الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إعادة الإعمار... نتائج ملتبسة لمهام صعبة

13 يونيو 2012
يستهل العديد من المراقبين عملية بناء الأمم ويعتبرونها أمراً مقدوراً عليه لو توافرت الإمكانات والإرادة السياسية، فإذا كان بمقدور الدول بناء الجسور وناطحات السحاب وإنشاء الشركات الكبرى ذات الصيت العالمي، ما المانع من إعادة إعمار الدول وبنائها بعد الخراب؟ لا سيما وأن الفكرة نفسها ليست جديدة. فعلى مدار القرن العشرين، شهد العالم نماذج عديدة لبناء الدول في مناطق مختلفة مثل ألمانيا والفلبين والعراق واليابان وكوسوفو، بحيث تضافر الجهد الدولي لبناء الدول المتعثرة وتحويلها إلى كيانات سليمة قادرة على الاستمرار ودعم نفسها بعيداً عن المساعدات الخارجية. وقد استُخدمت في سبيل الوصول إلى هذه النتيجة صيغ متنوعة جمعت بين القوى الخارجية والإدارة الداخلية التي تتولاها السلطة المحلية، وتشجيع المجتمع المدني للاضطلاع بمسؤولياته في الإشراف على الحريات وممارسة الرقابة، بالإضافة إلى إدراج عوامل أخرى لضمان نجاح عملية إعادة الإعمار مثل تعزيز التعليم وسيادة القانون، وتكريس المؤسسات الديمقراطية. وفي هذا المجهود الكبير والشاق، يضحي الجنود والموظفون المدنيون بحياتهم، كما تنفق مليارات الدولارات للوصول إلى النتيجة المنشودة وإنقاذ البلد المعني من الفوضى والفشل. لكن رغم هذا الجهد لا يمكن القول إن النتائج جميعاً كانت إيجابية ونجحت في تحقيق الهدف، فكما أوضحت ذلك دراسة نشرتها صحيفة "إندبندنت" البريطانية عام 2006 هناك دول ترفض إعادة الإعمار وتتعامل معها بحساسية بالغة تجعل من عمل القوى الدولية شبه مستحيل مثل الحالة الصومالية التي ما زالت إلى غاية اليوم تتجرع مرارة الفشل في التعامل الإيجابي مع المساعدات الدولية وقبول الوساطة العالمية. هذا في حين تبدي دول أخرى استجابة أكبر لإعادة الإعمار وتنطلق منها لتحقيق النجاح والخروج من الأزمة مثل النمسا وألمانيا واليابان، لكن من غير المؤكد ما إذا كان هذا النجاح يرجع إلى التدخل الخارجي، أم إلى الإرادة الشعبية في الداخل، فقد أظهرت بعض التجارب العالمية أن عملية إعادة الإعمار تنجح بشكل أفضل عندما يتولى السكان المحليون إعادة الإعمار ويقودون الجهود الدولية. وفي بعض الأحيان تفشل الدول ثم تفشل مرة أخرى إلى أن تتمكن من النهوض مثل جمهورية دومنيكان، وبنما وربما هايتي، بل حتى الصومال في ظل التحسن الأخير. ولعل ما يعقد من عملية إعادة البناء في بعض مناطق العالم تلك التهمة الجاهزة التي تربط كل مساعدة خارجية بالإمبريالية الغربية والغطرسة الأميركية، وهو أمر كان أقر به الرئيس السابق، جورج بوش، نفسه عندما قال إن الولايات المتحدة لن تسعى إلى فرض قيمها على العالم، لكنه عاد ليغير رأيه بعد هجمات 11 سبتمبر التي خلطت الأوراق وقلبت الحسابات لتصبح فيما بعد المنصة التي انطلق منها التدخل الأميركي سواء في أفغانستان، أو العراق، ورجع بوش للتصريح لاحقاً للقول "إن أفغانستان تشكل نموذج إعادة الإعمار بامتياز"، مضيفاً في مذكراته "لقد قمنا بتحرير البلاد من ديكتاتورية بدائية، وكان لدينا التزام أخلاقي بترك الأمور على أحسن حال قبل المغادرة". وهكذا استبدلت الغطرسة الإمبريالية التي حالت دون التدخل الأميركي قبل 11 سبتمبر إلى التزام أخلاقي بعدها، بل إنه وحسب التقديرات التي توثق عمليات إعادة الإعمار انخرطت أميركا في تدخلات عسكرية بالخارج بواقع مرة كل سنتين، فيما تشارك الأمم المتحدة بقوات لحفظ السلام مرة كل ستة أشهر. وفي غضون عقد من الزمن تقريباً تم إطلاق عمليات لبناء الدول في كل من الكويت والصومال وهايتي والبوسنة وكوسوفو وأفغانستان والعراق، مع ملاحظة أساسية أنه كلما تقدمت أميركا في خطط إعادة البناء، انتقلت من دول إلى أخرى، كان البلد التالي أكبر من سابقه من حيث التعداد السكاني ليُعقد ذلك الأمر ويجعله أكثر صعوبة. وبالطبع من غير المرجح الاستمرار في عملية إعادة الإعمار لا سيما بالنسبة للدول الكبيرة التي تتطلب إمكانات أكبر والتزاماً أهم في ظل واقع الأزمة المالية والتقشف الذي يجتاح العالم، وكما أشارت إلى ذلك منظمة "راند" التي تعنى بتوثيق حالات إعادة الإعمار "أثبت الواقع أن عمليات إعادة الإعمار في أفغانستان والعراق هي أصعب من نظيرتها في البوسنة وكوسوفو لأنها أكبر ديموغرافياً، وسيكون أعقد بكثير من الانخراط في عملية إعمار بلد مثل إيران الذي يتجاوز سكانه العراق بثلاث مرات، ومن شبه المستحيل إعادة إعمار باكستان التي يفوق عدد سكانها إيران بثلاث مرات". وفي مسعى لتقييم جهود عملية الإعمار التي قادتها أميركا في بلد مثل أفغانستان لأكثر من أحد عشر عاماً يتابع سكوت بالدوف من "كريستيان سياينس مونيتور" أوجه النجاح وما إذا كانت البلاد قادرة على الاستمرار بمفردها بعد مغادرة قوات حلف شمال الأطلسي في 2014. ورغم النجاحات التي لا يمكن إنكارها، يبقى الوضع هشاً إلى أبعد الحدود مع استمرار الأحقاد الإثنية بين المكونات الأفغانية المختلفة، وطغيان ثقافة أمراء الحرب على الساحة، وانتشار الأفيون، بالإضافة إلى تدخلات القوى الإقليمية، وإذا كان معظم الأفغان متفقون على ضرورة مغادرة القوى الأجنبية لأراضيهم، إلا أنهم في نفس الوقت يريدون استمرار الدعم الخارجي، كما أن الجميع تقريباً قلق إزاء ما يحمله المستقبل بعد خروج أميركا. جون يينا محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان سيانس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©