الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رولان بارت.. أثر الغائب

رولان بارت.. أثر الغائب
15 يونيو 2011 19:49
قلما يخلو مرجع من مراجع النقد المغربي الحديثة من إحالة أو أكثر على كتاب أو دراسة لرولان بارت. إنه حاضر بشكل يثير الانتباه إلى الحد الذي يجعل تأثيره بادياً على حركة الحداثة النقدية في العالم العربي عامة وفي المغرب بصفة خاصة. هكذا تحدث الناقد والباحث والأكاديمي المغربي الدكتور حسن مخافي في الذكرى الحادية والثلاثين على رحيل واحد من أهم المفكرين والنقاد في العصر الحديث. محمد نجيم أرجع مخافي السر في هذا الاهتمام المتزايد ببارت إلى أحد أمرين أو كليهما: الأول يتمثل في أن رولان بارت، إذا نظرنا إلى أعماله بغض النظر عن تسلسلها الزمني، مثقف موسوعي، تميزت دراساته بانخراطها في الفكر النقدي الذي يتسم في آن واحد بالصرامة المنهجية وتعدد زوايا النظر. فهو ناقد ومحلل وكاتب، يتقاطع في رؤيته مع مرجعيات مختلفة: ماركس، فرويد، سوسير، ستراوس، فوكو، كريستيفا وغير هؤلاء من الذين بصموا ثقافة القرن العشرين ووجهوا بشكل أو بآخر المسار الثقافي للقرن الواحد والعشرين. المزاوجة بين التنظير والممارسة والثاني يتجلى في أن صاحب “درجة الصفر في الكتابة” لم يكن ينظر إلى المنهج من منطلق نزعة دوغمائية مسبقة وراسخة، وإنما كانت طريقته في التنظير والممارسة معا تقوم على المرونة واتساع الرؤية، وهذا ما جعله يستعصي على أي تصنيف، لأنه ببساطة يشكل لوحده مدرسة نقدية قائمة. إن ما يميز التراث البارتي أنه زاوج بين التنظير والممارسة، فهو بحكم اشتغاله على الأنساق كان يهدف إلى الوصول إلى “قواعد” عامة تؤطر موضوعه، وتسمح بنوع من التعميم يضمن لها امتدادا في الزمان والمكان، وهنا يكمن سر عالمية رولان بارت وانتشار أعماله وحضوره المؤثر في الحركات النقدية الطلائعية في العالم كله. ولا يمكن أن يكون النقد المغربي الحديث، حسب مخافي، استثناء من حيث الاستفادة من أعمال رولان بارت، بل إن ظروفا موضوعية جعلت حضوره قويا ومؤثرا في ذلك النقد. ومن المفيد أن نسجل أن الكتاب والباحثين المغاربة لم يكتشفوا مؤلف S/Z دفعة واحدة على الرغم من أنه أقام بين ظهرانيهم لفترة معينة بين سنتي 1968 و 1969. ويمكن القول إن النقد المغربي المكتوب بالعربية خاصة لم يكن بعد مهيأ لتقبل أفكار بارت التي كانت تتسم آنذاك بالجرأة حتى بالنسبة للفرنسيين أنفسهم، فما بالك بالمغاربة الذين كانوا يحاولون تلمس الطريق لإقامة نقد حديث”. معركة نقدية ولفت مخافي إلى أن “النقد المغربي إبان مقام بارت في الرباط، كان قد خرج لتوه من هزيمة 1967 التي حولت مسار الفكر العربي المعاصر عامة، وبدأت تهيمن بأسئلتها المحرجة على الحقل الثقافي، وهو ما أدى إلى إعادة النظر في المفاهيم الكلاسيكية التي شكلت سلطة عمود الشعر وجهها البارز. وكان من الطبيعي أن يرتمي النقد الطليعي آنذاك في أحضان فهم خاص للنقد الماركسي الذي تم التعبير عنه بالمنهج الجدلي تارة، وبالمنهج الاجتماعي تارة أخرى، والذي لم يكن سوى خطاب إيديولوجي حول الأدب. وسيتوج هذا المسار في أواخر السبعينيات ببداية ظهور أعمال نقدية على شاكلة “المصطلح المشترك”. وإذا عرفنا أن إدريس الناقوري قد أبدى هذا الرأي تجاه بارت وهو لما يزل مأخوذا بالمنهج الاجتماعي، مما يعكس استعدادا لتقبل النقد الجديد، فإن إبراهيم الخطيب يعد من أوائل النقاد العرب والمغاربة الذين عملوا على تشخيص أزمة النقد المغربي، وحاول أن يتجاوزها من خلال بدائل مؤسسة على التجربة النقدية لروان بارت وغيره من رواد النقد الجديد”. وتابع مخافي: “إن المتأمل في ما آلت إليه المعركة النقدية في آواخر السبعينيات يخرج بنتيجة مفادها أن النقد المغربي أصبح أكثر من أي وقت مضى مهيأ لإعادة بناء نفسه بشكل يحقق قطيعة مع النقد الفلسفي والنقد الإيديولوجي في آن معا، وذلك من منطلق الوعي بدور النقد في إبراز ما اسماه إبراهيم الخطيب خصوصية الأدب، التي ليست في نهاية الأمر سوى صيغة أولية ومحتشمة للأدبية بالمفهوم البارتي”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©