الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

في «القلب الأميركي الأسود»!

في «القلب الأميركي الأسود»!
14 يونيو 2012
منذ سنوات طويلة، يحتلّ الكاتب الأمريكي راسل بانكس المولود عام 1940، مكانة بارزة في الرواية لا في بلاده فقط وإنما في العالم برمّته. وعلى مدى الأربعين عاما الماضية، أصدر العديد من الروايات التي لاقت انتشارا واسعا لدى القراء، واستقبلها النقاد المرموقون بتقدير وبترحاب بالغين. فهذا الروائي الفذ الذي ينتمي الى عائلة فقيرة إذ كان والده سمكرياً، انحاز منذ البداية الى الطبقات الكادحة والمظلومة. وشابا تعاطف مع الأفكار الإشتراكية والماركسية، وكان من المعارضين لحرب فيتنام كما سيكون في ما بعد معارضا للحرب التي شنّها جورج بوش الإبن على العراق معتبرا إيّاها “كارثة إنسانيّة جديدة”. وفي أغلب رواياته، اهتم راسل بانكس بـ”القلب الأميركي الأسود” أي بالجوانب المعتمة والمنفّرة في الحياة الأمريكية، حيث الجريمة والعنف والمخدرات والأمراض النفسية الخطيرة والقاتلة والمظالم العنصرية وغيرها.. في روايته الجديدة التي حملت عنوان: “الذكرى البعيدة للجلد” يأخذنا الى عالم مرعب، عالم المصابين بأمراض جنسية تدفعهم الى ارتكاب جرائم خطيرة وفظيعة أحيانا. وحتى بعد أن يستكملوا الأحكام التي تسلط عليهم، هم يظلون خاضعين لمراقبة شديدة فلا حياة لهم خارجها! بطل هذه الرواية التي يجمع النقّاد على أنها من أفضل رواياته، مراهق يغتصب زميلة له في المدرسة ليجد نفسه في السجن المخصص للقاصرين. بعد خروجه منه، يحشر مع الخارجين عن القانون أمثاله، المنبوذين من قبل المجتمع. وتعكس الرواية أمراض مجتمع تمزقه أزمات خطيرة لا يرى في الأفق خلاصا منها! وفي حوار أجرته معه مجلة “لير” الفرنسيّة في عددها الصّادر مطلع أبريل 2012، تحدث راسل بانكس عن الأسباب التي دفعته الى كتابة هذه الرواية قائلا: “إنها قصة تعود الى بضع سنوات الى الوراء. فأنا تعودت على قضاء الشتاء في “ميامي بيتش” حيث أملك شقّة. من البلكون، بإمكاني أن أرى الجسر الذي يربط شبه الجزيرة الإصطناعية تلك بالقارة. ومنذ أربعة أعوام، بدأت أقرأ مقالات في الصحف حول مجموعة من المنحرفين جنسيا بدون مأوى يعيشون تحت الجسر. والسبب في ذلك هو أن القانون في ولاية فلوريدا يمنع مرتكبي الجرائم الجنسية من السكن بالقرب من الأماكن حيث يوجد أطفال! وحالة كهذه تسترعي إنتباهي دائما، والمتمثلة في النتائج المترتبة عن النوايا الحسنة. فلقد خلق القانون أمام أعيننا منطقة مظلمة وغير مرئية تقريبا بالنسبة لبقية العالم”. ولماذا يفضل غالب الأحيان أن يختار منبوذين ومهمشين أبطالا لرواياته؟ عن هذا السؤال يجيب راسل بانكس قائلا: “لقد طرع علي هذا السؤال أكثر من مرة غير أنه لاجواب لي واضحا عليه. فأنا لا أفعل شيئا آخر غير الإنقياد لعواطفي ومشاعري. أقتصر على القول بأني أشعر دائما بالعطف والحنان تجاه المضطهدين أكثر مما أنا اشعر بذلك تجاه الأقوياء. ليس باستطاعتي أن أقول إنّ هناك إيديولوجيّة معيّنة تقودني، أو أن هناك معيارا أخلاقيّا يوجّهني، غير أن حياة المظلومين تهمّني وتعنيني، كما تعنيني نضالاتهم. ففي نضالاتهم من أجل الكرامة هناك عناصر دراميّة تبدو لي أساسيّة. ثم أننا نتعلم من الإنسان ونحن ننظر الى ما يرفضه أكثر مما نتعلم من خلال ما يحتفظ به”. وفي بداية مسيرته الأدبيّة قرأ راسل بانكس بإعجاب مارك تواين. وقد ساعدته روايات هذا الأخير على إثراء خياله وتطوير نظرته للحياة وللناس وللاشياء. كما أعجب بروايات تشارلز ديكنز ورواية مالفيل الشهيرة “موبي ديك”. وكل هذه الروايات جعلته يعشق الأدب ويطمح أن يكون كاتبا. وفي فترة الشباب، تعرف على الكاتب نيلسون ألغرين الذي كان عشيقا في ذلك الوقت لسيمون دو بوفوار، ومنه تعلم كثيرا مستمعا بانتباه الى نصائحه الثمينة. وفي فترة الشباب أيضا انجذب راسل بانكس الى “Beat generation” وتعرف على جاك كيرواك بعد أن أصدر روايته الشهيرة: “على الطّريق”. ومتحدّثا عنه يقول راسل بانكس: “أعتقد أن الشهرة هي التي دمرت كيرواك. فقد جاءت هذه الشهرة غير المتوقّعة بسرعة وهو لم يكن مستعدّا لها بشكل كاف ليجنّب نفسه مزالقها. ينضاف الى ذلك، إدمانه على الكحول. لقد أمضيت معه أسبوعا عام 1967. جاء الى الحيّ الجامعي في “شابال هيل”، حيث كنت أقيم، وكان ذلك قبل وفاته بسنوات قليلة. نام في غرفتي. وأغلب الوقت كان فاقدا للتّركيز وكانت مظاهر المرض واضحة على ملامحه. مع ذلك بقي وسيما مثل نجوم السينما، وقويّ الشخصيّة. لكن أحيانا يغرق في هذايانات عنصريّة ومعادية للسّاميّة. كان بالنّسبة لي بطلا، لكنه بطل يتعفّن من الدّاخل”. وعن ألأدب يقول راسل بانكس: “لا أفضل أدبا معينا عن أدب آخر. أقول إن كلّ الآداب ضروريّة. الإنسانيّة واسعة جدّا، والطّبيعة الإنسانيّة معقّدة للغاية الى درجة أننا نحتاج الى كلّ الطرق المحتملة التّجريديّة منها والشكلانيّة وغيرها للإحاطة بها. علينا أن نستكشف الأطياف جميعها لكي نتمكّن من القبض على الإنسانيّة، وهذا لن يقدر عليه كاتب بمفرده، ولا لغة بمفردها، ولا جيل بمفرده. أشعر أحيانا أنني عضو لقبيلة متوزّعة على كامل الأرض وعلى مختلف العصور. لذلك أنا أشعر أني قريب من شاعر ياباني أكثر ممّا أنا قريب من كاتب من ولاية “ماسوشيتس” الأميركية”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©