الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أسد بن الفرات.. الفقيه القاضي والقائد المغوار

13 يونيو 2013 20:36
القاهرة (الاتحاد) - أسد بن الفرات، فقيه، وقاضٍ، ومحدث، ومجاهد، كان في القضاء عادلاً، وفي الفقه معلماً، وفي الحرب قائداً، لم يمنعه تقدم السن وأعباء الحياة من أن يترك حلقات العلم والحكم، وأن يودع القلم والمحبرة ليتفرغ لقيادة المجاهدين، ورفع راية الإسلام. مولده ونشأته يقول د. عبد المقصود باشا، أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة الأزهر: هو أبو عبد الله أسد بن الفرات بن سنان، ولد سنة 142 هـ بمدينة حران بالشام، وبعد مولده انتقل إلى بلاد المغرب مع أبيه سنة 144 هـ، وكان والده قائداً للمجاهدين الذين خرجوا لنشر الإسلام في بلاد المغرب، ونشأ أسد منذ صغره على حب العلم وحفظ كتاب الله حتى أتمه في مرحلة الصبا، وأصبح هو نفسه معلماً للقرآن وهو دون الثانية عشر، وبعدما أتم أسد حفظ القرآن بدأ في تحصيل العلوم الشرعية حتى برع في الفقه، وقد تأثر بمذهب أبي حنيفة، حتى التقى مع علي بن زياد، والذي يعتبر أول من أدخل مذهب الإمام مالك بن أنس بالمغرب، فسمع منه أسد كتاب الموطأ، وتلقى منه أصول مذهب مالك، وبعدها قرر أسد أن ينتقل إلى المشرق في رحلة علمية طويلة بدأت سنة 177 هـ وهو في ريعان الشباب، وذهب إلى المدينة لسماع الموطأ من الإمام مالك مباشرة، وعندما انتهى منه ذهب إلى العراق، وفيها التقى مع كبار تلاميذ أبى حنيفة أمثال محمد بن الحسن، وكان من كبار رواة الحديث والقاضي أبو يوسف أخص تلاميذ أبي حنيفة وأفقههم، فتعلم أسد أولاً المذهب الحنفي وأكثر من سماع الثقات في الحديث، واستفاد أسد من محمد بن الحسن استفادة كبرى، وكتب عنه الكثير من مسائل المذهب الحنفي المشهور. أسد يندم واستمر أسد في العراق إلى سنة 179 هـ، وهي السنة التي توفي فيها الإمام مالك، وعندها ندم أسد على أنه لم يبق بجوار مالك، وقال لنفسه إن كان فاتني لزوم مالك فلا يفوتني لزوم أصحابه، فذهب إلى مصر، وكان بها أبرز تلاميذ مالك أمثال ابن القاسم، الذي لقنه المذهب المالكي كله بأصوله وفروعه، وألف كتابه الشهير «الأسدية»، والذي صار المرجع الأول للفقه المالكي ببلاد المغرب وقتها. وفي سنة 181 هــ عاد أسد إلى القيروان في بلاد المغرب بعد رحلة علمية شاقة جعلته من كبار علماء المغرب وإمام من أئمة المسلمين، فأقبل عليه الناس من كل مكان، من المغرب والأندلس، فاشتهر أمره وظهر علمه وارتفع قدره، وجاءته الأسئلة من أقصى البلاد ليجيب عنها فكان يجلس إليه أتباع مذهب مالك، وأصحاب المذهب العراقي - مذهب أبو حنيفة-، فيأخذ في عرض مذهب أبي حنيفة، وشرح أقوال العراقيين، فإذا فرغ منها صاح صائح من جانب المجلس: «أوقد المصباح الثاني يا أبا عبد الله»، فيأخذ في إيراد مذهب مالك، وشرح أقوال أهل المدينة، فكان هذا نهجاً جديداً في دراسة الفقه المقارن. وكان أسد بن الفرات على عقيدة أهل السنة والجماعة عقيدة السلف الصالح، لذلك كان من أشد علماء المغرب على أهل البدعة، معروفاً بنشر السنة حتى خارج أفريقية - تونس الآن-، وكان يكثر من تقريع المبتدعين، قرأ يوما قوله عز و جل: (إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني)، ثم قال: يا ويل أهل البدع يزعمون أن الله عز وجل قد خلق كلامه، آمنت بالله عز وجل، وبأنه قد كلم موسى تكليماً، وأن الكلام غير مخلوق، ولكن لا أدرى كيفيته. وقد تولى القضاء في القيروان لسنوات طويلة. وكان أسد بن الفرات مع توسعه في علمه فارساً شجاعاً مقداماً، ففي أواخر حياته وقعت العديد من الإضرابات بجزيرة صقلية، والتي كانت تتبع الدولة البيزنطية، حيث وقع نزاع على حكم الجزيرة بين رجلين أحدهما اسمه يوفيميوس، وتسميه المراجع العربية فيمي، والآخر اسمه بلاتريوس، وتسميه المراجع العربية بلاطه، وانتصر الأخير على فيمي الذي فر هاربا إلى إفريقية واستغاث بالأمير زيادة الله بن الأغلب حاكم إفريقية، وطلب منه العون في استعادة حكمه على الجزيرة، فرأى زيادة الله فيها فرصة سانحة لفتح الجزيرة، وقد طلب أسد بن الفرات أن يكون مع المجاهدين في الحرب ضد الروم في جزيرة صقلية، فأبى الأمير خوفاً عليه، فألح أسد في طلبه وقال: وجدتم من يسير لكم المراكب من النوتية «الملاحين»، وما أحوجكم إلى من يسيرها لكم بالكتاب والسنة. وكان يريد أن يكون جندياً متطوعاً لا يريد الإمارة، فلما أعطاها له الأمير تألم وقال له: أَبعد القضاء والنظر في الحلال والحرام تعزلني وتوليني الإمارة؟!، فقال: ما عزلتك عن القضاء، ولكن أضفت إليك الإمارة فأنت قاضٍ وأمير، وكان أول من جمع له المنصبان، واجتمع الناس لوداع الجيش والأمير أسد بن الفرات، فقال أسد للناس في وداعهم: والله يا معشر الناس ما ولي لي أب ولا جد ولاية قط، وما رأى أحد من أسلافي مثل هذا قط، وما بلغته إلا بالعلم، فعليكم بالعلم، أتعبوا فيه أذهانكم، وكدوا به أجسادكم تبلغوا به الدنيا والآخرة. وزحف الجيش إلى جزيرة صقلية سنة 212هـ، وخرج لهم صاحب صقلية في مئة ألف وخمسين ألفًا، قال رجل: رأيت أسداً وبيده اللواء يقرأ سورة «يس» ثم حمل بالجيش حملة عنيفة على صاحب صقلية، حتى سقط أسد بن الفرات شهيداً، وهو يحمل راية النصر، ولم يعرف له قبر.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©