الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

القلاع والحصون حارسات الحياة

القلاع والحصون حارسات الحياة
4 أكتوبر 2017 20:10
أعدَّ الملف : محمد عبدالسميع تُعدّ القلاع والحصون واجهات حضاريّة تختزل تراثاً بعيداً وضارباً في الجذور. والمتأمّل لقلعة أو حصن بإمكانه أن يغمض عينه على حياةٍ ذات تفاصيل وناس وحركة وأسواق ومعاملات كانت تنتظم حول هذه المعالم التاريخيّة، التي ظلّت حيّةً طيلة هذا المشوار الطويل لتشهد على كلّ تلك الحياة. وأوّل ما يلفت المهتمّ أو المتجوّل في أروقة قلعةٍ أو حصن هو عنصر الزمن. وله أن يكون سخيّاً في خياله، وأن يطلق العنان متفكّراً في أدوات ذلك العصر أو ذاك الزمن. وله كذلك أن يسأل نفسه، قبل أن يبادر الدليل السياحيّ بالأسئلة أو يمطره بالاستفسارات، عن آثار القوم أو وقع خطواتهم أو حروبهم وتطويعهم المتاح لإنجاز ما يفوق قيمة هذا المتاح. وعلى قمّة قلعة أو أعلى نقطة في حصن لا بدّ وأن تزحم الزائر أسئلة التاريخ؛ إذ التاريخ هو المادة الحقيقيّة التي نستنبطها من هذه الأوابد الشاهدة على عظمة الإنسان، وقوّته وتصميمه على الحياة، وربّما على تقدّمه واستشرافه آفاقاً جديدة أو ارتياده أرضاً إضافيّة. إنّ رمزيّة القلعة أو الحصن تكمن في أنّها مصدّات حقيقيّة لكلّ الأخطار الدخيلة ورياح الفتن والثقافات الفتّاكة، وإن نحن أحسنّا الاشتغال على هذه الرمزيّة واستفدنا منها ربما أمكننا الحديث عن قلاع ثقافيّة أو فكريّة تقي الدول والشعوب الأخطار أو تدفع عنهم عاتيات الدهر وهُوج الرياح. وإذا كانت القلعة، بما هي رمز للثبات والبقاء والصمود، رمزاً للأمان والاطمئنان، فإنّ التعبير السياسيّ استثمر هذا المعنى للدلالة على ثبات الموقف وصلابة البناء أو الجبهة الداخليّة، مثلما استوحى العرب في رقعة الشطرنج هذا المعنى؛ فحركوا البيادق - الجنود- وهمزوا الأحصنة واستثاروا الفيلة واستعانوا بالوزراء نحو النصر أو الدفاع على الأقل، لذلك كان فقدان القلاع خسارةً فادحةً. وبعيداً عن الدلالة السياسيّة أو الفكريّة في هذا المسمّى، فإنّ القلاع تحتفظ أيضاً بتصميمٍ يشي بانتشار الجمال أو محدوديّته، في الشكل الظاهريّ أو في الداخل، وعدا هذا الجانب، فإنّ تقنيات الدفاع تظلّ تتجدد هي الأخرى دائماً لأداء الناحية الوظيفيّة في الاستطلاع أو المراقبة أو صبّ وابلٍ من السهام أو النار على المقتحمين. وتشتمل دولة الإمارات العربيّة المتحدة على عدد من القلاع والحصون التي تثري الدراسات السكانيّة. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أنّ الإمارات كغيرها من الدول لا يمكن أن تنعزل عن محيطها الإنسانيّ قبل محيطها الجغرافيّ، فإنّنا لا بدّ وأن نجد الكثير من المؤشرات التي تحيلنا إلى واقع تاريخي وحضاري وثقافي يؤكّد هذه الأصالة. وإذا كان التاريخ يقول ذلك والدراسات تؤيّد هذا التاريخ، فإنّ تلك حجّة بليغة للسير باتجاه الالتقاء الإنسانيّ وتحويل القلاع من راجمات للنار وسهام الموت إلى شواهد جميلة، تحمل جدرانها ونوافذها بصمات ذلك الإنسان الذي يسعى دائماً للتصالح وحماية الذّات، حتى وهو يبني القلاع التي من خلالها يدافع عن الحياة والبقاء. جميلٌ أن تتحول القلاع إلى أروقة للتعارف الإنساني وتأكيد تأثّر الإنسان بغيره وحاجته إليه، والأجمل أن تصبح نوافذها نسائم عليلة نستشرف من خلالها عظمة الإنسان الإماراتي، وشخصيّته التي امتحنتها الأنواء والظروف ولم تثنها عن الاستمرار أو توقف نموّها، باعتبارها شخصيّة عريقة وعملاقة تحدّتْ كلّ ظروف البحر والصحراء، واستفادت من كلّ المعطيات الطبيعيّة لإعمار هذه المنطقة المباركة بأنفاس الحياة. إذن نحن أمام هذه الأوابد نقف أمام معارف إنسانيّة وخبرات، وتجارب، وقيم، وتقاليد، وحصيلة حياتية، وحركة موّارة بالتطور والإبداع، فلا أقلّ من أن نقرأ هذه القلاع من المنظور الخاص الإماراتي باتجاه المنظور الأشمل الإنسانيّ، وفي هذا الملف سنقف على الوجوه الحضاريّة وما نستخرجه منها من معانٍ وأفكار تخدم الهدف الإنسانيّ والجماليّ وهدف استقرار الدول وأمان الشعوب. إن يد الفنان الإماراتي والخليجي والعربيّ يمكن أن تعيد لنا قراءة هذا الأثر المهم؛ لوحةً تشكيليّةً أو طرائق معماريّة أو أعمالاً دراميّة، تستدعي ذلك الزمان بكلّ تحولاته ومصائره، لنعيشها إيقاعاً ساحراً خارج سياق الحاضر، عبر هذا الملف الذي تشارك فيه كوكبة من الكتاب والمختصين الإماراتيين والخليجيين: د. حمد بن صراي، د.ناصر العبودي، علي محمد راشد، د.منصور الشامسي، د. رفيقة بن رجب، والراوي جمعة بن حميد. خازنات الحكايا تختزن القلاع في أفقها كنوزاً من القصص، وتحفظ شواهد كثيرة على تلك الملاحم البطولية، لرجال بذلوا كل ما لديهم في سبيل إقامة وتشييد الحضارات، وسجلوا من خلالها أعظم الأمثلة لاحتضان الحراك الأدبي والجمالي والفني عبر المساجلات والمناظرات التي كانت تقام فيها، ومن هنا، تظل تتميز بالديناميكية والتجدد رغم رسوخها وتجذرها وقدرتها على الاحتفاظ بمعايير جمالها الهندسي دون تغيير، رغم مرور مئات السنين.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©