الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الملح عشقٌ قاتل

الملح عشقٌ قاتل
7 مايو 2006
هل البرمجة البيولوجية في رحم الأم مسؤولة عنه؟
ولع يحذر الأطباء من الإغراق فيه، وينصحون عادة بالابتعاد عنه لأنه يسهم، إلى حد كبير،
في رفع ضغط الدم، ويعد من الأسباب الرئيسية لأمراض القلب·
إنه الملح الذي لا يزال معظمنا يجهل الكثير عن أسراره والعوامل المؤثرة فيه، والمبالغة في استخدامه·
ويبدو أننا أمام أسطورة تحتاج إلى محاولة جديدة للفهم
ربما تقودنا إلى استنباط طرق أفضل للتعامل مع 'الحالة' ومقاومة ذلك الولع القاتل·
إعداد - جمال إدريس:
لا تلم نفسك -وحدها- إذا كنت من المولعين بالملح، فالذنب ليس ذنبك وقد تكمن الأسباب في نوع بعينه من 'البرمجة البيولوجية' التي تحدث في رحم الأم أثناء الحمل، وتؤثر على الانسان وهو جنين وتؤدي به، في مراحل لاحقة من العمر، إلى تفضيل الأغذية المملحة والتوق إلى كل ما هو ملحي المذاق·
هذا ما أسفرت عنه أحدث الدراسات التي وجدت في فرضية 'البرمجة البيولوجية'، فكرة جديرة بالمتابعة عبر المزيد من التجارب والاختبارات التي استغرقت أكثر من 20 عاما، وقام بها فريق بحث قادته 'ليزلي ستاين' في مؤسسة 'مونيل' بفلادلفيا، والمعنية بالنظم البيولوجية والكيميائية والعلاقة بين الاثنين وحاستي الشم والتذوق·
أطفال شارع سيسم
بدأت الاختبارات بإعداد ثلاثة أنواع من الشراب: الأول مياه صافية، والثاني ماء مذاب فيه الملح باعتدال، وتم مضاعفة درجة الملوحة في النوع الثالث من الشراب· وزع الشراب، الصافي، والمملح، والأكثر ملوحة، على زجاجات رضاعة قدمت في دورات وتوقيتات، وبكميات مدروسة، إلى 80 رضيعاً لم يكن عمر الواحد منهم يزيد عن شهرين، ولا يقل وزنه عن 2500 جرام (5 أرطال ونصف الرطل الإنجليزي)، وهو الوزن الأمثل عند الولادة· فيما بعد سجل الباحثون مقدار ما تناوله كل رضيع من كل محلول، ثم عادوا بعد 4 أشهر لاحقة إلى تكرار الاختبار، مع استبدال الشراب بطعام 'صلب'، وبالطريقة نفسها·
في اختبار 'الشهرين' لاحظ الباحثون أن نسبة تفضيل المحلول الملحي ارتفعت لدى الرضع الذين ولدوا بأحجام صغيرة· وفي الاختبار الثاني كادت نسب استهلاك الرضع من المحاليل الثلاثة تتساوى· وعندما بدأ تقديم الطعام الصلب كان الأطفال قد أصبحوا أكثر استعداداً لتقبل مذاقات جديدة·
ترك الباحثون الأطفال فترة زمنية (3 سنوات تقريباً)، ثم انتقلوا إلى مرحلة جديدة من الاختبارات شملت نصف عينة البحث (40 طفلاً)· وفي هذه المرحلة قام الباحثون بتوظيف شخصيات من مسلسل (شارع سيسم) ذائع الصيت عند الصغار والكبار: عروسة الشارع، الطائر الكبير، واوسكاي المتبرم دائماً· وقد طلب من الأطفال اختيار سبعة أصناف من الأطعمة، أربعة كانت من المملحات (شرائح بطاطا، بسكويت، قطع صغيرة من اللحم المقدد، والمخللات المتبلة)، وثلاثة أصناف غير مملحة (كعك بسكر، حلوى الشيكولاته، وشرائح الموز الجاف)· وطلب من كل طفل أن يقدم ما اختاره من أصناف إلى 'العروسة' التي قد تأكله أو تلقي به إلى الطائر الكبير كي يلتهمه أو تقذف به إلى اوسكار فيضعه في صندوق قمامته المغرم به· وافترض الباحثون أن القرار فيما يتعلق بطعام يجب أن يؤكل، يعكس بالضرورة مفاضلة الطفل لهذا الطعام· وخلال الاختبار عاد 'الوزن عند الولادة' إلى الظهور كعامل حاسم وراء المفاضلة·
فتش عن الأم
أطفال الأم التي كان الإعياء يصيبها صباحات أسابيع الحمل الأولى، عادة ما يولدون أقل حجماً من الأطفال الذين ولدوا لأمهات لم يكن الإعياء يصيبهن· دراستان، من بين دراسات كثيرة أكدتا أن طفل الأم التي عانت من حالات إعياء معتبرة ينمو ولديه ولع بالأطعمة المملحة·
في أحدث هاتين الدراستين (نشرتهما مجلة أبحاث جامعة واشنطن)، قام الباحثان 'لين بيرنستاين' و 'سو كريستال' بانتقاء أطفال رضع (16 شهراً) سجل أمهات 14 منهم حالات إعياء متقطعة خلال الفصل الأول من الحمل، وسجل أمهات 15 رضيعاً القليل، أو لا شيء، من إعياءات الصباح·
وخلال اختبارات استغرقت عدة مراحل وصممت بعناية واستخدمت فيها جرعات الماء المقطر والماء شديد وخفيف الملوحة، جرى تصوير ملامح وجه كل طفل، بالفيديو، لتسجيل ردود أفعاله عند، وبعد، تناول كل محلول، وتم قياس حجم ما تناول كل طفل من محلول في كل اختبار· وفي النهاية اكتشف الباحثان أن الأطفال الذين عانت أمهاتهم من إعياءات صباحية، معتدلة أو حادة، كانوا أكثر إقبالا على المحاليل المملحة، وان أطفال أمهات الصباحات الخالية من الإعياءات عبرت ملامح وجوههم عن ردود فعل رافضة للمحاليل الملحية·
التفسير العلمي هنا، أن الجسم عندما يفقد أملاحا، وهو ما يحدث عندما تتقيأ الحامل في نوبات الإعياء، يعطي بعض الهرمونات إشارات استغاثة لتعويض ما حدث من نقص في الأملاح، ويزداد في الدم، وبشكل أساسي، تركيز هرمون 'الدوستيرون'، الذي تفرزه الغدد الكظرية والمجاورة للكلية، وهرمون 'انجيوتينسن' المضاد لفرط الضغط والتوتر·
وترى 'ليزلى ستاين' وفريق بحثها، أن شدة تركز الهرمونين المشار اليهما داخل أجسام الأمهات الحوامل إذا ما أصبن بحالات غثيان قوية خلال بدايات الحمل، ربما 'تبرمج'، بكيفية ما، نظاما ما، داخل الجنين الذي يصبح طفلاً يولع، فيما بعد، بالملح والمملحات·
اعتراف واعتراض
يواجه عامل 'الوزن عند الولادة' وعلاقة صغر الحجم بالإقبال على الملح، تحدياً من باحثين في جامعتي 'هارفارد' و 'براون' الأميركتين· وقبل 4 سنوات أعلن 'ستيفن زينر' الباحث في 'هارفارد' أن احتمال إظهار الرضيع نزوعاً إلى الملح يزداد كلما زاد وزنه، وأوضح أن تصميم اختباراته يختلف عن تصميم اختبارات فرق البحث في مركزي 'مونيل' وواشنطن· يعترف ستيفن أن بين الأطفال الذين اختبرهم من لم يظهر حباً لمذاق المحلول الملحي· كما أن بعض أطفال العينة كان رفضه اقل و 'هذا ما نسميه استجابة تفضيلية لمذاق الملح'·
وفي اختبارين أجراهما ستيفن قبل شهر، على 283 رضيعاً، بأوزان مختلفة عند الولادة، تم في الاختبار الأول تقديم الماء الصافي والمحلول الملحي، وتم في الاختبار الثاني تقديم المحلول المحلى بالسكر· ولاحظ الباحث أن استجابة الأطفال للمحلول السكري سجلت ارتفاعاً ملحوظاً، في الوقت الذي أثار فيه المحلول الملحي استجابة تقل كثيراً عن تلك التي سجلت عند، وبعد، تناول الماء الصافي والماء المحلى· ولم يكن لعامل الوزن عند الولادة، أو لعامل ضغط الدم، صلة أمكن ملاحظتها· كما أن استجابة أطفال يعانون من ارتفاع في ضغط الدم كانت اقل انفعالاً إزاء مذاق المحلول الملحي·
ما يريد 'ستيفن' معرفته الآن هو ما إذا كانت مقبولية الملح عند بعض الرضع هي التي تدفعهم إلى التهام وجبات مملحة، تسبب ارتفاع ضغط الدم مدى الحياة، أم أن معاناة هؤلاء الأطفال من الارتفاع المستمر لضغط الدم سوف تستمر دون اعتبار لحجم استهلاكهم من الملح؟
ربما يتمكن ستيفن، قريباً، من اختبار فرضياته والوصول إلى نتائج· فعندما انتقل، قبل سنوات، من جامعة براون إلى هارفارد، حمل معه ملفات اختباراته لرضع وأطفال أصبحوا شباباً تتراوح أعمارهم الآن ما بين 20 و24 عاماً· ويعتزم 'ستيفن' اقتفاء أثر، ومتابعة، ما لا يقل عن 50 أو 60 في المائة من هذه الحالات لمواصلة أعماله ومعرفة أسباب حالات العشق وتلك الرغبة الجامحة التي تنتاب البعض، إزاء الملح، ولا تقل جموحاً عن رغبة الباحثين كشف أسراره·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©