الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

باكستان: استحقاقات إدارة ما بعد الطوفان

9 سبتمبر 2010 00:28
أغضب الاتحاد الأوروبي بعض الأطراف في إسلام آباد لمنحه مساعدات مالية للمنظمات الغربية والباكستانية غير الحكومية الناشطة في مجال إغاثة ضحايا الفيضان، وهو ما قامت به الوكالات الدولية المتخصصة في أعمال الإغاثة أيضاً، فضلا عن بعض الدول التي فضلت تقديم بضائع لباكستان بدل صرف الأموال، وبالطبع يشعر الباكستانيون بعدم الارتياح تجاه ما يتهم به بعض السياسيين والبيرقراطيين ومعهم بعض جنرالات الجيش من ممارسات يقال إنه تم تكريسها لفترة طويلة إلى درجة أن كثيرين خارج البلاد، وداخلها، لا يثقون في قدرتهم على التعامل المناسب مع احتياجات ضحايا الفيضانات التاريخية التي ضربت البلاد خلال هذا الصيف، ومع ذلك لم يتحرك بعض المسؤولين بالقدر الكافي لتغيير هذه الصورة السلبية، بل جاءت التقارير الإعلامية الأخيرة لتؤكد تلك النظرة وتكرسها أكثر بعدما نقلت وسائل الإعلام اتهامات وجهت إلى بعض كبار ملاك الأراضي من الإقطاعيين والسياسيين بهدم السدود لإنقاذ أراضيهم، أو تحويل مساعدات الإغاثة إلى مناطقهم. ومنذ بدء كارثة الفيضانات قبل خمسة أسابيع لم يتم حتى الآن بذل ما يلزم من جهد لاستحداث آلية شفافة تعمل على تلقي المساعدات وإنفاق الأموال في وجهتها الصحيحة، بل على العكس من ذلك أنشأ كل من الجيش الباكستاني والحكومة المركزية وأربع حكومات محلية تابعة للولايات، فضلا عن البرلمان، صناديق خاصة بهم موجهة لمساعدة المنكوبين، في غياب تام للتنسيق، وهي الصناديق التي لم يساهم فيها بعض الباكستانيين لأنهم لا يثقون بالقدر الكافي في فاعلية وأداء بعض مسيري تلك الهيئات الرسمية. وفي ظل توفير المؤسسات المالية الدولية، ومعها الحكومة الأميركية، لأكثر من ثلاثة مليارات دولار لمساعدة باكستان على إعادة إعمار ما دمره الفيضان وترميم ما يمكن ترميمه من البنى التحتية المتداعية فقد حان الوقت ليغير بعض ساسة باكستان من سلوكهم وينفضوا عنهم تهم الفساد بهدف السعي إلى استعادة جزء من الثقة الشعبية المفقودة. وفي هذا السياق تحتاج باكستان إلى صندوق مالي على شاكلة الصندوق الأفغاني الذي يمول الحكومة في كابول ويشرف على الجيش والشرطة. وهذا الصندوق ينبغي ألا يقتصر دوره على مراقبة التبرعات المالية، بل يتولى أيضاً مساعدة الحكومة على وضع خطة غير سياسية لإعادة الإعمار، بحيث يمكنها إشراك موظفين باكستانيين أكفاء في المهمة وكذلك عمال المنظمات غير الحكومية التي تجاهلتها الحكومة منذ بدء الكارثة. ولضمان الشفافية والمصداقية ربما يتعين، في رأيي الشخصي، إخضاع الصندوق لإدارة البنك الدولي وباقي المؤسسات العالمية الرائدة. أما عملية الإشراف اليومي فلتترك في أيدي خبراء واقتصاديين مستقلين من باكستان، أو خارجها، فضلا عن مشاركة شخصيات عامة في مجال الرعاية الاجتماعية والعمل التطوعي. ولأن الحكومة والجيش الباكستانيين سيكونان الطرفين المسؤولين عن تطبيق الخطة يمكن للصندوق مساعدتهما أيضاً في إدخال الإصلاحات الضرورية على المدى البعيد لتوسيع القاعدة الضريبية، إذ معروف أن عدد دافعي الضرائب في باكستان لا يتعدى 3.2 مليون شخص في بلد يصل عدد سكانه إلى 170 مليون نسمة، مع التركيز على الإقطاعيين وضرورة تسديدهم الضرائب لخزينة الدولة. وقد تسببت الاستجابة غير الفعالة تجاه الفيضانات من قبل بعض السلطات الرسمية في تآكل ثقة الناس في أداء دوائر حكومية عديدة إلى درجة تعيد إلى الذاكرة ما حصل في عام 1971 عندما قابلت النخبة الحاكمة آنذاك الإعصار المدمر الذي ضرب باكستان الشرقية بإهمال شديد لم تحرك معه ساكناً ما نتج عنه انفصال المنطقة لتصبح حاليّاً، بنجلاديش، ولذا فمن الضروري التعجيل باتخاذ الخطوات الضرورية لمعالجة الوضع المتفاقم وإرجاع الثقة للناس، لاسيما بعد نشوء خلافات بين إسلام آباد وأربع ولايات متضررة بشأن أموال التبرعات، فقد اتهم زعيم المعارضة، نواز شريف، الحكومة بعدم تخصيص أموال كافية لولايته البنجاب، أما بلوشستان التي تعد الأفقر في باكستان فقد تلقت مساعدات أقل من غيرها، هذا في الوقت الذي يدعو فيه السياسي المخضرم، ألطاف حسين، وهو أحد رجال الجيش، إلى "ثورة فرنسية أخرى" وإلى تشكيل حكومة جديدة يرأسها العسكر. ووسط كل هذا الظرف الصعب أطلت "طالبان" برأسها بعدما أعلنت مسؤوليتها عن التفجيرين الانتحاريين في لاهور وكويتا اللذين خلفا أكثر من مئة قتيل. ومن المتوقع تزايد وتيرة الصراع الداخلي بين بعض القوى السياسية وأصحاب النفوذ بعد انحسار المياه وبدء عملية إعادة الإعمار، ولذا لابد من صياغة خطة وطنية شاملة تتعامل بنزاهة مع حجم الدمار الكبير الذي طال باكستان حيث دمر 5000 ميل من الطرقات والسكك الحديدية كما سقط أكثر من ألف جسر بسبب المياه، وتهدمت 7000 آلاف مدرسة، و400 مستشفى، فيما غرقت مساحات واسعة من الأراضي الزراعية تحت المياه، علماً بأنها تحتل خمس إجمالي الأراضي الزراعية في باكستان، وهو ما يهدد بنقص المواد الغذائية وانتشار الأمراض والأوبئة بين ضحايا الفيضان. أحمد رشيد كاتب وصحفي من باكستان ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©