها ومبدعيها. ولعلّ للمكتبات في سِفر الحضارات الأولى أهمية واضحة المعالم من خلال الرُّقم الطينية والشواهد الحضارية المحفوظة اليوم في المتاحف المختلفة سواء العربية أم الغربية، حيث تظهر تلك النصوص استخدام الإنسان القديم للطين كأقدم مادة للتدوين والكتابة عليها لحفظ الوثائق والسجلات والنصوص والمعارف والعلوم المختلفة للخاصة والعامة. لقد ظهرت في الحضارات القديمة مكتبات ودور للنشر وخزائن حفظت للأجيال ذلك السجل التاريخي والمعرفي لحضارات الأمم السالفة. فهناك خزائن للكتب ظهرت في التاريخ بمدينة نيبور “نُفر” جنوب مدينة بابل بالعراق، وكذلك خزائن للكتب في مدينة نينوى شمال العراق، وسجلات للكتب في إيبلا بالشام، ومثلها في أوغاريت شمال اللاذقية بسورية، ومكتبة الإسكندرية بمصر، كما عُرفت المكتبات بأسماء: بيت، خزانة، وهي كلمة معروفة لاسم الوضع الذي يُخزن فيه الشيء، دار. وضمن الإصدارات المتميزة لإدارة البحوث والدراسات الثقافية في وزارة الثقافة والفنون والتراث في دولة قطر صدر كتاب الباحث الفرنسي المتخصص في تاريخ الورق والمكتبات لوسيان بولاسترون وبترجمة هاشم صالح ومحمد مخلوف ومراجعة عبد الودود العمراني، حيث يسطر هذا الكتاب تاريخ العمليات الكبرى لتدمير المكتبات منذ الصين في عهد سلالة كينج وصولاً إلى الكوارث المعاصرة من حريق الإسكندرية، إلى التهاب سراييفو 1992م، مرورا بروما، وكيزيفون، وبغداد “جنكيزخان”، ثم شرور محاكم التفتيش، ثم الثورة الفرنسية أو الكومون. احتوى الكتاب على مقدمة “هل حرق عمرو مكتبة الإسكندرية؟” للدكتور حمادي بن جاب الله، وثلاثة عشر فصلاً، إضافة إلى ملحقين: الأول “الكتاب الكبار يجمعون: ينبغي تدمير المكتبة” لفردريش جورج يونجر، والملحق الثاني كتبه مارسيل شواب بعنوان: “تاريخ مقتضب لإحصاء الكتب المفقودة”، مع أسطورة في الختام. وتساءل ابن جاب الله في المقدمة: هل حرق عمرو مكتبة الإسكندرية؟، مجيباً عبر رجوعه إلى مظان كتب التاريخ العربي وتتبع الروايات تتبع الفاحص الفاحص لتلك الروايات والشكوك التي ساورت هذه القضية ليخلص إلى أن الأقرب إلى الحق أن مكتبة الإسكندرية قد أصبحت يوم دخل العرب المدينة أثراً بعد عين وأن مكتبتها قد تلاشت رويداً رويداً، فهي مجرد ذكرى باهتة لا تقبل الاحتراق. الفخر بـ “330” كتاباً في الفصل الأول الموسوم بـ “لم يكن للعصا الأولى إلا طرف واحد”، يشير مؤلف الكتاب إلى أن المكتبة أي مكتبة، يمكن أن تكون مهمة إذا ما احتوت على حفنة من المخطوطات الخاصة بطائفة ما. وقد لا تصبح مهمة إلاّ إذا احتوت على ملايين العناوين من مكتبات وأزمنة أخرى. ودلل على بأن رهبان باتموس كانوا فخورين في القرن الثالث الهجري بمكتبتهم رغم أنها لا تحتوي على أكثر من 330 كتاباً تتحدث عن عقيدتهم فقط. أما الأميركيون فيفتخرون بمكتبة الكونجرس؛ لأنها تجاوزت في أواخر القرن العشرين مئة مليون كتاب من كل الأصناف والأنواع، بل وجدت في التاريخ مكتبات لم تكن تحتوي إلا على كتاب واحد. وتحت عنوان “في مهد المكتبات” ذكر المؤلف في الفصل الثاني أن الفخّار الذي التقط بين دجلة والفرات في العراق يؤكد أن السومريين كتبوا اللغة السومرية – الأكادية المدعوة باللغة المسمارية. وهذا الفخار أو الصلصال استخدم وسيلة لتسجيل حوالي عشر لغات مختلفة. حيث كان السومريون في حضارة وادي الرافدين جنوب العراق يرتبون نصوصهم وسجلات محفوظاتهم “الأراشيف” داخل سِلال مصنوعة من ورق الصفصاف، أو داخل أكياس من الجلد، أو علب خشبية، ثم يفهرسونها بواسطة بطاقات مصنوعة من الفخار أيضاً. ويضم متحف في فيلادلفيا صفيحة تاريخية فخارية من هذا النوع. وذكر بيري أن مكتبة الملك آشور بانيبال أسس في العراق القديم أكبر مكتبة شهدها التاريخ حتى زمانه. وبدأ بولاسترون الفصل الثالث “عصر ورق البردي” بمقولة لفولتير: “لو أننا سألنا هوميروس في أي سماء ذهبت روح ساربيدون وأين هي روح هرقل، لأصبح شاعرنا الكبير في حرج كبير ولأجاب بأبيات شعرية متناغمة”، مشيراً إلى أن أحد الموظفين الذين عاشوا في عهد نيفير كارا (2462 - 2426) قبل الميلاد طلب أن تنقش على قبره الكلمات التالية: “كان ناسخاً أو كاتباً في بيت الكتب”، ولو لم يعثر علماء الآثار على هذا النقش لشكوا في وجود المكتبات في العصر الفرعوني القديم، كما أشار إلى أن المؤرخ هيروديت أوشك أن يقول إن ورق البردي هبة النيل. فأقدم ورقة منه يبلغ عمرها خمسين قرناً ولا تزال عذراء طرية حتى الآن وتحدث في هذا الفصل في ما يخص بنايات الإسكندرية والتدميرات التي لحقتها وعن أثينا وروما والقسطنطينية. الإسلام واليهودية ويرى لوسيان بولا سترون في الفصل الرابع أن الرجل الذي صنع مجد الإسلام يدعى عمر بن الخطاب. ويقول: “بدون عبقريته السياسية ما استطاع الإسلام أن يتجاوز بيئته المحلية في شبه الجزيرة العربية. ولولاه لكانت الصراعات العربية - العربية قد خنقت إحدى اكبر الحضارات البشرية في مهدها. وأضاف: “كان عمر بن الخطاب هو الذي أمر بالفتوحات الكبرى، وكان بارعا في تنظيم أول ديوان للإدارة العربية الإسلامية”. كما عرض لمكتبة مدينة طيسفون “المدائن” في العراق التي اتخذها الساسانيون الفُرس عاصمة لهم وكانت تحتوي على مكتبة علمية كبيرة. كما أشار في هذا الفصل إلى بلاد الأندلس وما ضمته من مكتبات كبيرة ولاهتمامات الخلفاء بالعلم والعلماء وحبهم للكتاب، وعرض لإسلام الشرق في القرون الوسطى خاصة لأول مؤسسة علمية عربية إسلامية أقيمت في بغداد دار السلام في العراق سميت “دار الحكمة” أيام الخليفة العباسي المأمون بن هارون الرشيد. وأفرد المؤلف خامس فصول كتابه “أهل الكتاب” للمكتبة اليهودية في العالم العربي، موضحاً فيه أبرز من اهتم بهذه المكتبات وما تضمه من كتب خاصة بالديانة اليهودية. وفي الفصل السادس، أوضح أن ورق النخل أفضل من الخيزران، وعرض للمكتبات الخاصة قديماً في أرض اينانج والكتب التي تحتويها وفهارس مكتباتها، متناولاً التدمير الذي لحق بهذه المكتبات القديمة. كما وقف على ذكر الهند في منابع المعرفة وللسيف والريشة في اليابان أثناء حكم الأمير “أومايادونو أوجي” منذ عام 593 حتى وفاته عام 622، هو معروف أيضاً باسم “شوتوكو”. محاكم التفتيش “الغرب المسيحي” هو مادة الفصل السابع للكتاب، وفيه تناول المؤلف إسبانيا الكاثوليكية ومحاكم التفتيش فيها وعملية حرق الكتب التي نظمها تور كيمادا عام 1490م. كما أشار المؤلف إلى العالم الجديد عندما وضع الإسبان أقدامهم فيه وادخلوا إليه محاكم التفتيش، بالإضافة إلى حرق عدد من المكتبات. و”من العصر الوسيط إلى الثورات” أوضح بولا سترون في الفصل الثامن أنّ المكتبة هي الكنز الحقيقي لأي دير، فهو بغيرها ليس سوى مطبخ دون قدور، متناولاً الحديث عن المكتبات الكبرى في الغرب قبل سنة 1000 ميلادية في العصر الوسيط، مشيراً إلى مكتبات عصر النهضة، لينتقل إلى “مدمرو المكتبات الجدد” في الفصل التاسع تحت عنوان “كتب في الحرب” للإشارة إلى الحرب الفرنسية - الألمانية التي كانت كارثة على الكثير من المدن آنذاك. وتحدث الفصل العاشر “جولة حول العالم في نهايات القرن” عن حرق المكتبات في كمبوديا وسيريلانكا وكشمير وكوبا وفرنسا وإفريقيا وفي البوسنة والبلقان وفي أفغانستان وأخيرا إلى تدمير كنوز الحضارة والمكتبات في العراق. تضمن حديث المؤلف في الفصل الحادي عشر “خسائر السلام” عن عوامل الطبيعة وحوادثها التي أتلفت المكتبات مثل حريق لندن الكبير عام 1666م الذي التهم المكتبات في منطقة بيتر نوستررو، وتحت عنوان “المكتبة إلى البحر” حكى عن سفينة “ألبيون”، وهي السفينة التجارية الأولى التي امتلكت مكتبة في عام 1919م وكانت بالتالي المكتبة الأولى التي ابتلعتها مياه البحر في شهر أبريل 1822م.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©