الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الضفة الغربية... وملامح الدولة الفلسطينية

10 سبتمبر 2010 23:04
عادةً ما يمر المسافر في تلك الرحلة القصيرة التي تنقلك براً من مدينة القدس إلى رام الله بالانتقال المفاجئ البطيء من معالم تلك المدينة القديمة-الجديدة، إلى سلسلة من القرى الفلسطينية المتناثرة التي تبدو عليها ملامح التآكل الاقتصادي. وفي هذه القرى الفقيرة المبنية بيوتها من الحجارة، تكاد الشوارع تخلو من المارة تماماً. وفي نقطة ما من الجدار الأمني العازل، تبدو نقطة من نقاط التفتيش الإسرائيلية. وبمجرد عبورك لتلك النقطة، تبدو صورة ملونة كبيرة في الجانب الآخر من الجدار، للزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وإلى جانبها صورة أخرى لمروان البرغوثي المعتقل في أحد السجون الإسرائيلية بسبب الدور الذي قام به في الانتفاضة الفلسطينية. وأثناء زيارتي الأخيرة هذه لمدينة رام الله، لا شيء البتة ساعد على تهيئتي طوال رحلة الأربعة عشر كيلومترا التي قطعتها، لما سوف أراه في رام الله، التي لا تزال صورتها العامة الراسخة في ذهن العالم، كونها مخيماً كبيراً للاجئين، ولكني وجدتها مدينة ناهضة حديثة، تزدحم شوارعها بالسيارات والمشاة. فهناك ترى حشوداً كبيرة من النساء والرجال الماضين في عجل صوب أهداف يعلمونها جيداً. وأينما التفت يمنة ويسرة فإنك ترى الكثير من المحال التجارية الخاصة المزدحمة بالزبائن والمشترين. وفي جانبي الشوارع تصطف المباني البديعة الحديثة المشيدة بالحجارة والزجاج. وتشهد المدينة نهضة معمارية واضحة من كثرة المباني الجديدة تحت الإنشاء. وأمام المكاتب والدوائر الحكومية يقف رجال أمن مهذبون وأحسن تدريبهم فيما يبدو. وفي المدينة كلها، تسود أجواء الحيوية والدينامية، بينما يعمها الشعور بالأمن والسلام. وعليه فإن من الممكن القول باطمئنان إن ملامح مدينة رام الله تحمل مؤشرات الدولة الفلسطينية المستقلة التي طالما تمنينا الإعلان قريباً عن إنشائها. وكنت قد ذهبت الشهر الماضي إلى رام الله، للقاء رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، الذي ينسب إليه فضل التقدم الهائل الذي حققته المدينة. ويعد فياض -المولود في الضفة الغربية، والذي تلقى دراساته الجامعية في الاقتصاد في أميركا- الرجل الثاني في السلطة الفلسطينية، بعد رئيسها أبومازن. وقال لي فياض عند لقائي به: "إن من السهولة التنبؤ بالعملية التي نباشر دورنا فيها. فهي تقوم على الانتقال من ثقافة العنف إلى تبني أجندة إيجابية تتمحور حول بناء الأمة". واستطرد في القول: "إن أغلبية فلسطينية كبيرة تؤيد حل الدولتين المتجاورتين، بيد أن أقلية ضئيلة فحسب، لا تزال تعتقد أن في الإمكان التوصل إلى هذا الحل عملياً. وتهدف خطتنا إلى تهيئة مناخ ملائم يقنع الأغلبية بألا غنى عن قيام هذه الدولة". وحتى الآن، تشير جميع المؤشرات الأولية المبكرة إلى نجاح الخطة التي يعمل عليها فياض. فالاقتصاد المحلي للمدينة ينمو بمعدل 7 في المئة سنوياً. وبلغت كفاءة أجهزة الأمن الفلسطينية حداً أقنع إسرائيل بإزالة الكثير من حواجز الطرق داخل الضفة الغربية. وخلافاً لما تعتقده حركة "حماس" يلاحظ أن شعبية فياض ترتفع عالمياً. كما لاحظت أن كلمة "احتلال" لم ترد على لسان فياض، طوال الحديث بيننا.. غير أنه في الوقت نفسه يخطو خطوات إيجابية نحو وضع حد للاحتلال، اعتماداً على رؤية يصعب على إسرائيل والعالم بأسره رفضها: الاستعداد لأن تعلن فلسطين دولة مستقلة مجاورة لإسرائيل، وتعيش جنباً إلى جنب معها في أمن وسلام. ويأمل فياض أن يتم الإعلان الرسمي عن الدولة الفلسطينية المستقلة بحلول شهر أغسطس 2011، وهو الموعد الذي يتوقع فيه أن تكون جهود بناء الأمة التي يبذلها الآن قد قطعت شوطاً ملائماً لمواكبة ذلك الحدث السياسي الكبير. وفيما لو لم يتم الإعلان عن الدولة المستقلة، فسوف يواصل فياض عمله على إحداث تحولات كبيرة في الضفة الغربية، من شأنها حفز العملية السياسية السلمية أيضاً. بيد أن هناك الكثير من العقبات الواجب إزالتها على كلا جانبي جدار العزل الأمني. فهناك الشعب الفلسطيني الذي يعمل من أجله فياض، ولا يزال بحاجة للاقتناع بأن الجهد المبذول حالياً يمكن له أن يؤدي للإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وليس إلى مجرد تحسين الأحوال المعيشية في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي. ثم يلاحظ أن النجاح الذي حققه فياض حتى الآن قد تم وفق نهج شمولي. ولم يتضح بعد مدى قدرته على السير نحو التحول الديمقراطي. وبالطبع هناك خصومه ومنافسوه في "حماس" و "فتح"، ولا شك أنهم عازمون على تقويض جهوده هذه. ولهذا السبب الأخير بالذات، فإن على الولايات المتحدة الأميركية أن تقدم أقصى دعم سياسي دبلوماسي ممكن لفياض. ومن مزايا فياض، القبول الذي يحظى به بين كافة الأطراف والكتل السياسية في واشنطن وإسرائيل. ولما كانت المفاوضات المباشرة بين الطرفين انطلقت، فليس ثمة فرصة أنسب لتحقيق السلام ووضع حد للنزاع التاريخي بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني. كنيث تشيسن محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©