الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

النهضة الأوروبية قامت على أكتاف الفن الإسلامي

النهضة الأوروبية قامت على أكتاف الفن الإسلامي
14 يونيو 2013 20:16
(القاهرة) ـ بلغت الفنون الإسلامية أوج ازدهارها وتسيدها للذوق العالمي قبل أن تبدأ أوروبا إحياء فنونها الكلاسيكية تحت تأثير الاتصال بحضارة الإسلام وكان من الطبيعي أن تتأثر فنون عصر النهضة الأوروبية بالفنون الإسلامية التي كانت آنذاك علامة للفن الرفيع والترف الأنيق وخاصة لدى الطبقات العليا في المجتمعات الأوروبية. وقد بدأ التأثر بفنون الإسلام مبكرا، وأوروبا بعد على أعتاب عصر النهضة، ويبدو ذلك في تقاليد العمارة القوطية التي اقتبست من العمارة الإسلامية الاستخدام الكثيف للعقود المدببة مثلما نرى في مدخل كنيسة نوتردام بباريس. ومثلت مناطق التماس الجغرافي أولى المناطق التي ظهر فيها تأثير الفنون الإسلامية وعلى رأسها إسبانيا وإيطاليا. ونستطيع أن نلمح أولى تلك التأثيرات في رسوم كنيسة القصر أو الكابيلا بلاتينا بقصر روجر الثاني الملك النورماندي لجزيرة صقلية فرغم القضاء على الحكم الإسلامي في صقلية ظهرت تأثيرات الفن الإسلامي في عدد من اللوحات التصويرية وخاصة تلك التي تعتمد على التكرار المتماثل للرسوم التي تفصل بينها شجرة الحياة وتحيط بها أيضا حبيبات متماسة تذكرنا بالتقاليد الراسخة للفن الإسلامي في القرنين الرابع والخامس للهجرة. عصر النهضة ولما كانت مدن إيطاليا تتصل بالشرق عبر النشاط التجاري الكبير لتجار البندقية وفلورنسا وبيزا في حوض البحر المتوسط فقد كان التأثير الإسلامي حاضرا في أعمال فناني عصر النهضة الأوائل. ومن هؤلاء الفنان الإيطالي جنتيلي بلليني وله بمتحف اللوفر لوحة تمثل استقبال السلطان الغوري لسفير البندقية في قصره بقلعة الجبل ويبدو حرص الفنان واضحا على رسم تفاصيل الملامح المعمارية والزخرفية الإسلامية التي عاينها بالقلعة. ووجدت الحروف العربية طريقها مبكرا إلى اللوحات وأعمال النحت الإيطالية مثلما نرى عند فيروكيو أستاذ ليوناردو دافنشي والذي استخدم الحروف العربية بشكل واضح في لوحته الشهيرة تبجيل الملوك. ومن الفنانين الإيطاليين الذين استخدموا الحروف العربية في لوحاتهم كعنصر زخرفي بحت جنتيلي دا فبريانو في لوحته تبجيل المجوسي وأيضاً الفنان فيلبو ليبي والفنان جيوتو دي بوندون الذي عاش في القرن الرابع عشر الميلادي. ويحتفظ متحف اللوفر بباريس ببعض اسكتشات لفنان عصر النهضة بيزانلو تحتوي محاولاته الفنية لتقليد خط النسخ المملوكي. وتلك الفترة شهدت بالتوازي مع ظهور هذه التأثيرات الفنية قيام المصانع في البندقية بإنتاج بعض أنواع من الفنون التطبيقية وخاصة من الزجاج والمعادن بذات الطابع الفني الزخرفي للفنون الإسلامية وأغرقت تلك المنتجات المقلدة الأسواق الأوربية بل ووصلت لمصر والشام أيضاً. ويعتقد علماء الفنون أن بعضا من المشكاوات الزجاجية التي أنتجتها البندقية تقليدا للمشكاوات الزجاجية المملوكية المموهة بالمينا وكذلك أواني النحاس المكفتة بالفضة قد تمت صناعتها بأيدي صناع من المسلمين سواء ممن تم اختطافهم في أعمال القرصنة البحرية بشواطئ الإسكندرية والشام أو تم شراء قوة عملهم عن طيب خاطر إبان إقامتهم بالبندقية. كما تجلت تأثيرات الفن الإسلامي في أعمال عدد من المصورين الأوروبيين الذين اشتهروا في عصر النهضة الأوروبية إذ دأب هؤلاء على رسم أنواع من السجاد الإسلامي في لوحاتهم ولاسيما تلك التي تجسد شخصيات من النخبة الأرستقراطية والبرجوازية وذلك باعتبار أن اقتناء سجادة شرقية في حجرات الاستقبال بالقصور كان من علامات الثراء ورقي الذوق الفني. جان فان ومن اشهر هؤلاء الرسام الفلمنكي جان فان أيك الذي خلد اسمه في تاريخ الفن باعتماده على الزيت كوسيط لتثبيت الألوان على لوحات القماش وهو ما أتاح للفنانين تخليد أعمالهم بعد الاستغناء عن زلال البيض كوسيط لتثبيت الألوان. ومن أهم أعماله اللوحة الخاصة بالزوجين أرنولفيني التي رسمها عام 1434 م إذ نلمح فيها تحت أقدام السيدة سجادة تركية ذات إطار من زخارف نجمية مثلما نرى خلف السيدة حجابا من الخشب الإسلامي بنهايات من شرافات إسلامية وربما تعتبر اللوحة أقدم لوحة زيتية معروفة بالعالم. وهناك أيضاً الفنان الإيطالي الشهير لورونزو لوتو الذي لا تكاد واحدة من لوحاته للصور الشخصية تخلو من رسم سجادة من السجاد التركي حتى عرفت بعض أنواع السجاد لدى مؤرخي الفنون باسمه لكثرة ورودها في لوحاته. وقد مارس لوتو نشاطه الفني في البندقية ثم في فلورنسا بالشمال الإيطالي وارتحل من مدينة إلى أخرى بحثا عن رعاة الفن من الأثرياء وكلما قام برسم شخصية منهم وجدنا السجاجيد التركية المعروفة باسم ترانسلفانيا حاضرة في الصورة. ومن أعماله التي تحوي رسوما للسجاد واحدة تمثل النبيل جيوفاني فيلا وزوجته وبينهما منضدة فرشت عليها سجادة لها إطار من حروف عربية بالخط الكوفي وفي صورة أخرى لزوجين نجد سجادة تركية ذات ساحة حمراء مفروشة على منضدة بين الزوجين أيضا. ويبقى الفنان الألماني هانس هولباين الأصغر أبرز الفنانين الأوربيين في عصر النهضة تأثرا بالفن الإسلامي وهو من ألمع الفنانين الذين أنتجوا الصور الشخصية حتى أنه كان مصورا لملك بريطانيا هنري الثامن. ومن أعماله التي تحتوي رسوما للسجاد واحدة تمثل عمدة دارمشتاد الألماني وأسرته تحت أقدام السيدة العذراء وقد افترش الجميع سجادة تركية ذات ألوان رائعة، وهي نسخة طبق الأصل من لوحة مماثلة رسمت للعمدة يعقوب ماير. لوحة السفيرين ومن أشهر اللوحات التي أنجزها هولباين لوحة السفيرين التي لا تضم فقط رسوما للسجاد الإسلامي بل ورسما لآلة موسيقية شرقية شهيرة وهي العود مما يشير إلى تقاليد النخب الأوروبية في اقتناء التحف الشرقية كعلامة على الثراء. ولم تخل لوحته الشهيرة للسير توماس مور من رسم خفي لسجادة تركية خلف الأشخاص الواقفين بأقصى يسار الصورة ومن المفارقات أنه بعد إعدام السير ألقت زوجته باللوحة من النافذة وهي تصيح إنه حي بعد لتجد اللوحة طريقها إلى أحد المتاحف الإيطالية. وقد رسم هانس هولباين أيضا لوحة لأحد التجار الألمان وهو بزيارة للعاصمة البريطانية لندن وتمثل الصورة جورج جيتسي في مكتبه محاطا بدفاتر حساباته وأمامه بعض النقود المعدنية وكل ذلك على طاولة مغطاة بسجادة تتميز إطاراتها برسوم لكتابات كوفية غير مقروءة. والحقيقة أن الفنون الإسلامية قد تركت أثراً واضحاً على تطور فنون النهضة ولاسيما عناصرها الزخرفية المميزة من الرسوم الهندسية النجمية والكتابات الكوفية التي تميزت دوما بطابع زخرفي هندسي بديع. وثمة أعمال من النحت الأوروبي في عصر النهضة تحمل هذه الكتابات مثلما نرى في تمثال مايكل أنجلو للنبي داود وغيره من أعمال النحت الجداري للفنانين الأوائل في عصر النهضة بإيطاليا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©