الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حجر الشارقة الذي لا ينكسر

حجر الشارقة الذي لا ينكسر
4 أكتوبر 2017 20:15
حوار : محمد عبد السميع واكبت العمارة الدفاعية الحركة العمرانية وتطورها في الإمارات، وسايرت اكتشاف الزراعة وحركة القوافل التجارية بين أجزائها المختلفة، وقد كانت في بدايتها عبارة عن حصون وأبراج مصنوعة من الخشب، ليتطور بناؤها بعد ذلك لتصبح من الحجارة والطين، وقد كانت تراعي في بنائها آنذاك مجموعة أمور مهمة منها: الارتفاع، ومدى إمكانية التحكم وإدارة المناطق الأخرى من موقع الحصن، وقد تميزت حصون الإمارات بتنوع المواد المستخدمة في بنائها، تبعاً للبيئة التي بُنيت فيها، حيث اعتمدت في بنائها على الحجارة الرملية وعلى المرجان والأحجار البحرية، وذلك في المناطق الساحلية، في حين استخدم حجر الكلس والجص والطين في المناطق البرية، أما في المناطق الجبلية، فقد استخدمت الحجارة لبناء الأبراج والجدران، وعند الواحات كان بناء الحصون يعتمد على مزيج مصنوع من الطين والقش. وفي حوار أجريناه عام 2005، مع الراوي جمعة بن حميد عن الحصون والأسوار في الإمارات العربية عموماً والشارقة خصوصاً، أفادنا بمعلومات مهمة وقيمة، خصوصاً عن سور الشارقة، نستعيدها في هذا الملف. يقول: سمعنا من آبائنا أن مدينة الشارقة لم تكن مسورة في بداية عهدها ولم يذكروا أي شيء عن التاريخ الذي سورت فيه الشارقة لأول مرة، وكل ما نستطيع تحديده من المعلومات التي اطلعونا عليها من الأولين أن السور بنى قبل أكثر من مئتي عام تقريباً. وأضاف: كان يحيط بمناطق الشارقة القديمة سور لحقنا على أساسه ولم نشاهده كاملاً، بل شاهدنا بقايا منه فقط. وقد سمعنا من الآباء أن السور مبني من حجر صلب لا ينكسر يسمى (يايور)، وقد تم إنشاؤه لتوفير الحماية للمدينة. يمتد السور طولاً من المريجة حتى الشرق فريج بن خادم أو فريج هَلْ علي ، وكان للسور ثلاثة دراويز (الدروازة هي الباب الكبير المصنوع من الخشب وهي كلمة فارسية ) يتم إغلاقها جميعاً عندما يحين غروب الشمس ولا يسمح لأحد بالدخول إلا عندما تفتح الأبواب في الصباح الباكر، وكانت هذه الدراويز موزعة على طول السوق أذكر منها دروازة موجودة عند رشيد ودروازة أخرى عند عيال بن سيف . وقد انقسم السور إلى قسمين: سور داخلي وآخر خارجي، والسور الخارجي يوجد عليه مجموعة من المربعات والأبراج بلغ عددها 16 مربعة وبرجا، وكانت هذه الأبراج مخصصة للحراس الذين يراقبون منها كل آتٍ من البر. وهي موزعة على كامل السوق. ويذكر جمعه ما سمعه من حكايات عن السور فيقول: كانت بوابات سور الشارقة تغلق عادة قبل صلاة المغرب مباشرةً، وكل من يقصد المدينة ولم يتمكن من الدخول عليه الانتظار خارج السور حتى صباح اليوم التالي لدخول المدينة. الأبراج الخارجية وبالوقوف على هذه التحصينات الدفاعية في إمارة الشارقة، نجد أنها تضم مجموعة كبيرة من الأبراج، منها ما هو مشيد خارج المدينة ويحيط بها من الخارج أي خارج السور، ومنها ما هو مشيد على سور الشارقة المحيط بالمدينة. أما الأبراج الخارجية فهي: * برج مرقاب: سمي مرقاب، لأنه يسمح بمراقبة القادمين من خارج البلد، القادمين إلى الحيرة والشارقة. وأيضاً جاءت تسميته بالمرقاب، لأن كل بئر من الآبار العذبة الموجودة بالقرب منه كانت محاطة بمجموعة من الصخور على شكل الرقبة لحمايته من الردم والتهدم، وقد اشتهرت منطقة هذا البرج بمزارعها الغناء التي كانت تمد المدينة بأنواع مختلفة من الخضراوات، إضافة إلى البطيخ والشمام. * برج شرقان: يقع هذا البرج في منطقة شرقان وقد سميت هذه المنطقة بهذا الاسم نسبة إلى شخص حاول حفر بئر بالمنطقة فتفاجأ بظهور الماء العذب يتدفق باندفاع شديد، الأمر الذي جعله يشهق من هول المفاجأة ونتيجة لهذه الشهقة انتابت الرجل شرقة فسميت المنطقة شرقان. وبعد ظهور الماء بالمنطقة بنى بها برج سمي برج شرقان، وأسندت مهمة إدارته إلى هذا الشخص الذي قام بحفر أول بئر بالمنطقة. * برج بو الخبيز: يقع هذا البرج في منطقة تكثر فيها أشجار الخبيز لهذا سمي برج بو الخبز. وأشجار الخبيز أوراقها ذات شكل دائري تؤكل، يسمي الأولون هذه الأوراق «متيج». وقد كان البدو يأتون مع إبلهم إلى هذه المنطقة فإذا صادف مجيئهم فترة المساء، فإنهم يبقون فيها حتى الصباح، انتظاراً لفتح الأبواب . وبالطبع كانت تكثر فضلات الإبل بالمنطقة ومع تواجد بذور الخبيز المتناثرة من ثمر أشـجارها وهطول الأمطار ينبت نبات الخبيز بكثرة، الأمر الذي يجعل كثيراً من الناس يرتادونها للحصول على الخبيز. * برج مهدوم: برج تم بناؤه على تلة رملية مرتفعة من أجل الرقابة الليلية للطريق المؤدي للمدينة، وترجع تسميته بهذا الاسم إلى تعرضه المستمر للهدم، إذ كلما مضى عليه فترة زمنية تتأثر التلة التي بنى عليها البرج بالعواصف والرياح التي تتسبب في خلخلة الرمال من تحته فتتهدم أجزاء منه، فتقوم الحكومة بمعاونة من الأهالي بإعادة التلة الرملية لوضعها الطبيعي وبناء الجزء المتهدم من البرج مرة أخرى، لهذا سمي برج مهدوم . * برج بودانق: كان هذا البرج يطل على ند بوشغاره وظل موجوداً حتى عام 1353 هـ ، وأهم ما يميز هذا البرج هو ارتفاعه الكبير وتصميمه المعماري الجميل، وقد اهتمت الحكومة بهذا البرج اهتماماً كبيراً بسبب موقعه المميز القريب من الحصون والقصور الحكومية ودوره في توفير الحماية لهذه المباني المهمة، ونظراً لجمال هذا البرج قيل فيه هذا المثل: الزينة دانق والحفلة دانقين. * برج الفلج: أغلب سكان منطقة الفلج من المزارعين، حيث توجد في هذه المنطقة مجموعة كبيرة من الآبار تمد المزارع بالمياه العذبة اللازمة لزراعة الفواكه. مثل الشمام والبطيخ وزراعة بعض الخضراوات، وقد تم تشييد برج دفاعي في هذه المنطقة وسمي بري الفلى نسبة إلى المنطقة. ومنطقة الفلج منطقة استراتيجية بالنسبة لمدينة الشارقة وتعتبر خط الدفاع الأول عنها، لهذا اكتسب برج الفلج أهمية كبرى تمثلت في مسؤوليته عن إبلاغ بقية الأبراج بأي اعتداء وذلك بإطلاق الأعيرة النارية التي تنبه بقية الأبراج بوجود عدو قادم . الأبراج الداخلية هي الأبراج التي كانت موزعة على سور الشارقة القديم، وتبدأ من البرج المتصل ببيت خليفة بن سلومة وهو موجود عند آخر السور من جهة البحر، ثم يستمر السور إلى أن يصل عند الزاوية الأولى ويوجد بها برج يسمى برج الغاوي نسبة إلى الرجل الذي كان يقيم فيه، وهو سيف بن عيد الغاوي ، ثم يتجه السور نحو الجنوب، ويأتي بعد ذلك برج آخر أطلق عليه اسم برج إبراهيم بن راشد بن إبراهيم المعلا، ثم يتجه السور إلى الغرب ويأتي معه برج سمي برج حواق، ويقع هذا البرج في فريج آل علي بالقرب من أسرة بن خادم، ومع امتداد السور إلى جهة الغرب يأتينا برج خصيف بن مذكور بن آل علي، ثم يأتي برج يطلق عليه برج بن درويش، يعقبه برج يسمى مزيق آل بومهير، ثم يأتي بعده برج كان يسمى برج الترايمه، حيث أتت فترة يجتمع في منطقة هذا البرج بعض الناس من ذوي السمعة السيئة وقد قاموا بارتكاب بعض الأفعال المشينة فأجلتهم الحكومة عنه فتغير اسم البرج إلى برج ميلي، ثم يأتي بعد هذا البرج خمسة بروج أخرى تسمى بروج فريج الشيوخ أذكر منها: برج سيف بن أحمد العبدولي وبرج البري المطل على العبرة وعلى الطريق المتجه من الشارقة إلى الليه ومن الليه إلى الشارقة. ويتابع بن حميد: ويعد حصن الشارقة صفحة تاريخية ارتبطت بجوهر التاريخ الإماراتي، فبدا أقوى من عوامل التغيير البشرية والجغرافية بل إن مرور الزمن يزيده حضورا ورسوخاً، وهو الآن مقصد لآلاف الزوار الذين يفدون إليه من كل مكان ليتعرفوا على ماضي الذين أسسوا وبنوا وأبدعوا ووضعوا لبنات الأساس في صرح هذه المدينة الخالدة. يعتبر حصن الشارقة بطابع بنائه المتميز شاهداً على تاريخ إمارة الشارقة حيث كان هذا الحصن هو قلعة المدينة وسكن القواسم حكام الإمارة، تتجلى فيه فن العمارة الخليجية العربية، يفد إليه أهل الشارقة في أفراحهم وهمومهم، وهو ملتقى أهل الفكر وأعيان البلاد. شيد الحصن من المواد المحلية من الطين المدر والمرجان والجير المحروق والحجر الذي تم استخراجه من البحر. ومن الحصون والأبراج الأخرى التي تم إنشاؤها بالشارقة قلعة الحمرية المربعة، وحصن فيلي شمال وادي المدام وحصن باحس وقلعة الذيد وقلعة دبا وحصون كلباء، ومن الأبراج الباقية برج مانع وبرج شارع الحكومة وبرج الخان وبرج طلاع، ومن الأبراج المندثرة برج أميلي، وبرج بودانة وبرج الخور وبرج المرقاب. أجنحة الحصن القديم بنى الشيخ سلطان بن صقر القاسمي (1816 - 1866 م) حصن الشارقة القديم الذي كان مقر الحكم، ويتكون الحصن من مجموعة أجنحة وغرف يحيطها سور أركانه عبارة عن أبراج مستديرة بها فتحات للحراسة والرصد، والقاعات الداخلية تحيط بها حوائط سميكة بها كوات، شيد الحصن قبالة الشاطئ، وكانت أمامه ساحة واسعة ملتقى للمواطنين والزائرين، تتسع لعدد كبير من الناس، كما أن جدران الحصن سميكة صلبة مرتفعة والأبواب خشبية قوية: (باب الحصن، باب الصباح، وباب الخزنة)، ويتكون الحصن من طابقين، وبداخله مجلس خاص، وخارجه مجلس لاستقبال عامة الناس، والاستماع إلى قضاياهم وشكواهم. الحصن من الداخل مقسم إلى أماكن، منها غرفة التوقيف التي تقع على يمين المدخل، وإلى يسار المدخل يوجد موزع صغير في جانب منه سجن المحلوسة، يأتي بعد الموزع هذا طريق يؤدي إلى ساحة الحصن الداخلية، يوجد في هذا الطريق مكتبة القاسمية، وساحة الحصن الداخلية فسيحة مفتوحة ليس لها سقف مستطيلة الشكل يحيط بها مجموعة من القاعات والغرف، وعلى درج خشبي كبير ومن ساحة البرج أو من خلال درج دائري صغير يقع بجانب المحلوسة يمكن الصعود إلى الطابق الأول، وفيه غرفة الاستراحة وغرفة الشيخ، وغرفة أخرى صغيرة بجانبها، إلى جانب غرفة أخرى، وعدد من المخازن، إضافة إلى الشرفة والنوافذ.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©