«بيدفورد» يتزوج «فيراري»

من هوايات أمي المفضّلة القيام بدور الخاطبة، فما أن ترى جمعاً من الفتيات في مناسبة من المناسبات، حتى تهمس إلى جاراتها وتتساءل عنهن، ثم في اليوم التالي تجري اتصالاتها مع الأمهات اللاتي يبحثن عن زوجات لأولادهن. ويبدو أن هذه الهواية انتقلت إليّ، وقد حاولت كثيراً ونجحت في مرتين تقريباً، ورحت أضطهد كل صديق غير متزوج ممارساً عليه الإرهاب النفسي والتمييز البشري، وكلما تحدث في موضوع قلت: الرجل يبقى ولداً إلى أن ينجب ولداً.. لو كنت إنساناً ناجحاً لنجحت في اختيار شريكة لحياتك.. من فشل في اتخاذ أهم قرار في حياته فمن باب أولى أن تكون بقية قراراته مثل وجهه.. وبعد زواجه أقعد أعدّد أمامه مساوئ الزواج وأنا أضحك. بالطبع لا أستطيع ممارسة هذا الدور مع الفتيات نظراً لحساسية الموضوع، لكنني أشعر بالمسؤولية الشخصية عن كل حالة غير متزوجة، وأحسّ أن هناك خللاً ما في وجه الحياة، مثلما يكون شعور المرء أمام لعبة تركيب أجزاء الصورة، تبقى الصورة غير مكتملة إلا بعد وضع كل جزء في مكانه. وفي أحد المرات تعرّفت إلى زميل بدين في العمل واكتشفت أنه غير متزوج، كما اكتشفت من قبل وجود عشرات الفتيات غير المتزوجات في المكان نفسه، فقررت أن أتخلّص من هذا الزميل من قائمتي بتزويجه بإحدى زميلات العمل، فأضرب عصفورين بحجر واحد. وفعلاً بدأت ألعب في عقله، وأعزف على أوتار قلبه كلما جاءني زائراً في مكتبي. ولأن هناك شخصاً آخر يشاركني المكتب نفسه، وهو من النوع الفضولي الذي يتدخل في كل شيء، ويفسد كل شيء بفمه الذي هو محطة إذاعة كاملة، فأخذنا نكّني فتاة أحلامه بالسيارة، وشريكي في المكتب يمثّل علينا دور المنهمك في العمل على جهاز الكمبيوتر، بينما حواسه الخمس متوجهة إلينا، فسألته: ـ ما هو طرازك؟ ـ أنا موديل 1985. ـ وما هو الطراز الذي يناسبك؟ ـ أرغب في سيارة يكون طرازها ما بين 85-1988. ـ هل تريدها جديدة من الوكالة أم مستعملة أم سيارة توفي صاحبها؟ ـ بالطبع أريدها جديدة من الوكالة. ـ وأيّ لوحات الأرقام تفضّل؟ ـ أُفضّل أن تحمل لوحة دبي، أو الشارقة، فليس عندي وقت لأذهب إلى أبعد من ذلك. ـ وما هو المبلغ الذي حددته لقيمة السيارة؟ ـ ما بين 150-200 ألف درهم. ـ بالطبع ترغب في تصليح الوكالة؟ ـ بالطبع. ـ وهل تريدها سيارة خليجية أم واردة من أميركا أو اليابان؟ ـ خليجية لو سمحت مع فتحة في السقف. ـ ما هو اللون الذي تفضّله؟ ـ وما هي الألوان المتوافرة؟ ـ هناك اللون الأبيض المائل إلى الحمرة، والأبيض العادي، والشاحب، وهناك اللون الأسمر. ـ أريد الأبيض العادي. ـ ماذا عن المصابيح الأمامية؟ ـ أريدها واسعة من نوع زينون. ـ تقصد زيتون، يعني من بلاد الشام؟ ـ كلا زينون وهو نوع من أنواع المصابيح المميزة. ـ حسناً، لم أكن أعرف هذه المعلومة، وما هو شكل الهيكل الذي يناسبك؟ ـ أريدها انسيابية مع مرايا خارجية بارزة. ـ وعدد الأسطوانات؟ ـ 4 فقط. وعدد الأحصنة؟ ـ حصان واحد. ـ هل هناك مواصفات خاصة ترغب بها في السيارة؟ ـ نعم، وسادة هوائية. وعند هذه النقطة لم يتمالك شريكي في المكتب نفسه وفلت عيار الفضول من فمه وقال: ـ هذه مواصفات عجيبة وغريبة، لكن أعتقد أنك تبحث عن «فيراري». ضحكنا وقال صديقي إنه لا يفكر في سيارة «فيراري»، فقال شريكي: ـ بالعكس هي سيارة ممتازة خصوصاً أنك تشبه شاحنة «بيدفور» التي تعمل «تنكر» للماء، وإذا تزوجتها يمكن أن تنجبا سيارة «كورفيت». أحمد أميري me@ahmedamiri.ae