الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المهمة العراقية لم تكتمل بعد

المهمة العراقية لم تكتمل بعد
10 سبتمبر 2010 23:02
قد يذهب البعض إلى الاعتقاد بأن الحرب في العراق انتهت بعد سماع خطاب الرئيس أوباما يوم الثلاثاء الماضي عندما بدا وهو يعلن سحب القوات المقاتلة، وكأنه يتخفف من عبء كبير أثقل كاهله على مدار الفترة السابقة. وهو ما حرص فعلا على تأكيده عندما قال في الخطاب: "لقد التزمنا بمسؤولياتنا، والآن حان الوقت لطي الصفحة". لكن المسألة ليست بهذه السهولة، لأن الصراع في العراق لم ينته بعد رغم إعلان أوباما وقف العمليات القتالية في العراق وعودة الجزء الأكبر من القوات الأميركية إلى أرض الوطن، فورطتنا ستستمر في العراق وستبقى التركة العراقية ثقيلة بالمشاكل المستعصية على الحل، حتى بعد سحب قواتنا. ويبدو أن أوباما من خلال خطابه عن العراق حاول التركيز على اللحظة الراهنة وتثبيتها دون التطرق مثلا إلى مسار السبع سنوات الماضية من الحرب، ولا إلى السياسات المغلوطة لسفله بوش، والتي كادت تصل بالعراق إلى شفا الهاوية بعد تصاعد وتيرة العنف الطائفي الأهوج. كما أنه اكتفى عند الحديث عن مستقبل العراق بالإشارة إلى "شراكة طويلة الأمد"، متجنباً الدخول في شرح طبيعة هذه الشراكة. وربما يرجع هذا التركيز على الحاضر وعدم الدخول في لجة الماضي، أو استشراف مستقبل مفصل للعراق إلى إدراك أوباما لعدم شعبية الحرب في العراق لدى الأميركيين الذين سئموا متابعة ما يجري هناك طيلة السبع سنوات الماضية، لذا كان عليه التطرق في عجالة للحرب والمضي قدماً في التشديد عن ما يعتبره إنجازه الأهم والمتمثل في تقليص عدد القوات الأميركية في العراق. وحتى لا ينكأ الجراح الحزبية القديمة بالعودة إلى سياسات بوش المثيرة للجدل وتداعياتها الخطرة على العراق والمنطقة، أشار أوباما إلى اتصاله بالرئيس بوش خلال اليوم الذي ألقى فيه خطابه، مثنيا على الجنود الأميركيين ومشيداً بالتضحيات التي بذلوها هناك. غير أن ذلك الميل إلى طي صفحة الماضي لا يمكن أن يمحو سبع سنوات عجافا من الحرب حتى ولو كان الأميركيون يرغبون في ذلك. فقبل طي الصفحة والتخفف من التركة الثقيلة يتعين أولا استيعاب معنى هذه الحرب المأساوية التي ستبقى تداعياتها مستمرة معنا لفترة طويلة. والمفارقة أن الجمهوريين ينتقدون أوباما لأنه لم يُرجع الفضل في نجاح خطة الزيادة في عدد القوات إلى إدارة الرئيس بوش، لكن أوباما لم يكن في وسعه استحضار خطة الزيادة دون الحديث عن سياسة بوش في شموليتها والتطرق إلى الأخطاء الجسيمة التي ارتكبها وأدت إلى ما أدت إليه في العراق. ولا يمكن أيضاً لخطة الزيادة حجب الإدارة السيئة للرئيس بوش بعد غزو العراق، ما تسبب في الكثير من المعاناة للشعب العراقي. ومع أن خطة الزيادة التي أقرتها إدارة بوش ساهمت فعلا في خفض معدلات العنف التي كانت قد وصلت مستويات غير مسبوقة، وهي خطة من بنات أفكار الجنرال بيترايوس وباقي المسؤولين العسكريين، إلا أن الاستراتيجية الكبرى التي رسمها بوش وأركان إدارته للمنطقة بعد الحرب على العراق، والفوائد التي ستجنيها أميركا من وراء ذلك، ثبت زيفها لاحقاً. فقد أصر مسؤولو إدارة بوش على أن الإطاحة بنظام صدام حسين من شأنها تدشين حقبة جديدة من الديمقراطية في الشرق الأوسط، بحيث ستكون إيران المربع التالي في لعبة الدومينو، وبعدها سيُحل الصراع في الشرق الأوسط. غير أن ما حدث كان عكس ذلك تماماً، حيث تولد فراغ كبير في العراق استفادت منه إيران لمد نفوذها وإحكام سيطرتها على العراق، كما مُرغ مفهوم الديمقراطية في التراب ولم يعد أحد في المنطقة يجرؤ على الحديث عن الديمقراطية بسبب ما رأوه في العراق من فوضى وعنف أهوج فتحته موجة الديمقراطية المزعومة. ولعل العجز المستمر عن تشكيل الحكومة في بغداد، بعد مرور سبعة أشهر على الانتخابات البرلمانية، خير دليل على فشل الديمقراطية. وفيما يتعلق بعملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، فقد توقفت تماماً بسبب ذات النفوذ الذي تمتعت به إيران عقب غزو العراق. وبالنظر إلى هذا الفشل الواضح الذي منيت به السياسة الأميركية في العراق وعجزها عن بلورة استراتيجيتها الكبرى في المنطقة، فقد اهتزت مصداقية أميركا في المنطقة، وتم النيل من كفاءتها وقدرتها على المناورة، وهو ما يحد من إمكاناتنا في التعامل مع إيران وممارسة التأثير الضروري على أطراف الصراع في الشرق الأوسط للتوصل إلى حل ينهي الصراع. وفي العراق ذاته، ومـع أننا أنفقنا مليارات الدولار، مازالت البنيـة التحتية متداعية إلى أبعد الحدود، إذ يكفي الإشـارة هنا إلى استمرار انقطاع الكهرباء، كمـا أن تراجع حدة العنف لا تعني اختفاء المشاكل، مثل انهيار الطبقة الوسطى المتعلمة، وقتل أكثر من 100 ألف عراقي، فضلا عن معضلة اللاجئين في دول الجوار والتي مازالت تبحث لها عن حل. وإذا كان الميل العام لدى الأميركيين يتجه نحو نفض أيديهم من العراق والمضي قدماً، وقد عكس ذلك خطاب أوباما، بسبب المشاكل الاقتصادية والالتزام الأميركي اتجاه أفغانستان، فإن العراق يبقى أيضاً حرباً أميركية بدأها بوش وأكلمها أوباما من بعده لذا لا يجور لأميركا التخلي عن العراق. وفي هذا الإطار يتعين تعزيز الشراكة الطويلة مع السلطات المدنية في العراق، والاستمرار في مراقبة الوضع لمنع عودة العنف من جهة ولضمان مستقبل أقل دموية للعراق. ترودي روبين محللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©