الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«عزيز» بالغ الحجة وأقوى من كل بيان

«عزيز» بالغ الحجة وأقوى من كل بيان
16 يونيو 2011 22:33
العزيز هو الغالب البالغ الحجة الدامغ للباطل صعب المنال والاتيان بمثله، لأنه معجز في أسلوبه وبلاغته وحكمته ورصانته وأحكامه، يمتنع عن النيل من شأنه محفوظ من الله عز وجل فلا يمكن تبديله أو تحريفه أو تغييره، رفيع القدر والمكانة في النفوس والقلوب هذا هو القرآن.. والعزيز أحد أسمائه كما ورد في كتاب الله تعالى حيث يقول سبحانه: «وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من‌ بين يديه وَلا مِن خلفه تنزيل مِن حكيم حميد» (فصلت الأيتان 41-42). يقول المفسرون حول تفسير هاتين الآيتين، إن عزة القرآن في أنه يغلب كل من يعارضه لا يأتيه الباطل الذي لا أصل له من أي ناحية من نواحيه، ونزل متتابعاً من إله منزه عن العبث وهو هدى وشفاء للمؤمنين ينقذهم من الحيرة ويشفيهم من الشكوك، يفرق بين الحق والباطل في الحياة، فالحق يبعث العزة في النفوس وهو قاعـدة كونية وسنة إلهية غالبة. فقد تبدلت الأحوال في الجزىرة العربية بفضل وعزة هذا القرآن وتعليماته السامية، فلا حجة أبلغ منه ولا منطق أعلى من بيانه ومنطقه وأن بقاءه منذ نزوله وحتى الآن لدليل على العناية الخالدة التي حفظته خلال العصور. لن‌ يعتريه وهن‌ والقرآن عزيز قوي الحجة منيع الجانب وهو المعجزة الخالدة الباقية، تحدى الله سبحانه وتعالى به الثقلين الإنس والجن وعجزوا عن الاتيان بمثله. وقد وصفت‌ الآيات القرآن‌ بالعزة‌ وَإِنه لكِتـاب عَزِيز، والعزيز ضد الذليل‌ والذليل‌ هو القابل‌ للتأثّر والإنفعال‌، ومعنى‌ عزة‌ القرآن‌ عدم‌ انفعاله‌ بأي وجه‌، وامتناعه‌ عن‌ الخسران‌. والقرآن‌ عزيز، أي‌ أن موضوعاته‌ وأحكامه‌ ومحتوياته‌ ليست‌ في‌ معرض‌ الإنكسار والبطلان‌ والنسخ‌، ولن‌ يمكن‌ للعلوم‌ البشرية‌ الانتقاص‌ منه‌، ولن‌ يعتري‌ أحكامه‌ ومواضيعه‌ الوهن‌ ولن‌ يتسرب‌ إلى‌ فرضياته‌ الخلل‌ والبطلان‌ كما في‌ بقية‌ الكتب‌. لا يأتيه‌ الباطل‌ من‌ بين‌ يديه‌ فما ورد عن‌ السابقين‌ من‌ الأنبياء والمرسلين‌، والأولياء المقربين‌، والحكماء الإلهيين‌، والعلماء والمؤرخين‌، والأطباء الروحانيين‌ والنفسانيين‌، والأطباء الماديين‌ والطبيعيين‌، والأمم‌ والطوائف‌ السالفة‌، وقف‌ القرآن‌ أمام‌ كل ذلك‌ ثابتا دون‌ تأثر أو انفعال‌، ولن‌ يتمكن‌ أي منهم‌ من‌ أن‌ يوجه‌ له‌ نقدا أو طعناً. ثابت‌ راسخ‌ فالقرآن‌ الكريم‌ كتاب‌ عزيز، له‌ مجد وعزة‌ وكرامة‌، يعامل‌ ويواجه‌ بالعظمة‌ والسيادة‌، وليس‌ بإمكان‌ من كان‌ أن‌ ينقد حتى‌ جزئيات‌ مضامينه‌ وآياته‌ وقصصه‌، أو أن‌ يعثر في‌ طياته‌ على موضوع‌ يخالف‌ التأريخ‌ والاكتشافات‌ ونتائج‌ الحفريات‌ الأثرية‌، أو يناقض‌ العقل‌ أو القواعد الرياضية‌ والنجوم‌ وغيرها. ولا يأتيه‌ الباطل‌ من‌ خلفه‌ أي‌ من‌ زمن‌ نزوله‌ إلى‌ يوم‌ القيامة‌، فأي بشر أراد أن‌ يرد ميدان‌ المواجهة‌ معه‌، في‌ أي علم‌ أو أي تجربة‌، فلا مناص‌ له‌ من‌ التسليم‌ بمقام‌ عز القرآن‌، لأن أساسه‌ متين‌ ومحكم‌ لا يتغير، على‌ أساس‌ من‌ الثبات‌ والاستقرار، وعلومه‌ لا تستند الى الحس والخيال‌ لتزول‌ بزوال‌ الحس والخيال‌. عزة‌ القرآن‌ لأنه كلام‌ الخالق‌، فهو لا يتراجع‌ ولا يهتز أمام‌ المنطق‌ والفرضيات‌ التي‌ تواجهه‌، بل‌ هو ثابت‌ راسخ‌، قائم‌ بنفسه‌، دائم‌ على مر الدهور، مضي‌ء كالمصباح‌ المنير في‌ غياهب الجهل‌، وكالشمس‌ التي‌ تستوعب‌ العالم‌ وتنيره‌ بأشعتها وضيائها، وهو معنى‌ عدم‌ اتيان الباطل‌ مِن‌ بينِ يديه ولا من خلفه. وليس‌ من‌ منهج‌ القرآن‌ تخويف‌ الناس‌ باستمرار، فيدفعهم‌ ذلك‌ الى حافة‌ القنوط‌، أو ترغيبهم‌ حتى يصلوا إلى حافة‌ التمادي‌ والطغيان‌. فيقول‌ الله‌ سبحان‌:»مَا يقَال لَكَ إِلا مَا قَد قيل لِلرسلِ مِن‌ قبلِكَ إِن رَبك لذو مَغفِرةٍ و ذُو عقاب أَليمٍ». وهو كتاب‌ للمؤمنين‌ الذين‌ فتحوا بصائر قلوبهم‌، كتاب‌ هداية‌ وإرشاد للغاية‌ القصوى المنشودة‌، و للوصول‌ الى أعلى‌ درجات‌ الإنسانية‌ ونيل‌ مقام‌ التوحيد، وشفاء للأمراض‌ العضال‌ المتراكمة‌. أما الذين‌ لم‌ يؤمنوا به‌ فقد صمت‌ أسماعهم‌ وعميت‌ قلوبهم‌ وبصائرهم‌، فلم‌ يعد يمكنهم‌ سماع‌ آيات‌ الله‌ أو مشاهدتها. فالإنسان‌ غني بمعية‌ القرآن‌ لأنه‌ حق، ومعلم‌ العلوم‌ الحقيقية‌ وهو بدونه‌ فقير ويبقى‌ فقيراً وإن‌ طالع‌ جميع‌ كتب‌ مكتبات‌ الدنيا، لأنه‌ قد حاد عن العلوم‌ الحقيقية‌ والوجدانية‌، وارتمى‌ بين‌ العلوم‌ التخيلية‌. توحيد مطلق‌ القرآن‌ كتاب‌ عميق‌ له‌ درجات‌ ومراتب‌، يتزود منه‌ الجميع‌ كل بقدر فهمه‌، ويمتلك‌ في‌ الوقت‌ نفسه‌ ظاهرا واضحاً قابلا لإدراك عامة‌ الناس‌، وباطنا ذا منازل‌ ودرجات‌، فكل يمضي‌ فيه‌ الى درجة‌ ومنزلة‌ ما لا يعدوها الى غيرها من‌ منازل‌ القرآن‌، ولا يفهم‌ معانيه‌ العميقة‌ وبواطنه‌، مضافاً على‌ ما يتطلبه‌ فهم‌ باطن‌ القرآن‌ وحقيقته‌ من‌ التزكية‌ والطهارة‌ فحقيقة‌ القرآن‌ وعمقه‌ وباطنه‌ ليست‌ مما ينال‌ بالمطالعة‌ والقراءة‌ فقط‌. وعلى من‌ ينشد الوصول‌ الى حقيقة‌ القرآن‌ ومعانيه‌ العميقة‌ وأسراره‌ الباطنة‌ أن‌ يصل‌ أولاً إلى‌ حقيقة‌ الطهارة‌ المطلقة‌، وذلك‌ بمتابعته‌ والسير على‌ نهجه‌ وخطّه‌، ويعبر عالم‌ النفس‌ الأمارة‌ ويصل‌ إلى‌ مقام‌ التوحيد المطلق‌. عظمة‌ القرآن‌ وضع‌ الله‌ سبحانه‌ رتبا‌ً ودرجات‌ في‌ الجنة‌ للعاملين‌ بالقرآن‌ والعالمين‌ العاملين‌ به‌ فقد توجب‌ على‌ المؤمن‌ ـ مادام‌ لم‌ يصل‌ إلى‌ حقيقة‌ القرآن‌ ولم‌ يدرك‌ معانيه‌ الباطنة‌ ـ ألا يهمل‌ شأن‌ قراءته‌ والتدبر والتفكر في‌ آياته‌، وألا يترك‌ التزكية‌ وتطهير النفس‌ والعبادة‌ الهادفة‌ الموصلة‌، والعمل‌ المنتج‌ المثمر، لينال‌ مراده‌ ويدرك‌ غايته‌. ويكفي‌ في‌ عظمة‌ القرآن‌ وكليته‌ أن‌ يستدل به‌ المستدلون‌ في‌ كل عصر وزمان‌ لإثبات‌ ادعاءاتهم‌ ويوردونه‌ شاهداً على صدق‌ أقوالهم‌، مع‌ تباين‌ واختلاف‌ كل تلك‌ الادعاءات‌ والمواضيع‌ والمقاصد.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©