السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حكاية ليلة على كورنيش أبوظبي غاب فيها القمر

حكاية ليلة على كورنيش أبوظبي غاب فيها القمر
16 يونيو 2011 22:14
كانت الإمارات، ومعها جزء كبير من الكرة الأرضية، على موعد مساء أمس الأول الأربعاء مع ظاهرة فلكية نادرة الحدوث تمثلت بخسوف كلي للقمر، حيث يشكل الحدث أحد المؤشرات الدامغة على دقة إبداع الصانع الكوني، وهو أيضاً أحد المواعيد الثابتة التي ضربها الفلك للناس، ويحرص على الالتزام بها دون أدنى خلل زمني، كما ينطوي الأمر على متسع لمفاجأة كونية تدفع الناس للتفكر بدلالتها. بين القمر والناس الكثير من الود، وتشعبت العلاقة وتنوعت حتى لم يعد الفصل بين الاثنين ممكناً، أو حتى مرغوباً فيه، الناس يحتاجون القمر ليستضيؤوا بنوره في الليالي الدامسة، وليقيموا على شرفه الضوئي «ولائمهم الغنائية»، وهو أيضاً يحتاجهم كي يصير قمراً حقيقياً يتباهى ببهائه ورونقه، وبكونه مقياساً تشبيهياً ينسب إليه الجمال، على قاعدة هذه الحاجة المتبادلة كانت العلاقة الأزلية تأخذ أبعاداً متجددة، عبدوه في مرحلة وقدموا له القرابين، ثم اتخذوه محطاً لمشاعرهم الدفاقة حيال أحبتهم، وناجوه في الليالي الموحشة. حوت الظلمة رابطة هواة الفلك التابعة لنادي تراث الإمارات، جهزت نفسها لاستقبال الحدث، فاتخذ بعض أفرادها من كورنيش أبوظبي مكاناً لهم، وزودوه بآلات بصرية متطورة، «التلسكوب» واستغلوا المناسبة في توضيح ملابساتها للناس الذين قدموا من كل ناحية يطرحون الأسئلة. الإماراتيون الرواد يقول سعيد علي المناعي مدير إدارة الأنشطة والسباقات البحرية بالإنابة في نادي تراث الإمارات، إن رابطة هواة الفلك في النادي، تسعى دائماً لرصد أغلب الظواهر الفلكية التي تحدث في الكون، وفي المجموعات الشمسية، إضافة إلى رصد أهلة الأشهر القمرية لبداية السنة الهجرية، أو بداية شهر رمضان، والعيدين، وذلك بهدف تأمين الاطلاع لأكبر نسبة من الجمهور. وأوضح المناعي أن الصلة بين الرواد الإماراتيين وبين الفلك كانت قائمة دوماً، وذلك بحكم عملهم في البحر، وحاجتهم إلى تقصي المعطيات المناخية وسواها من التفاصيل التي تسهل عليهم مشقة الانتقال؛ لذلك تعتبر مهمة رابطة هواة الفلك، في جزء منها، تسليطاً للضوء على منجزات الأسلاف، واستكمالاً لشغف علمي كان قد بدأه الأوائل، ومن الضروري أن يلقى صداه في أذهان الناشئة، خاصة أمام ما يقترحه عالم اليوم من حقائق وفتوحات علمية متناسلة باضطراد، هي في متناول الجميع. مقاربة علمية ليس بعيداً عن المرصد الذي نصبته رابطة هواة الفلك، كانت جمعية الإمارات للفلك تقيم مرصدها هي أيضاً، بمحاذاة مجمع «المارينا مول»، حيث بدا رئيس الجمعية المهندس خلفان النعيمي منهمكاً في رصد أدق التفاصيل التي تعتري ملامح البدر المضيء، فيما هو يدخل تدريجياً في أحشاء الظلمة الدامسة. في مرصد الجمعية كانت ثمة ثلاثة أجهزة بصرية «تلسكوب»، أحدها متصل بكاميرا، ومن خلالها بجهاز تلفزيون صغير ينقل الصورة من الفضاء ليضعها في متناول بعض المتجمعين الذين ضجت في عيونهم الكثير من الأسئلة، حرص النعيمي على توضيح غموضها ما أمكنه ذلك. وشرح النعيمي أن ظاهرة خسوف القمر دائمة التكرار، لكن أهمية الحدث تكمن في كونه كلياً بالنسبة لدولة الإمارات، وللمنطقة المجاورة لها، ما يمثل أمراً نادر الحدوث، يجدر الاحتفاء به. وفي محاولة لتوصيف الظاهرة بقدر من التبسيط، أوضح النعيمي أن الخسوف هو عبارة عن مصادفة مكانية تضع الشمس والأرض والقمر على استقامة واحدة، بحيث يتدرج القمر، وهو يبعد عن الأرض مسافة 400 ألف كلم، ليدخل في المخروط الظلي الذي تعكسه الأرض جراء تسلط أشعة الشمس عليها، هذا الانخراط في الظل يمنع القمر من أن يكون مرئياً بالنسبة لسكان الجزء المشمول بالمخروط الظلي من الكرة الأرضية، وهو الأمر الذي اصطلح على تسميته بالخسوف. حسابات صحيحة بين المترصدين للظاهرة أيضاً، عضو جمعية الإمارات للفلك المهندس صخر عبدالله سيف، الذي قال إن دقة الموعد الذي التزمت به ظاهرة الخسوف تعكس صحة الحسابات الفلكية، مشيراً إلى أنه بات ممكناً، من خلال بعض البرامج الحاسوبية الموضوعة قيد التداول، وضع روزنامة زمنية ترصد مواعيد تكرار الظاهرة مستقبلاً، وتحدد أوقات حصولها السابقة كذلك، بمعنى أنه صار من المتاح الرجوع إلى الماضي، ومعرفة التواريخ الدقيقة للخسوفات التي شهدها القمر في أي فترة زمنية مهما كانت بعيدة. ندوب على وجه القمر سيف بدا منهمكاً في رصد بعض النتوءات التي أظهرتها الصورة التلفزيونية على سطح القمر، وبسؤاله عنها أوضح أنها نتاج صدمات نيزكية تركت ندوباً على وجه البدر، قد يعني الأمر خيبة أمل بالنسبة للشعراء لكون الوجه القمري الذي تغزلوا به طويلاً ليس بالنقاء الذي كانوا يظنونه، لكنه من منطق العلماء يمثل ظاهرة فيزيائية مفادها أن غياب عوامل التعرية الطبيعية عن سطح القمر يسمح ببقاء آثار الصدمات التي يتعرض لها على حالها، هكذا، يقول محدثنا، بالوسع رصد آثار أقدام رواد الفضاء الذين زاروا القمر وهبطوا على سطحه. كذلك يتحدث المهندس سيف عن غموض لا يزال يحيط بسلوك القمر بالرغم من الاكتشافات العلمية التي انجزها البشر حياله، ذلك أن خبراء «ناسا» الأميركية وضعوا في إحدى غزواتهم للقمر سطوحاً عملاقة عاكسة، وسلطوا عليها أضواء ليزر من إحدى القواعد في ولاية تكساس، وقد أمكنهم عبر هذا النظام الضوئي، الذي يشبه جهاز الرادار، رصد بعض ما يتعرض له القمر من تفاعلات مع سائر المكونات الفيزيائية للمجرة، لكنهم لاحظوا ارتجافاً خفيفاً ودائماً في القمر لم يتمكنوا من تحديد أسبابه، «إنها إحدى أسراره التي لم يشأ البوح بها». يقول محدثنا باسماً. مقاربة عقلانية أوضح عوض سعيد عوض، عضو جمعية الإمارات للفلك، أن الدين الإسلامي تعامل منذ البداية مع ظاهرتي الخسوف والكسوف وفق مقاربة علمية عقلانية، حيث نهى النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- الناس عن تقديم قراءة غيبية لهما، نافياً وجود صلة بين وفاة ابنه إبراهيم وبين الكسوف الشمسي الذي أعقب الوفاة بيوم واحد، وذكر أن الشمس لا تنكسف لولادة أو لوفاة أحد، مشيراً إلى أنه من السنة النبوية الشريفة إقامة صلاة ركعتين وقت الخسوف. بين الحضور من كان مهتماً باستيعاب حقائق الظاهرة، حيث يوضح محمود سعد الهاشمي أنه لا يزال يتذكر تفاصيل الخسوف الذي شهده عام 2000، لكنه يبدي اهتماماً أكثر بالخسوف الحالي، إذ إنه قبل عشر سنوات كان أقل نضجاً، ولم يجد نفسه معنياً بتقصي الأسباب العلمية، كذلك يقول عبدالله الخاجة إن متابعته لظاهرة الخسوف من المرصد، واستماعه للشروحات قد جعلاه يكون فكرة علمية وافية عن أمر كان يكتفي بالنظر إليه من بعيد.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©