الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سياسة ترامب الخارجية.. حدود الواقعية!

15 نوفمبر 2016 22:45
يُوصف الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بأنه منتمٍ إلى «المدرسة الواقعية» في السياسة الخارجية، لكن لا تصدقوا ذلك! فربما لديه بعض الأوصاف الواقعية الفظة، لكن ذلك لا يجعله سوى نموذج مزعج للواقعية. ويحق للمنتمين إلى الواقعية من أمثالي أن يشعروا بالقلق الشديد إزاء انتخابه. والواقعية إدراك، وليست مجرد دليل لما ينبغي فعله في كل أزمة. وهذا الإدراك متأصل في فهم ناضج لكل الأمور المأساوية التي يمكن أن تسير على نحو خاطئ في السياسة الخارجية، بدرجة تجعل الحذر والإلمام بالتاريخ كامنين في التوجه الواقعي. والمدرسة الواقعية قائمة على الأقل منذ أن كتب «ثوسيديديس» تاريخ «الحرب البيلوبونيسية» في القرن الخامس قبل الميلاد، والتي وصف فيها الطبيعة البشرية بأنها مدفوعة بالمخاوف والمصالح الشخصية والشرف. ولأن الشخص الواقعي يدرك أنه يجب أن يعمل وفق هذه القوى الأساسية الثلاث بدلاً من أن يعمل ضدها، فإنه يعرف أيضاً على سبيل المثال أن النظام يأتي قبل الحرية، وأن المصالح تأتي قبل القيم. فعلى أية حال، من دون النظام لن تكون هناك حرية لأي شخص، ومن دون مصالح، لن يكون هناك حافز لدى الدولة كي تعزز قيمها. ولم يبد ترامب أية إشارة على أنه فكر في أي من ذلك، ولا يظهر أي فهم للتاريخ، ومن ثم ليس لديه أي إدراك ناضج للقضايا المأساوية، لا سيما أن فهم تاريخ مصدره الرئيس هو القراءة، وبها نعرف ابتداءً أموراً مثل التزاماتنا تجاه حلفائنا ودورنا كمدافع عن الغرب، وكل رؤسائنا في الأزمنة المعاصرة، وإن لم يكونوا مفكرين، لكنهم كانوا قراءً إلى حد كبير. أما ترامب فيبدو أنه توقف عن قراءة الكتب مكتفياً بالعصر الرقمي، حيث لا يمكن التحقق من شيء، في غياب السياق وانتشار الأكاذيب. ويقدس أبناء المدرسة الواقعية الحقيقية، على الرغم من أن التاريخ يخبرنا أن حقيقة المواقف كثيراً ما تكون مؤلمة، وتصريحات ترامب طوال الحملة الانتخابية كشفت مراراً وتكراراً ازدراءً كبيراً للحقائق. ويعرف الواقعيون أن توازن القوة ليس دائماً العلاج الشافي، لكن الإبقاء على ميزان ملائم للقوة مع المنافسين يكون مفيداً لمصالح الدولة بشكل عام. ومن جانبه، أربك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ميزان القوة من وسط أوروبا إلى الشرق الأوسط، وهو أمر لا بد أن نعالجه بصورة عاجلة، على الأقل من أجل الحفاظ على موقف تفاوضي أقوى مع روسيا. ولا يبدو أن ترامب لديه فهم لذلك. والحقيقة أنه بدلاً من أن يكون واقعياً، تنم تصريحاته اللطيفة حول بوتين عن سذاجة خطيرة. ويدرك الواقعيون أن نشر القيم يأتي عقب المصالح، وليس العكس، لذا، فإن نظام التجارة الحرة في آسيا يمنحنا نفوذاً أكبر في المنطقة بحيث يمكننا إيجاد حافز لترويج قيمنا هناك. ويقف أيضاً نظام التجارة الحرة بين حلفائنا حجر عثرة أمام انتشار نفوذ الصين هناك، وهو ما يزعم ترامب أنه يريد إيقافه، لكن لأنه ليس واقعياً، ليست لديه فكرة مسؤولة عن كيفية فعل ذلك. والواقعية تتعلق بالاعتدال، فهي تدرك القيمة في الوضع الراهن، بينما لا يرى فيه المثاليون سوى السلبيات، ومن ثم يكون هناك حذر من التغيير. وعلى النقيض، يريد ترامب قلب الأمور رأساً على عقب في النظام العالمي، بداية من إثارة حروب تجارية إلى زيادة التوترات مع المكسيك وتقويض حلف «الناتو». ومن وجهة النظر الواقعية، ربما لم يكن ضم دول البلطيق إلى «الناتو» قراراً حكيماً، لكنها الآن ضمن هذا التحالف، وهو ما يعني أن مصداقية «الناتو» والغرب تعتمد على الدفاع عنها، ومن الواضح أن ترامب وأنصاره لا يعون ذلك. وأؤكد مرة أخرى أن الواقعية، في ضوء المنطق وليس الاستراتيجية، يجب أن تمتزج برؤية دقيقة لمكان أميركا في العالم. ولا يعني ذلك أن الولايات المتحدة يجب أن تتدخل في كل مرة يحدث فيه انتهاك كبير لحقوق الإنسان في أي مكان، لأن ذلك لن يكون واقعياً، وإنما يعني ذلك أنه يجب دائماً الملاحظة، وعندما يكون الأمر عملياً، يجب المشاركة في الرد، لأن واجب أميركا النابع من بوتقة الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة هو محاولة توسيع حدود المجتمع المدني عالمياً كلما أمكن. والمثاليون مهووسون بذلك، وأما الواقعيون فلا، فالواقعيون يعلمون أن المصلحة الوطنية تأتي قبل أي مصلحة عالمية، وإن كانت لديهم رؤية عالمية. وتمضي عجلة التاريخ، وانتهت الحربان العالمية الثانية والباردة، ولا تزال الولايات المتحدة أكثر الدول تميزاً على ظهر الأرض. وهذه ثروة جيدة تستلزم مسؤوليات تمتد إلى خارج حدودنا، وتكمن الواقعية في الاستفادة من هذه القوة في حماية حلفائنا من دون السقوط في صراع. ونأمل أن يصبح ترامب واقعياً، لكن لا يزال الطريق أمامه طويلاً. *زميل رفيع المستوى لدى «مركز الأمن الأميركي الجديد» يُنشر بترتيب خاص مع «خدمة واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©