الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كسوة العيد بدأت رسمية وأصبحت تقليداً شعبياً راسخاً

كسوة العيد بدأت رسمية وأصبحت تقليداً شعبياً راسخاً
10 سبتمبر 2010 22:44
لا يمكن أن يكون هناك عيد في رأي المصريين إلا بالملابس الجديدة. وهي عادة متوارثة منذ القدم. لكنها تحولت من تقليد رسمي إلى تقليد شعبي. وقد ترك الفاطميون بصمات لا تمحى على مظاهر احتفالات المصريين بأعيادهم ومناسباتهم بسبب حرصهم على المراسم والنظم التي ابتدعتها دولتهم لاجتذاب محبة وولاء رعاياها، ويتجلى هذا في مظاهر الاحتفال بعيد الفطر. نظرا لعناية الفاطميين بكسوة العيد وتوفيرها لكافة موظفي الدولة من الأمراء والقادة وعمال الدواوين على اختلاف مراتبهم فقد عرف عيد الفطر لديهم باسم عيد الحلل. ولكن ذلك لا يعني ان الفاطميين ابتدعوا كسوة العيد، إذ سبقهم إلى ذلك خلفاء بني أمية وبني العباس حيث كانت تقاليد البلاط في دمشق وبغداد تقضي بتفريق الخلع على أرباب الوظائف في الدولة خلال شهر رمضان ليبدو موكب الخليفة قشيبا ومزدانا بألوان الملابس الرائعة والجديدة في صبيحة العيد. بيد أن الفاطميين توسعوا في الكسوات فلم يقصروها على كبار موظفي الدولة بل وفروها أيضا لكافة الموظفين وصار هناك فقط تمييز بين كسوات الخاصة من الوزراء ومسؤولي الدواوين وقادة فرق العسكر وأمراء البيت الفاطمي الحاكم وكسوات العامة التي تهدى لعمال الدواوين والكتاب. إدارة الكسوات خصص الفاطميون إدارة للاهتمام بالكسوات التي توزع في الأعياد والمناسبات المختلفة، وكانت “دار الكسوة” هي الجهة المنوط بها توزيع كسوات العيد على أربابها من الوزير إلى الأمراء وكبار وصغار موظفي الدواوين وانتهاء بالفراشين والمستخدمين. وجرت العادة أن يكتب صاحب ديوان الإنشاء رقاعا من الورق توضع في كل كسوة خاصة بأحد وجوه الدولة والمميزين فيها، واحتفظ لنا العلامة القلقشندي صاحب كتاب “صبح الأعشى في صناعة الإنشا” بأحد نماذج تلك الرقاع وهي من إنشاء ابن الصيرفي الذي كان يتولى ديوان الإنشاء في آخر أيام الخلافة الفاطمية بمصر وجاء في هذه الرقعة “ولم يزل أمير المؤمنين منعما بالرغائب موليا إحسانه كل حاضر وغائب مجزلا بجسيمه واحراهم باستنشاق نسيمه واخلقهم بالجزء الأوفى منه عند نصبه وتقسيمه ولما اقبل هذا العيد السعيد والعادة فيه أن يحسن الناس هيئتهم ويأخذوا عند كل مسجد زينتهم ومن وظائف كرم أمير المؤمنين تشريف أوليائه وخدمه فيه بكسوات على حسب منازلهم تجمع بين الشرف والجمال ولا يبقى بعدها مطمع للآمال”. وتشير عبارات الصيرفي بوضوح إلى أن الكسوات لم تكن ذات طابع موحد لكل موظفي الدولة وإنما كانت تصنع وفقا لتراتب خاص، وغالبا ما كانت كسوات الخاصة تزدان بخيوط من الذهب أو الفضة على سبيل التمييز بينها وبين كسوات العامة. ويعرف المسؤول عن دار الكسوة باسم “صاحب المقص” وهو مقدم الخياطين ولرجاله مكان يقومون فيه بالخياطة والتفصيل ويعمل وفق الأوامر الصادرة إليه من الخليفة وحسبما تدعو إليه الحاجة. أما الأقمشة التي كانت تستخدم في دار الكسوة فكانت ترد من دور الطراز أو المناسج الحكومية الموجودة بمدن مثل دمياط والاسكندرية. دور الطراز دور الطراز هي مصانع نسيج تمتلكها الدولة وتشرف بشكل مباشر على منتجاتها، وكلمة “طراز” فارسية الأصل عربت من الفعل “ترازيدين” ومعناها يوشي أو يطرز وان استخدمت في مصطلح العصور الوسطى لتدل أولا على العبارة الرسمية التي تتخذها الدولة شعارا لها وتقوم بتسجيلها على النسيج والعملة أو غير ذلك من الأشياء ذات الطابع الرسمي. فمصر مثلا كان طرازها بدءا من عهد عبدالملك بن مروان يحمل الإشارة إلى دين التوحيد “لا إله إلا الله وحده محمد رسول الله” وما لبثت تسمية الطراز أن امتدت من العبارة إلى الأقمشة ذاتها التي تحملها بل والى دور إنتاج هذه الأقمشة. ودور الطراز كانت على نوعين اولهما دار طراز العامة وهي تنتج أقمشة تباع في الأسواق أو تهدى لموظفي الدولة في المواسم والمناسبات، ودار طراز الخاصة وإنتاجها موقوف على الخليفة وآل بيته فقط وهذه الدور هي التي تسلم أقمشة الكسوات إلى دار الكسوة. وكان بدار الكسوة قسم خاص بملابس الخليفة تتولى الإشراف عليه امرأة تنعت بلقب “زين الخزان” وتحت إمرتها ثلاثون جارية فلا يغير الخليفة أبدا ثيابه إلا عندها”. وكانت الدولة الفاطمية ترصد ميزانيات معتبرة للإنفاق على الكسوات في عيد الفطر فقد بلغت النفقة عليها في عام 515هـ على سبيل المثال حوالي عشرين ألف دينار ذهبي صنعت بها ملابس من الحرير الموشى بالذهب والديباج الملون ـ القطيفة ـ والكتان المطرز فضلا عن أقمشة اخرى فاخرة لا نعرف اليوم مدلولات أسمائها مثل السقلاطون والبوقلمون. والذين كانت تصل إليهم هذه الكسوات الرسمية كانوا يتباهون بها على العامة لان تلك الملابس التي تحمل في طرازها اسم الخليفة وسنة الإهداء بمثابة الأوسمة والنياشين التي تمنحها الدول الحديثة على سبيل التكريم. وتقضي الأوامر التي كان تصدر لدار الكسوة بضرورة توصيل الكسوات إلى أصحابها قبيل ليلة العيد حتى إذا ما خرج الخليفة من قصره لأداء صلاة العيد خارج باب النصر، كانت القاهرة أشبه ما تكون بكرنفال للملابس الجديدة الزاهية الألوان والتي يرتديها الأمراء وموظفو الدولة والجنود وكافة أصحاب الرواتب في الدولة. وبزوال دولة الفاطميين في عام 567هـ اقتصرت ظاهرة إهداء الخلع على الأمراء وكبار الموظفين عند توليهم لمناصبهم وغادرت الدول موقع الالتزام بتوفير كسوات العيد لأرباب الوظائف بها. الأيتام والموظفون ظلت آثار التقاليد الفاطمية في عيد الحلل قائمة وظاهرة مع تغير في طبيعة الجهات التي تقوم بتوفير كسوات العيد. ففي مصر خلال عصر المماليك حرص السلاطين والأمراء الذين شيدوا المدارس والمساجد والكتاتيب على النص في وثائق أوقافهم المعينة للإنفاق من ريعها على أنشطة هذه المنشآت، على أن يقوم المشرف على هذه الأوقاف “ناظر الوقف” بصرف كسوات للموظفين والتلاميذ الأيتام بمناسبة عيد الفطر أو صرف بدل نقدي لهم لشراء ذلك من الأسواق. وقد رصدت وثيقة وقف السلطان قايتباي مبلغ ألف درهم فضي لتغطية نفقات كسوة العيد للأيتام الملتحقين بكتابه بالقلعة. أما الكسوات التي كانت تصرفها المنشآت الدينية والتعليمية فقد كانت تشتمل تقليديا على جلباب وطاقية ومداس “حذاء” وقد ينص على نوع الأقمشة التي تصنع منها الكسوات كالكتان والصوف. وذاعت شهرة دور الطراز المصرية بما انتجته من المنسوجات الكتانية والحريرية والتي كانت تصدرها في العصور الوسطى إلى العديد من الدول الإسلامية والأوروبية وكان الأسلوب الصناعي السائد هو اتخاذ لحمات الأقمشة من الحرير أو الصوف وسداتها من الكتان على انه وجدت بعض الأقمشة المصنوعة كليا من الحرير سداة ولحمة وغالبا ما كانت توشى بخيوط من الذهب. وتعددت طرق زخرفة المنسوجات التي كانت تصنع منها كسوات العيد فشملت الصباغة والتلوين والتطريز والطبع والتطبيق “البرودريه” والزخرفة. أما الأزياء التي كان يرتديها الناس فقد اختلفت بحسب الشريحة الاجتماعية التي ينتمي إليها أصحابها أو الوظائف التي يعملون بها وان اتفقت جميعها في توخي الاتساع والاحتشام ولا فرق في ذلك بين أزياء الرجال والنساء. وظلت أزياء أرباب الوظائف بلا تغيير منذ ايأم الفاطميين إلى بداية العصر العثماني فلم تختلف أزياء أرباب الوظائف الديوانية والقضاة وكذلك كبار التجار والتي كان قوامها “الطيلسان” والعمامة الكبيرة مع اختلاف الزخارف والألوان. ورغم تغير أنواع الأقمشة وتبدل الأزياء في العصور الحديثة فإن المصريين من مختلف الطبقات مازالوا على درب الفاطميين من ناحية الحرص على شراء كسوة العيد قبيل صلاة العيد فتزدحم الأسواق والطرقات وتكابد الأسر الكبيرة عنتا ماليا من أجل تدبير الكسوات ليبقى الأبناء في صبيحة يوم الفطر كما أرادت الرسوم الفاطمية في أبهى صورة وأجمل منظر.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©