الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حكاية سيف مفقود

حكاية سيف مفقود
14 يونيو 2012
لا تزال الرواية التاريخية تمتلك فاعليتها في ساحة السرد العربي، إذ تفاجأ بين فترة وأخرى بنص روائي ينحو منحى تاريخياً، يستهدف في إطاره العام سرد وقائع حدثت في زمن ماضٍ، وقائع لها حقيقتها التاريخية المحضة، وقائع كل ما فيها يقود إلى الدهشة، المغامرة، وبذلك لا بد أن نقول إن السرد التاريخي لا يمتلك تاريخيته فحسب، بل يمتلك مغامرته الآسرة التي من الممكن أن تتواشج مع القص لتكون ثيمة لرواية وكأننا نبحث عن الدهشة والمغامرة في تلك الوقائع التي تصلح لأن تكون رواية. قادني إلى هذا التقديم المبسط ما قرأته في رواية تاريخية بعنوان “القرصان” للروائي القطري عبدالعزيز آل محمود والصادرة حديثاً. تحكي رواية القرصان وقائع الصراع في منطقة الخليج العربي إبان القرن الخامس عشر بين الإنجليز والقواسم والوهابيين وما كان يدور بينهم من تجاذبات في المنطقة والثأر التاريخي الذي يحمله أرحمه بن جابر، القرصان الذي يجوب مياه الخليج وهو يتصيد سفن آل خليفة في البحرين ولا يتورع من الهجوم على أي سفينة أخرى. كان الإنجليز يعدون لمؤامرة كبيرة لإخضاع مدن الساحل الخليجي من مسقط حتى البحرين وبالدخول عمقاً إلى الشمال الغربي من الجزيرة العربية، حيث كان ابراهيم باشا بن محمد علي باشا يقود قواته العثمانية للقضاء على الحركة الوهابية بشكل دموي قل نظيره، حيث تنعدم كل ملامح الرحمة في قلوب هؤلاء الذين يمارسون دمويتهم باسم الحق الإلهي. تدور مجمل أحداث الرواية في إطار البحث عن سيف مذهب ومطعم بالألماس والياقوت كان قد قرر إيفان نيفيان رئيس المجلس والحاكم العام في بومبي أن يرسله إلى إبراهيم باشا في الجزيرة العربية هدية بيد النقيب سادلر في الوقت الذي كان هناك قائد البحرية “لوخ” يتوجه إلى الخليج، ويفقد السيف على يد أرحمه بن جابر، القرصان الذي استولى على باخرة سادلر المتجهة إلى الخليج، وتبدأ الأحداث في التصاعد إلى درجة عالية من التجاذبات والحروب والدمار والقتال اللاإنساني فعلاً. القرصان ليست رواية مغامرات بمعناه الحكائي فقط، بل هي رواية مغامرات تاريخية، تمتلك حقائق ووقائع قد حدثت، وتمتلك أيضاً خيال كاتبها الذي يبدو أنه أراد أن يصوغها على نظام تناوبي في السرد وأقصد به أن هناك حادثتين أو قصتين تقعان في الآن نفسه، ومن المستحيل أن يتم سردهما في الآن نفسه، لذا فإن الروائي يتوخى نسقاً سردياً آخر لا يتوافق من قريب أو بعيد مع ما يحصل في الواقع وهي سرد الأحداث بطريقة تناوبية، أي أن القصتين تسردان بطريقة 1 أ 2 ب 3 ج 4 د 5 هـ. أي أن النصين يتناوبان وأن النص الذي ابتدأت به الرواية هو ذاته الذي تنتهي به. رواية “القرصان” ملفتة للنظر، فيها من الأحداث ما يمتع القارئ، وفيها من الجهد الكثير والمعرفة الأكثر، إلا أن الروائي بنى نصه السردي الروائي على نظم تاريخية كاملة ولم يخرج من هذا النظام، وكأن نقص التجربة كما يبدو هو الذي أسقطه بالتاريخانية بينما نجد أن قدرته الإبداعية كان المفروض أن يقابلها بناء شكلي جديد، بحيث يتوازى الشكل المتطور مع الحكاية فينجح النص بامتياز.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©