الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأصدقاء العراقيون.. وتخلي الأميركيين

1 يوليو 2014 01:04
كيرك جونسون محلل سياسي أميركي في أغسطس عام 1972، شعر الرئيس «ريتشارد نيكسون» بالقلق لأنه لا مناص من انهيار جنوب فيتنام بعد انسحاب القوات الأميركية. فأسرّ إلى مستشاره لشؤون الأمن القومي «هنري كسينجر» قائلاً: «علينا ألا نكترث كثيراً بشأن جنوب فيتنام، فهي لن تنجو أبداً على أية حال». ووافقه كسينجر الرأي. وأضاف «لكن علينا أن نتوصل إلى صيغة تبقي الوضع متماسكاً لمدة عام أو اثنين، إلى أن ينسى الأميركيون ولا يعبؤون بما يحدث هناك». وأصبحت هذه الصيغة معروفة بعد ذلك بـ «فترة الهدنة»، وهي مدة من الوقت بعد الانسحاب كانت كافية كي ينسى الأميركيون تعب الحرب. وبعد 32 شهراً، عندما سقطت سايجون عاصمة جنوب فيتنام، لم تكن ثمة فرصة تأييد من جانب الشعب الأميركي للانخراط عسكرياً مرة أخرى، لدرجة أن المخاوف داخل الكونجرس من الانزلاق إلى الصراع مرة أخرى هددت جهود معالجة أزمة اللاجئين المتدهورة. ويكاد يكون من الصعب هذه الأيام أن نتفادى ظلال «عدم اكتراث» إدارة أوباما بالعراقيين المعرضين للخطر لأنهم ساعدونا وعملوا معنا كمترجمين وسائقين ومستشارين أثناء الحرب في العراق. وأثناء فترة الانسحاب الطويلة، توسلت منظمتا «ليست بروجيكت» المعنية بإعادة توطين الحلفاء الأميركيين، إلى إدارة أوباما كي تضع خطة لحماية هؤلاء العراقيين. لكن البيت الأبيض أبقى دائماً على درجة من فك الارتباط بالعراق. وبعد أن روجت حملة الرئيس الانتخابية في عام 2008 إلى فكرة الانسحاب وفي 2012 إلى حقيقة إنجازه، أقنعت الإدارة نفسها بأن العراق بات في وضع أفضل مما كان عليه، مدركين أن الشعب الأميركي لن يمنحهم فسحة من الوقت إذا تفكك العراق. وقد صادق الكونجرس بالفعل على فئة خاصة من تأشيرات الهجرة للعراقيين الذين ساعدونا، ولكن البيروقراطية أعاقت توزيعها. ولا يزال آلاف العراقيين الذين تعاونوا مع قواتنا ودبلوماسيينا وموظفينا معرضين للخطر، فاقدين الأمل في الحصول تأشيرة تمكنهم من العبور إلى بر الأمان. وتنطبق القصة ذاتها على الوضع في أفغانستان. وقد كانت هذه المشكلة متوقعة. وقبل عام من انتهاء الحرب، مرر الكونجرس مشروع قانون يأمر السلطة التنفيذية بوضع خطة طارئة، لكن البيت الأبيض لم يفعل ذلك قط. وقبل أسبوعين من مغادرة آخر القوات الأميركية في ديسمبر عام 2011، قال أحد موظفي «مجلس الأمن القومي» لمحامي «ليست بروجيكت»: «ندرك أن العراقيين المدرجين على قائمتكم خائفون، لكن لا يوجد أساس موضوعي كي يشعروا بالخوف بعد انسحابنا». وبعد بضعة أشهر، قطعت رأس أحد العراقيين كان يعمل سائق رافعة لدى الجيش الأميركي. وعلى مدار أكثر من عام، كان قد أُجل النظر في طلبه. ووجدت أنه من المستحيل أن أخبر أرملته ونجله أن إدارة أوباما اعتقدت أنه كان عليهم أن يكونوا أكثر موضوعية بشأن خوفهم. وبعد عامين ونصف العام منذ مغادرة آخر القوات الأميركية، نزح ما يزيد على مليون ونصف عراقي بسبب المعارك الجديدة التي مزقت الدولة العراقية. وراسلتني أسر كثيرة تناشدني المساعدة. ولكن ليس ثمة ما يمكنني القيام به بعد ذلك، فآن ريتشارد، مساعدة وزير الخارجية المسؤولة عن قضايا اللاجئين، أخبرتني أن السفارة في بغداد أجلت الموظفين الذين كانوا ينظرون التماسات اللاجئين. ويعني ذلك أن طلبات المتقدمين للحصول على وضع لاجئ ستبقى مجمدة حيث هي بينما بدأت «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) السيطرة على شمال العراق. وبعد أن بدأ هجوم «داعش»، تعقب مقاتلوها 85 من بين العراقيين الـ 90 الذين عملت معهم أثناء تواجدي في بغداد والفلوجة، واغتالوا ثلاثة آخرين. وعندما راسلني أحد الاثنين المتبقين كان مختبئاً في شقته مع زوجته وابنته البالغة من العمر خمسة أعوام، وكل ما لديه للدفاع عن نفسه مسدس لا يثمن ولا يغني من جوع إذا عثرت عليه قوات «داعش». وأما الآخر، ويُدعى جلال، ففر إلى تركيا الأسبوع الماضي مع زوجته وبناته الثلاث. وقد كان محظوظاً، إذ إن كافة الرحلات من بغداد محجوزة حتى منتصف شهر يوليو الجاري. وعلى رغم ذلك، كان صوته يحمل نبرة الهزيمة عندما تحدثنا عبر الهاتف. وقال: «إن حياته تدمرت الآن بالفعل»، مضيفاً: «لقد فقدت الأمل في كل شيء، وتركت كل شيء من خلفي.. سيارتي ومنزلي وكل شيء، وعلينا أن نهرب ولكن إلى متى سنبقى فارين. وقد بلغت من العمر 37 عاماً وأعيش في هذه المأساة منذ عشرة أعوام. وقد ضقت ذرعاً بكل شيء، وعلي أن أربي بناتي وأن أؤمن حياتهم ومستقبلهم». وتعاني بنات جلال الثلاث من اضطرابات مرضية، فالوسطى البالغة من العمر ثمانية أعوام لم تعد تستطيع السيطرة على أعصابها. وتقدم جلال للحصول على تأشيرة مهاجر خاصة قبل أعوام. وأخبرني: «أرسلت إليهم رسائل كثيرة، وكانت آخر مقابلة في أكتوبر 2010، وأصبحنا الآن في 2014! فهل يقومون بإجراءات إدارية منذ أربعة أعوام؟ أي شيء يفعلونه طوال هذه المدة ونحن نتعرض للقتل والاختطاف والتعذيب؟». وتابع جلال بمرارة واضحة: «لقد تركونا وتخلوا عنا من خلفهم». «وها هي نفس القصة في فيتنام» تتكرر. والجميع في أميركا منشغلون مرة أخرى بالركام السياسي وتبادل الاتهامات بشأن من كان محقاً قبل عشرة أعوام ومن تسبب في ضياع العراق حقيقة. ومرة أخرى يتم تجاهل من ساعدونا ويحتاجون الآن مساعدتنا. ولا أحد من الأميركيين يكترث الآن بشأن ما يحدث في العراق. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©