الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

خفض وزن المركبات للحد من الانبعاثات الكربونية

17 يونيو 2011 20:44
الدكتور مروان خريشه* يعد تحويل قطاع النقل إلى قطاع أكثر استدامة وأقل إضرارٍ بالبيئة، أحد التحديات الكبرى أمام الحكومات والمؤسسات في جميع أنحاء العالم. وتقدر نسبة مساهمة قطاع النقل والمواصلات في إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة في دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بنحو 28 و30% على التوالي، في حين تقدر هذه النسبة هنا في دولة الإمارات بنحو 35% من إجمالي الانبعاثات الكربونية. ويعود بروز فكرة إنشاء مركبات نقل حديثة إلى فترة بعيدة، قبل بداية ظهور مخاوف الإنسان بشأن أمن الطاقة أو تغير المناخ العالمي، غير أن السيارات لا تزال عبارة عن هياكل معدنية ذات مواصفات مختلفة تدفعها المحركات ذات الاحتراق الداخلي، وهو أمر من المرجح أن لا يتغير في المستقبل القريب. لذا فالسؤال المطروح على العلماء اليوم هو “في ظل وجود هذه المعطيات، كيف لنا أن نخفف من نسبة الغازات الكربونية المنبعثة من وسائل النقل السائدة؟”. ويمكن الإشارة إلى وجود إجابتين للسؤال، الأول هو استخدام أحد مصادر الوقود النظيف في تشغيل السيارات، بحيث لا يتسبب في انبعاث كميات كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون، مثل الكهرباء أو الوقود الحيوي. فيما يتمثل الحل الثاني الأقل وضوحاً في خفض استهلاك السيارات من الوقود عبر الابتكار في مجال المكونات الأساسية للسيارة، فالمركبات الأخف وزناً تحتاج لكميات أقل من الوقود، وكلما نقصت كمية الوقود المستهلكة كلما زادت الموارد التي يتم توفيرها، وقلّت كمية الغازات الكربونية المنبعثة في الجو. فعلى سبيل المثال، تبيّن أن تقليص وزن المركبة بنسبة 10% يؤدي إلى خفض كمية استهلاك الوقود بنسبة تتراوح بين 6 و8%. وإذا نظرنا إلى دورة حياة المركبة، نجد أن نحو 75% من الطاقة التي تستهلكها على مدى سنوات حياتها، يتم استهلاكها خلال مرحلة القيادة، ومن ثم فإن خفض وزن المركبات سوف يؤدي إلى توفير كميات كبيرة من الوقود. ويتطلب تحقيق ذلك تطوير المواد الأساسية المستخدمة في صناعة الطائرات والقطارات والمركبات والقوارب. ولخفض وزن المركبة إلى أقصى حد ممكن، ينبغي علينا التركيز على أثقل مكوناتها على الإطلاق، وهو الهيكل الخارجي للمركبة، غير أن الهيكل يعد أيضاً أحد الأجزاء الضرورية للغاية في المركبة التي لا يمكن المساس بها. ذلك يعني أنه لتخفيف وزن الهيكل، يجب أن يتم استبدال المادة المستخدمة في صنعه بمادة أخرى أخف وزناً، ولكنها تتميز بالقدر نفسه من القوة والأمان، ولتحقيق ذلك، يمكن استخدام السبائك المعدنية خفيفة الوزن بدلاً من المكونات الفولاذية للمركبة على غرار سبائك الألومنيوم وسبائك المغنسيوم وسبائك التيتانيوم. كما أن صعوبة عمليات تصنيعها وتعذّر صنعها في درجات الحرارة العادية على عكس الفولاذ، قد جعلا من عملية إنتاج السبائك المعدنية خفيفة الوزن أكثر تكلفة في الماضي، ولاستغلال السبائك المعدنية خفيفة الوزن بشكل أفضل في صناعة المركبات، يجب على العلماء التوصل إلى ابتكار طرق أفضل لتشكيل وتصنيع هذه السبائك مع الحفاظ على جدواها من حيث التكلفة. ولعل ذلك ما دفع الباحثين في معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا للعمل على النهوض بقدرات القطاع الصناعي في استخدام السبائك المعدنية خفيفة الوزن. ويعكف الباحثون حالياً على دراسة تقنيات “اللحام بواسطة إثارة الاحتكاك” (FSW) وتقنيات “تشكيل المعادن الفائقة” (SPF)، وهي تقنيات من شأنها أن تمنح قطاع الطيران حديث العهد في أبوظبي أسبقية تنافسية كبيرة، بل والحد أيضاً بشكل كبير من مساهمة وسائل النقل في تغير المناخ العالمي. وتتيح تقنية إثارة الاحتكاك إمكانية دمج وتصنيع المواد التي يصعب دمجها وتصنيعها بواسطة عمليات اللحام التقليدية. وفي إطار التحضير لأطروحة الماجستير، عمِل أحد خريجي معهد مصدر في الآونة الأخيرة على وضع برنامج رقمي بإمكانه محاكاة عملية “اللحام بواسطة إثارة الاحتكاك” والتنبؤ بخصائص المواد المعدنية بعد خضوعها للعملية. ونظراً لأن امتلاك أداة تنبؤ يشكل أهمية كبرى، يعكف الباحثون في معهد مصدر على وضع أدوات تنبؤ دقيقة من أجل محاكاة ورفع كفاءة عملية “تشكيل المعادن الفائقة”، ومن ثم التوصل إلى تصورات مبتكرة من شأنها تطوير تقنيات الاستغلال الصناعي لهذه العملية. وتتيح الأبحاث التي يجري القيام بها في معهد مصدر حول تقنيات إثارة الاحتكاك وتشكيل المعادن الفائقة، إمكانية إرساء دعائم البحث والتطوير وبناء الخبرات في مجالات التصنيع المستدام وتصنيع المواد المتقدمة. كما أنه بالإمكان توسيع نطاق نتائج البحوث لتشمل بعض التطبيقات المهمة الأخرى مثل المبدّلات الحرارية المتقدمة وخلايا الوقود وعمليات الزرع الطبية الحيوية. ويأمل معهد مصدر من خلال مثل هذه البحوث وغيرها من المجالات البحثية الإسهام بشكل مهم في تحقيق أهداف إمارة أبوظبي الرامية لتطوير قطاعات الطيران والنظم الفضائية والمواد المتقدمة، تماشياً مع رؤيتها الاقتصادية 2030، والإسهام في الوقت ذاته في جعل قطاع النقل أكثر استدامة في مختلف أنحاء العالم. *عميد الهندسة المؤسس لمعهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا وأستاذ الهندسة الميكانيكية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©