الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تجربة الإسلام في الهند.. من الدعوة إلى الدولة

تجربة الإسلام في الهند.. من الدعوة إلى الدولة
1 يوليو 2014 00:36
د. أحمد الصاوي (القاهرة) الهند موطن الأساطير وبوتقة تتعايش فيها دون انصهار عدة أجناس وأديان ويتكلَّم أهلها بنحو 300 لهجة فضلاً عن أربع أو خمس لغات رئيسية، وقد عرف الإسلام طريقه مبكراً إلى تلك البلاد المترامية الأطراف بين جبال الهيملايا شمالاً والمحيط الهندي وبحر العرب جنوباً وبين سلسلة جبال الهندوكش غرباً وجبال آسام شرقاً. ويعود دخول الإسلام في وقت مبكر إلى الهند لحقيقة أن الصلات بين العرب وتلك البلاد التي تطل سواحلها الجنوبية الغربية على بحر العرب ترجع لأزمان موغلة في القدم. روايات وتشير المصادر التاريخية العربية، وكذلك الروايات الشفهية المتواترة بالهند إلى أن التجار العرب حملوا معهم دعوة الإسلام إلى الموانئ التي كانوا يقصدونها واستجاب بعض الأهالي هناك لدعوتهم وأقاموا المساجد الصغيرة لصلواتهم على امتداد الساحل الجنوبي، وذلك في إطار التنوع الكبير للأعراق والمعتقدات في تلك المناطق، وأسفرت الدعوة السلمية عن دخول مبكر للطبقات المنبوذة والمستضعفة في الإسلام. ركوب البحر ومهما يكن من أمر فقد بدأ المسلمون التفكير مبكراً في غزو الهند وضمها لدولة الإسلام البازغة عقب وصول الفتوحات لإيران، ليجد المسلمون أنفسهم على حدود بلاد الهند. وظلت الحملات توجه على استحياء إلى أطراف الهند إلى أن ولي العراق الحجاج بن يوسف الثقفي وعزم على ضمها للخلافة الأموية وقد اختلف المؤرخون في بواعث هذا الاهتمام، فهناك من قال كان في سيلان أو جزيرة الياقوت. كما يسميها العرب، نسوة من العرب المسلمين مات عنهم أبوهم، فأراد ملك الجزيرة أن يرسلهم للحجاج في سفينة، ولكن بعض لصوص الديبل استولوا على السفينة ومن فيها فصاحت امرأة منهن وكانت من يربوع من بني تميم «يا حجاج» فبلغ الحجاج ذلك وأرسل لداهر ملك الديبل يطلب تحرير النسوة فاعتذر بعدم قدرته على فكهم من أسر اللصوص، فقرر الحجاج غزو الهند. أول المساجد أعد الحجاج أكثر من حملة استكشافية قبل أن يرسل ابن أخيه الشاب دون العشرين من العمر محمد بن قاسم الثقفي على رأس حملة سارت بمحاذاة الساحل في عام 92 هـ، بينما عتادها محمول في السفن حتى وصل إلى الديبل، فحاصرها ثلاثة أيام وأطلق عليها القذائف من منجنيق ضخم كان يعرف باسم العروس مصيباً المعبد قبل أي شيء مما فت في عضد جنود داهر ليدخل الثقفي المدينة ويؤسس بها أول المساجد. ونجح القائد الشاب في هزيمة داهر والاستيلاء على مدن مملكته صلحاً في أغلب الأحوال وعندما تصدى له أهل الملتان بالقوة لإيقاف زحفه نحو الشمال نجح في إنزال الهزيمة بهم ورغم النجاح الكبير الذي أحرزه محمد بن قاسم الثقفي وغنائم الذهب وسدنة المعبد الوثني الذين أرسلهم لدمشق، فإن وفاة الحجاج ثم الوليد بن عبد الملك أدت لعزله من ولاية ما فتحه من الهند بل وألقي القبض عليه وسجن بمدينة واسط حتى وافته المنية بعد عذاب مؤلم أنزله به واليها المعادي للحجاج. الفتوحات وصلت إلى كشمير والملتان توطدت أركان الدولة الإسلامية في الهند أيام خلافة أبو جعفر المنصور العباسي ووصلت الفتوحات إلى كشمير والملتان في الشمال الغربي. ومع ترهل نفوذ الخلفاء العباسيين وغلبة القادة الأتراك عليهم ظهرت الدويلات المستقلة في أرجاء الخلافة، ولم يختلف الأمر كثيراً عن ذلك في ولايات الهند، فظهرت دولتان إسلاميتان إحداهما في المنصورة في الجنوب والثانية ومقرها الملتان في الشمال. وظلَّت الدعوة الإسلامية تنتقل بشكل سلمي مع الدعاة من رجال الدين والتجار، انطلاقاً من المنصورة والملتان وكشمير إلى سائر الممالك الهندية المجاورة إلى منتصف القرن الرابع الهجري، عندما ظهر القائد التركي الأصل محمود بن سبكتكين الغزنوي ليبدأ معه تاريخ الدول الإسلامية في الهند، بعد أن ظلت خلال القرون السابقة محض مراكز إسلامية أو ممالك محلية خاضعة للأمويين، ثم العباسيين تنتشر منها الدعوة للإسلام في أنحاء شبه القارة الهندية. شبه القارة الهندية عالم حافل بأجناس وعقائد ولغات شتى، ومنذ القدم هذا العالم له شخصيته المستقلة وفلكه العقائدي والفلسفي الخاص، اقتحم الإسكندر الأكبر بلاد الهند غازياً وخلف وراءه تأثراً كبيراً بفنون الإغريق، ولكن دون تبديل كبير في شخصية الهند. وبدءاً من عام 92 هـ دخل الإسلام إلى الهند من جهة السند والبنجاب، ولكن نجاحه الأكبر كان في جنوب البلاد عبر التجارة الموسمية لينتشر الإسلام سلمياً بين الطبقات المقهورة والفقيرة هناك، وبدورهم نقل الهنود المسلمون دعوة الإسلام وحضارته إلى ما جاورهم من جزر المحيط الهندي وسواحله الجنوبية. أدرك المسلمون مبكراً أنهم يدخلون عالماً خاصاً فتعاملوا معه برفق يناسب البلد الذي كتب عنه البيروني كتابه الشهير «تحقيق للهند من مقولة في العقل أو مرذولة»، فكان الإنتاج الفني للهند في العمارة والفنون الإسلامية عروة وثقى بين روح الفن الإسلامي وشخصية الهند التليدة، هنا وعلى مدار الشهر الكريم نعرض لأهم ملامح إسهامات الهند في الفن الإسلامي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©