الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الفيلم الروائي الإماراتي يمضي في مسارات متعددة نحو تحقيق الوجود

الفيلم الروائي الإماراتي يمضي في مسارات متعددة نحو تحقيق الوجود
14 يونيو 2013 23:18
(الشارقة) ـ على الرغم من المرحلة الزاهية والمتألقة التي يعيشها الفيلم الروائي القصير في المشهد السينمائي المحلي، وعلى الرغم من تفوق هذا النوع المستقل من الأفلام في مشاركاته الخليجية والعربية والإقليمية، إلا أن الفيلم الروائي الطويل في الإمارات، وعلى الرغم من ظهور تجارب متفاوتة عدة في قيمتها الموضوعية وقالبها التقني، ما زال هو النمط الفني المتأخر عن بلوغ الطموح المواكب لحراك سينمائي، انطلق قبل اثني عشر عاما في المجمع الثقافي بأبوظبي، واستثمر شغفه من شغف مؤسس مسابقة أفلام من الإمارات في تلك الفترة وهو مسعود أمر الله، السينمائي الإماراتي الحالم والواثق بحلمه حد التجسيد والفعل والرؤية المتدفقة، حماساً وعشقاً لتكوين قاعدة صلبة لمستقبل الفن السابع في الإمارات، فهو الذي حوّل مسابقة الفيديو في أواسط التسعينات بالمجمع الثقافي إلى تظاهرة سينمائية في عام 2001 ثم إلى مسابقة رسمية في العام التالي وطورها إلى مسابقة أوسع، كي تشمل الإماراتيين والخليجيين، وحتى صناع الأفلام الدوليين في مهرجان الخليج السينمائي الذي انطلق في دبي العام 2008. أسباب الغياب وفي سياق البحث عن أسباب غياب الفيلم الطويل الملبي لطموح السينما الإماراتية حتى الآن، التقت «الاتحاد» بثلاثة من السينمائيين الإماراتيين الذين قدموا تحليلات، تضيء جوانب عديدة من هذه الإشكالية، حيث يشير مسعود أمر الله المدير الفني لمهرجان دبي السينمائي ومدير مهرجان الخليج السينمائي، إلى أن الفيلم الإماراتي الطويل ما زال بحاجة إلى مزيد من الوقت كي يتبلور وتتكشف عنه الملامح الضبابية التي دائما ما ترافق المحاولات الأولى، مضيفاً أن الأمر ذاته انطبق في البدايات على الفيلم القصير الذي أصبح اليوم ــ كما قال ــ متمتعاً بحضور جيد ومبهج على مستوى الكم والنوع، مضيفاً أن المخرجين الذين تميزوا في أعمالهم الروائية القصيرة يشكلون الآن القاعدة التي يمكن أن تؤسس لظهور أفلام طويلة ناجحة خلال السنوات القليلة القادمة. النصوص والتمويل وعلّق أمر الله على سؤال شائك حول وجود عناصر كثيرة ومتشعبة تعيق ظهور فيلم إماراتي طويل متماسك ورصين، مثل ندرة النصوص، وقلة التمويل، وغياب المعالجة الاحترافية، مؤكداً أن هذه العوائق موجودة فعلا، لأن بعض المخرجين الشباب ــ وكما قال ــ يحاولون حرق المراحل والقفز فوق هذه العوائق من دون التفكير في كيفية التعامل معها وتحويلها من «عائق» إلى «دافع» لتقديم أفلام خالية من الأخطاء ابتداء من النص الذي اعتبره أمر الله هو أصل ومنطلق أي فيلم ناجح وليس انتهاء بالمعالجة الإخراجية والوعي بآليات تطوير السيناريو والإنتاج المسبق والتوزيع اللاحق للفيلم، وأضاف أمر الله أن أغلب السينمائيين الإماراتيين من كتاب ومخرجين لا يلتحقون بالورش والدورات التي تقدمها المهرجانات والمؤسسات السينمائية في الدولة، لأن هناك من السينمائيين ــ كما قال ــ يرى نفسه أكبر من هذه الدورات، وأن التحاقه بها قد ينتقص من قيمته الاعتبارية كمخرج أو كاتب معروف، قدم تجارب، يراها من وجهة نظره أنها تجارب ناضجة ومكتملة وتغنيه عن الالتحاق بهذه الدورات، مؤكداً أن هذا الفهم مغلوط لأن تواضع الكاتب أو المخرج وبحثه المتواصل عن المعرفة والثقافة السينمائية، هو الذي يخلق منه في النهاية شخصا قادرا على التعامل مع التحديات والصعوبات التي تواجهه عند التصدي لمشروعه الفني. وحول عقبة التمويل التي يحتجّ بها أغلب الطامحين لتقديم أفلامهم الطويلة، أكد أمر الله أن التمويل هو جزء من المشكلة، وليس هو المشكلة الأساسية، لأن هناك نواحي أخرى إبداعية وجمالية يجب أن يتمتع بها كل من الكاتب والمخرج، وتعتمد على الدأب الذاتي والجهد الشخصي والاشتغال الذهني والمعرفي والثقافي، وهي أمور ــ كما أوضح ــ لا يمكن للتمويل وحده أن يصنعها أو يغرسها في صناع الأفلام. وعن الشتات الذي يعيشه البعض بين تقديم فيلم تجاري أو جماهيري ناجح وتقديم فيلم فني ومستقل يلبي شروط المشاركة في المهرجانات، نوه أمر الله إلى أن على المخرج أن يصنع فيلمه بحرفية تامة، وحسب ذائقته ورؤيته الخاصة، وليس اعتمادا على مكان عرضه، وقال إن هذا الخلط والشتات غير موجود في ذهن المخرج الذي يريد ترجمة النص السينمائي الذي أحبه وشغف به، وساق مثالاً بفيلم «وجدة» للمخرجة السعودية هيفاء المنصور، مشيراً إلى أنه فيلم فني ولكنه لقي تجاوبا جماهيرياً كبيراً عند عرضه في الصالات الفرنسية، والأمر ذاته انطبق ــ كما أشار ــ على فيلم : «كاراميل» للمخرجة اللبنانية نادين لبكي الذي صُنع أساساً كفيلم فني ولكنه نجح جماهيرياً في دول عربية وأجنبية عدة. وأشار أمر الله إلى نقطة مهمة وهي ضرورة الاشتغال على السيناريو وتطويره قبل كل شيء من قبل هيئات عالمية متخصصة في هذا المجال، وقوة هذا السيناريو وتماسكه وجاذبيته هي التي تصنع الخطوة التالية والمهمة أيضاً وهي ضرورة التعاقد مع المنتج والموزع عى الرغم من أن الفيلم مازال على الورق، وقبل الشروع فعليا في عمليات التصوير والإخراج والمونتاج، لأن هذه الخطوة كما قال تضمن للفيلم الاستمرارية والتسويق الجيد والمشاركة في مهرجانات دولية كبرى من خلال شركات عريقة، ولها باع وخبرة ونفوذ في عالم الترويج والتسويق للفيلم الروائي الطويل. شروط صعبة بدوره يشير المخرج عبد الله حسن أن جزءاً من أزمة الفيلم الروائي الطويل في الإمارات يكمن في عدم تنازل بعض جهات التمويل مثل «إنجاز» في مهرجان دبي السينمائى، و«سند» في مهرجان أبوظبي السينمائي عن الشروط الصعبة المتعلقة بدعم الفيلم المحلي الطويل، لأن هذا الدعم كما قال يمنح للسينمائيين الخليجيين والعرب كافة، وبالتالي فإن وجود استثناءات خاصة للمخرج الإماراتي يمكن أن تفتح مجالاً أوسع أمامه للاستفادة من هذا الدعم، واستغرب عبدالله أن تهمل مؤسسة سينمائية كبيرة المخرج الإماراتي، وتفضل عليه المخرج القادم من هوليوود مثلا، وتدفع له الملايين، وتوفر له الميزانيات الضخمة كي ينتج فيلمه، بينما يوضع مشروع الفيلم الإماراتي في الأدراج، لمجرد غياب الثقة والإيمان بقدرات ومواهب الكاتب أو المخرج الإماراتي، مشيراً إلى أن فيلم أنتجته تلك المؤسسة قبل ثلاث سنوات بعنوان «جن» وصور في الإمارات بكلفة مادية بلغت ملايين الدولارات ولم يظهر الفيلم حتى الآن وذهبت الأموال التي كان يمكن أن تغطي تكاليف أربعة أو خمسة أفلام روائية طويلة إماراتية أدراج الرياح، وهو أمر كما قال يثير الأسى والحسرة بسبب تبخر هذه الأموال الطائلة في فيلم فشل في تحقيق الطموح الفني والجماهيري المطلوب منه. وتمنى عبد الله أن يمر الفيلم المحلي الطويل بالمراحل ذاتها التي مر بها الفيلم القصير، من حيث التأسيس القوي أولا، ومن حيث دعم ورعاية المواهب السينمائية ثانياً، وخلق حراكاً فنياً وتنظيمياً وجماهيرياً متواصلاً، يضمن للفيلم الطويل الاستمرارية وتتبع الخط التصاعدي الذي يضمن جودة وتطور هذه الأفلام سنة بعد أخرى. وحول رغبته الشخصية في تقديم أفلام طويلة بعد مسيرة ناجحة له مع الأفلام القصيرة، أوضح عبد الله أنه يملك نصين طويلين جاهزين، أحدهما بعنوان «ميسي» من كتابة محمد حسن أحمد، والآخر بعنوان «فستان» للسيناريست يوسف إبراهيم، مضيفاً إلى أنه يرغب في تقديمها بقالب فني مستقل، وبميزانية متوسطة يتمنى تجميعها من جهات الإنتاج الرسمية واستكمالها من خلال التمويل الذاتي على الرغم من الأعباء المادية المترتبة عن هذا الإجراء الأخير، وتمنى أيضاً أن ينال فيلمه الطويل القادم حظه من العرض في الصالات التجارية لتقليل المخاطر المادية أو على الأقل عدم الدخول في هاجس الخسارة. واقترح عبد الله أن يكون هناك صندوق رسمي وغير ربحي لدعم الفيلم الروائي المحلي الطويل، يشرف عليه سينمائيون متخصصون، وترعاه جهة حكومية مثل وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع أو مؤسسة ثقافية شبيهة، بحيث يكون هذا الصندوق شريكاً قوياً لدفع الحركة الإنتاجية للأفلام المحلية المتوافرة على نصوص قوية وقادرة على صياغة فيلم فني مؤهل لتمثيل دولة الإمارات في المحافل والمهرجانات السينمائية الكبرى سواء في النطاق المحلي أو في الخارج. أزمة الإنتاج من جهته يشترك المخرج خالد المحمود مع وجهة النظر التي طرحها عبد الله حسن بوجود مشكلة حقيقية، تعرقل مسيرة الفيلم الإماراتي الطويل، وهي مشكلة الإنتاج، لأنها كما أوضح تدفع الكثير من المخرجين إلى تقديم تنازلات فنية تتعلق بالمجاميع والديكور والممثلين، وغيرها من العناصر البصرية الواردة في نص السيناريو الأصلي، وذلك حتى لا يتجاوز الفيلم الميزانية الممنوحة له على الرغم من التشويه الذي يتعرض له النص، وعدم قدرة المخرج على تقديم كامل التفاصيل المعززة للمناخ الفني لفيلمه. وأضاف أن الفيلم المصاغ بحرفية سينمائية عالية، يحتاج إلى متخصصين ومحترفين في المراحل كافة التي يقطعها الفيلم، ابتداء من الكاتب والمنتج والموزع وليس انتهاء بالفنيين والتقنيين والممثلين، وبالتالي، كما قال، فإن المنافسة في مجال الأفلام الطويلة هي منافسة شرسة، وتحتاج لعمل وجهد كبيرين، موضحاً أن التجارب السينمائية الطويلة في الإمارات عليها أن تتجاوز أخطاء وهفوات البدايات، وأن تتعرف وعلى أرض الواقع ومن خلال الاحتكاك بالتجارب المتقدمة إلى أسرار ومنافذ وآليات صناعة الفيلم الطويل. وأكد المحمود أن ميزانية معقولة تصل إلى 800 ألف درهم، يمكن أن تصنع فيلماً فنياً جيداً، إذا استطاع المخرج أن يستعين بفنيين من الداخل لهم خبرة في التعامل مع التكنيك السينمائي، خصوصا في مجالات الصوت والإضاءة والتصوير والديكورات أو السينوغرافيا، مضيفاً أن هذه الكلفة المتوسطة يمكن وبشيء من المعالجات الإخراجية الذكية أن تقلل من حجم التنازلات الفنية، وأن تكون أمينة ومترجمة لأجواء النص الأصلي المكتوب للفيلم. الصعوبات التي واجهت البدايات ما زالت مستمرة الحديث عن الفيلم الإماراتي الطويل يستدعي أيضا استذكار بدايات ظهوره كمنتج فني وإبداعي مستقل، واجه وما زال يواجه الكثير من الصعوبات والعراقيل الملموسة، والأخرى الافتراضية، المتمثلة في ندرة النصوص السينمائية الطويلة، والكلفة الإنتاجية العالية، وضبابية المفاهيم المتعلقة بآليات التسويق والترويج والتوزيع قبل وبعد اكتمال الفيلم الطويل وظهوره بشكله النهائي. والعودة إلى الذاكرة الأرشيفية والبصرية لهذه النوعية من الأفلام المنتجة على أيدي مخرجين أو منتجين إماراتيين لابد وأن تقودنا لاستحضار أفلام مثل «عابر سبيل» للمخرج علي العبدول الذي خاض المغامرة وحيدا في عام 1989، في ظل الغياب التام لمفهوم التلقي والتفاعل والإنتاج المرتبط بالفيلم الطويل، حيث إن الشرارة التي أطلقها العبدول في ذاك الفضاء المعتم ساهمت على الرغم من انطفائها السريع في ولادة إضاءات سينمائية متفرقة ومتباعدة زمنيا، جاءت على شكل محاولات أو جس نبض لما يمكن أن يثيره الفيلم الطويل من ردة فعل إيجابية على المستويين الفني والجماهيري معاً، فظهر فيلم للمخرج عبد الله النقي بعنوان «جمرة غضا»، ثم فيلم آخر للمخرج محمد نجيب بعنوان «مكان في القلب»، وقدم المخرج جاسم جابر فيلماً في خمسين دقيقة بعنوان «الطين الأخير»، ولكن ظلت هذه الأفلام رهينة لحماسها اللحظي، وكان التجاوب معها سريعاً وعابراً هو الآخر، ولم يكن بوسع هذه التجارب المبكرة أن تحفر مساراً واضحاً في طريق الفيلم الطويل الوعر والمتعثر أصلاً بغياب الدعم الرسمي، وعدم وجود مهرجان أو جهة سينمائية حاضنة لمثل هذه التجارب، وشهدت نهاية التسعينات، مروراً بالألفية الثانية، عدداً من التجارب السينمائية المختلفة نوعاً ما عن التجارب الأولى، ولكنها ظلت تدور في الحلقة المفرغة ذاتها، المتمثلة في ضعف النصوص، وقصور المعالجة الإخراجية، المتأثرة بالأسلوب التلفزيوني، وغياب الوعي بآليات التوزيع، ونذكر من هذه الأفلام «حلم»، و»جمعة والبحر» لهاني الشيباني، و»حنين» لمحمد الطريفي، و»عقاب»، و»رمال عربية» لمجيد عبد الرزاق، و»ثوب الشمس» لسعيد سالمين، و»حب ملكي» لجمال سالم، ولابد من الإشارة أيضاً إلى بعض الأفلام التي شهدت نضجاً على مستوى السرد، والتقنيات السينمائية الجديدة في حقول المكساج والمونتاج والتصوير، ونذكر منها «الدائرة» و»ظل البحر» لنواف الجناحي، و»دار الحي» لعلي مصطفى، وكانت رغبة المزج بين المحتوى الفني والمطلب الجماهيري واضحة في هذه التجارب الأخيرة، ولكن ظلت مشكلة تحقيق فيلم متماسك في إيقاعه السردي، ومتوافق مع الشكل الاحترافي والقياسي هي المشكلة الحاضرة والمثيرة للأسئلة، قياسا بالتطور الكبير الذي لامس الجسد التنظيمي للسينما في الإمارات، من خلال ظهور المهرجانات السينمائية الدولية الكبرى في أبوظبي ودبي، ووجود صالات عرض جماهيرية تتفوق في نوعيتها وكميتها على ما هو موجود في دول الشرق الأوسط، إضافة إلى ظهور العديد من الجهات الإنتاجية الخاصة والحكومية التي يمكن أن تذلل الكثير من العقبات التمويلية أمام المخرجين الإماراتيين الطامحين إلى تقديم أفلام ناجحة ومقاربة للنجاح الذي تحقق مع الأفلام الروائية القصيرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©