الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مخططات إثيوبيا على النيل... شبح عطش في مصر

مخططات إثيوبيا على النيل... شبح عطش في مصر
14 يونيو 2013 21:59
قبل أن تبنى الأهرام بوقت طويل وتطل على التربة الخصبة لهذه البلدة الواقعة على ضفة النهر، شكر المصريون الله على نعمة المياه الموحلة للنيل. وفي هذا الإطار، يقول إبراهيم عبد العزيز، وهو مزارع في الخامسة والأربعين من عمره: «المحاصيل والماشية والبشر... كلها تعيش بفضل هذا النهر». غير أنه إذا تتبعنا مجرى النهر على طول 1400 ميل في اتجاه المنبع، سنجد مشروعاً ضخماً قيد الإنشاء يهدد بقلب توازنٍ عمره ألف عام. فهناك، في المرتفعات الإثيوبية، يوجد واحد من أكبر سدود العالم قيد البناء. وبالنسبة لإثيوبيا، يُعد هذا السد بالطاقة الوفيرة والهرب من مكانة دائمة على ما يبدو في أسفل الترتيب العالمي من حيث مؤشرات التنمية البشرية. لكن بالنسبة لمصر، فإن العواقب قد تكون وخيمة: نقص في المياه على الصعيد الوطني في مدة قصيرة لا تتعدى العامين يتسبب في تراجع المحاصيل، وانقطاعات الكهرباء، واضطرابات يتجاوز حجمها بحجم الاضطرابات الاستثنائية التي عرفتها البلاد بالأمس القريب. وبالنسبة لبلد بات يواجه أزمات داخلية يومية في أعقاب ثورة عام 2011، يمثل السد تهديداً خارجياً لا يمكن لمصر تجاهله. وهذه هي النقطة الرئيسية ربما؛ فالمحللون يقولون إن إثيوبيا تغتنم فرصة انشغال مصر وهشاشتها النسبية للمضي قدماً في تنفيذ مخططات لطالما ظلت حبيسة الأدراج وكانت تحبط دائماً بسبب المقاومة المصرية. وبالنسبة للمصريين المعتادين على النظر إلى بلدهم كقوة رئيسية في العالم العربي، فإن فكرة الاستسلام لمنافس أفريقي أضعف تمثل تذكيراً مراً لهم بتراجع قوة بلدهم وتقلص تأثيره. كما أنه يمثل اختباراً مبكراً لحكومة الرئيس محمد مرسي التي يبلغ عمرها عاماً واحداً، اختبار يقول بعض المنتقدين إنه تعاطى معه بشكل سيء. وفي هذا الإطار، يقول طلعت مسلم، وهو لواء متقاعد في الجيش المصري:«إن الخيارات باتت قليلة جداً الآن». فالدبلوماسية هي الخيار الأول، لكن نفوذ مصر اليوم يوجد «في الحضيض»، على حد قوله، وإذا فشلت المفاوضات فإن القادة العسكريين المصريين قد يقررون أن «الموت في المعركة أفضل من الموت عطشاً». وبالفعل، فإن احتمال اندلاع حرب مياه أصبح ثيمة في نشرات الأخبار المصرية والصفحات الأولى للجرائد خلال الأسابيع الأخيرة، منذ أن أعلنت إثيوبيا عن اعتزامها تحويل مجرى النهر بشكل فوري بعد اجتماع بين رئيس الوزراء الإثيوبي هيلى ماريام ديسالين ومرسي في أواخر مايو الماضي. الإعلان، الذي شكل محطة بارزة في تقدم السد، نُظر إليه هنا باعتباره صفعة مذلة ومؤشراً على أن إثيوبيا لا نية لديها في التفاوض حول بناء السد. وقد رد مرسي على ذلك، الأسبوع الماضي، بعقد اجتماع طارئ للزعماء من مختلف الألوان السياسية، لكنها خطوة أتت بعكس ما كان متوخى منها، عندما قررت الرئاسة بث الجلسة مباشرة على التلفزيون بدون إخبار معظم المشاركين. فاعتقاداً منهم أنهم كانوا يتداولون في الموضوع سراً، اقترح السياسيون مخططات لتسليح المتمردين الإثيوبيين، وإطلاق حملة سرية حول قوة الجيش المصري، وإرسال طائرة حربية لنسف السد من خلال ضربة واحدة سريعة. مرسي لم يكشف الكثير عما يعتزم القيام به، لكنه حذّر في خطاب ألقاه مساء الاثنين من أن «كل الخيارات تظل مطروحة» من أجل حماية النهر الذي يوفر 95 في المئة من احتياجات مصر المائية. وقال لحشد من الأنصار الذين قدموا لاستقباله، إن البلد مستعد للتضحية بالدماء من أجل ضمان عدم فقدان ولو «قطرة واحدة» من النيل. وفي مقابلة مع وسائل الإعلام التابعة للدولة يوم الثلاثاء الماضي، وصف هيلى ماريام ذلك باعتباره تصعيداً وجنوحاً إلى الحرب، الهدف منه صرف الانتباه عن مشاكل مصر الداخلية. وقال: «لا أعتقد أنهم سيقدمون على ذلك الاختيار، اللهم إلا إذا أصيبوا بالجنون». وفي اليوم نفسه، قال وزير الخارجية الإثيوبي في بيان، إن بلاده لن توقف بناء السد «ولو لثانية واحدة». التوتر يعكس الأهمية الكبيرة للسيطرة على الموارد المائية للمنطقة، في وقت يتميز بتزايد سكاني سريع. ذلك أن عدد السكان في كل من مصر وإثيوبيا يبلغ أكثر من 80 مليون نسمة، وهو ضعف عدد السكان الذين كانوا موجودين قبل 30 عاماً فقط. وبحلول عام 2050، من المتوقع أن يزداد عدد سكان البلدين معاً بـ100 مليون نسمة، حتى في وقت يمكن أن يؤدي فيه تغير المناخ إلى تقلص الإمدادات المائية. ومع ذلك، فإن إثيوبيا تشدد مراراً وتكراراً على أن «سد النهضة الكبرى» لن يتسبب في مشاكل لمصر، حيث يقول المسؤولون الإثيوبيون إن السد سيُستعمل لإنتاج الطاقة الكهربائية، وليس لسقي الحقول، ما يعني أن كل المياه ستأخذ مجراها نحو المصب في مصر. كما ينظر أولئك المسؤولون إلى السد باعتباره فرصة لتصحيح خطأ يعود إلى العهد الاستعماري حافظ على معظم مياه النيل لمصر، في حين ترك مزايا قليلة لبلدان المنبع. وقد تكون مصر هي هدية النيل، مثلما قال المؤرخ اليوناني هيرودوت ذات يوم، لكن النيل ليس ملك مصر فقط، ذلك أن ثمة 11 بلداً تتقاسم حوض أطول نهر في العالم، والذي يمر عبر معظم شرق أفريقيا قبل أن يصب في البحر الأبيض المتوسط في شمال مصر. غير أن المصريين، الذين لم تهدئهم الوعود الإثيوبية، أصبحوا مذعورين على نحو متزايد. ولسبب وجيه، كما يقول وزير الري والموارد المائية المصري السابق محمد نصر علام. وفي هذا السياق، يرى «علام» أنه إذا مضت إثيوبيا قدماً في تنفيذ مخططاتها لبناء السد على النيل الأزرق، والذي يشكل معظم مياه النيل بعد أن يلتقي مع النيل الأبيض في السودان، فإن مصر يمكن أن تخسر ربع مياهها. وقال علام: «إن ذلك سيمثل كارثة بالنسبة لمصر»، مضيفاً القول: «ذلك أن مناطق زراعية واسعة في البلاد ستتوقف عن الإنتاج». ويرى الخبراء أن أكبر خطر بالنسبة لمصر سيكون عندما تقوم إثيوبيا بملء الخزان الضخم وراء سدها، وهي عملية يمكن أن تبدأ في عام 2015 وتدوم لفترة ستة أعوام. غير أنه حتى بعد ذلك، فإن إنشاء السد سيعني أن مصر لم تعد لديها سيطرة مباشرة على موردها المائي الرئيسي، وهو ما يشكل احتمالا يبعث على القلق بالنسبة لبلد يعرف تساقطات مطرية متواضعة ويُعتبر أكبر «واحة» في العالم. وقال علام إن على مصر أن تسعى إلى إقناع إثيوبيا بخفض ارتفاع السد البالغ 550 قدماً، وهو الأمر الذي من شأنه أن يخفف من تأثير بنائه. وفي نهاية المطاف، يقول علام، قد يتم استدعاء بعض القوى الدولية، مثل الولايات المتحدة، من أجل المساعدة على التوسط وحل هذا الخلاف. جريف وايت الجيزة (مصر) ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©