الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تركيا واستفتاء الأكراد

4 أكتوبر 2017 23:11
شعر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالغضب في الأيام القليلة الماضية من أكراد العراق لأنهم أجروا استفتاء على الانفصال. وقال أردوغان مخاطباً جيرانه في الجنوب: «بمجرد أن نفرض عقوباتنا ستجدون أنفسكم في العراء». ومضى يقول: «إذا أغلقنا صمام النفط الخام سينتهي الأمر. وما لم تنقل الشاحنات المواد إلى شمال العراق، فلن يجدوا الطعام أو الكساء. فكيف سترسل إليهم إسرائيل أي شيء؟». وهذا يبدو مشابهاً للخطاب الذي اعتاده جيلي من الأتراك ومفاده أن الأكراد خونة! وإسرائيل تحاول خلق فوضى في تركيا والشرق الأوسط! والجميع يحاولون اقتطاع أجزاء من تركيا من خلال دعم الأكراد سراً -على رغم أن القوى الكبرى ومنها الولايات المتحدة حاولت جاهدة إثناء زعماء أكراد العراق عن إجراء الاستفتاء. ونحن غاضبون! ومن الثابت تاريخياً أن الأكراد حُرموا من قيام دولة لهم بموجب اتفاقية سايكس- بيكو التي رسمت حدود المنطقة قبل قرن من الزمن، وهم يقاتلون منذ ذاك الحين على مستويات مختلفة للحصول على اعتراف بهم في إيران وسوريا والعراق وتركيا. وقد أقام الأكراد في إيران دولة مستقلة لفترة قصيرة للغاية في القرن الماضي. وفي العراق، وبعد عقود من حرب العصابات ضد بغداد، يدير الأكراد شؤونهم منذ حرب الخليج عام 1991. وفي سوريا شارك الأكراد مع الدول الغربية في قتال «داعش» في مقابل إدارة الإقليم الخاص بهم. وفي تركيا، حدث عدد من التمردات الكردية من بينها التمرد المسلح لحزب العمال الكردستاني الدائر منذ 33 عاماً. وغضب أنقرة مما يجري في العراق نابع من توجسها من أن يشجع مثل هذا الاستفتاء أكراد تركيا الذين يمثلون خمس سكان البلاد تقريباً على السعي إلى تطلعات مماثلة. ولكن رد فعل تركيا التلقائي قد يكون منزوعاً من السياق التاريخي الملائم، وربما يفتقر إلى استراتيجية ذكية. وموقف تركيا قائم على فكرة ترى أن المصالح التركية تخسر مقابل مكاسب الأكراد. ويتعين على الزعماء الأتراك تغيير هذه الاستراتيجية. والبداية تكون بتصور تركيا من جديد باعتبارها وطناً لأعراق متعددة، وهي كذلك بالفعل. وبدلاً من التصدي للواقع الكردي في الجوار، على تركيا اعتبار الصعود الإقليمي للأكراد فرصة لتوسع وتعزيز قوتها الاقتصادية ونفوذها الإقليمي. ويروق لبعض المسؤولين الأتراك وصف استفتاء أكراد العراق بأنه «مشروع إسرائيلي»، هذا على رغم أن الطموحات الكردية تسبق تاريخياً قيام إسرائيل بنحو نصف قرن. صحيح أن أكراد العراق والإسرائيليين متقاربون، وأن الإسرائيليين أيدوا الاستفتاء الكردي، ولكن علاقات الأكراد بإسرائيل ليست أقوى من علاقاتهم بأطراف إقليمية أخرى مثل تركيا أو إيران. وقد عانى أكراد العراق من حملة تطهير عرقي في ظل حكم صدام حسين، ثم تمتعوا بحكم ذاتي منذ حرب الخليج. وبعد سقوط نظام صدام كان من الواضح للغاية أن الأكراد سيجنحون إلى الانفصال في مرحلة ما. والإجراءات التي من المحتمل أن تتخذها أنقرة ضد أكراد العراق بعد الاستفتاء تتضمن إغلاق الحدود، وقد تصحبه تهديدات عسكرية ضد أكراد سوريا. وقد تتضمن الإجراءات أيضاً سياسات متشددة نحو ممثلي الأكراد في تركيا التي اعتُقل فيها أكثر من عشرة ساسة أكراد خلال العام الماضي. وقبل بضع سنين فحسب حين اتبعت تركيا سياسات صديقة للأكراد، وامتدت قوتها الناعمة إلى المناطق الكردية في العراق وسوريا. وفي عام 2013 دعا أردوغان الزعيم الكردي العراقي مسعود البرزاني إلى مدينة ديار بكر التركية، حيث توجد أغلبية كردية، في اجتماع تاريخي. وقال أردوغان حينها: «إننا نبني تركيا جديدة» تستوعب كل العرقيات والعقائد. كما أدت أيضاً عملية سلام مع حزب العمال الكردستاني إلى تعزيز فكرة أن تركيا وطن مشترك للأتراك والأكراد، وبدأت بعض الشعوب في المنطقة تعتبر تركيا نموذجاً يحتذى. وكان من أبرز نتائج التجاذب في تركيا في العامين الماضيين تفكيك عملية السلام مع الأكراد، ومعها بالتالي فكرة وطن للأتراك والأكراد. وموقف أنقرة ضد استفتاء أكراد العراق يرمي فكرة الوطن التركي- الكردي بحجر آخر. والطريقة الواقعية الوحيدة لتركيا لعزل نفسها عن الاضطرابات الإقليمية هي العودة إلى عملية السلام في الداخل، ومد يد السلام إلى الأكراد الآخرين في الدول الأخرى. والأكراد حاجز يفصلنا عن الفوضى في الشرق الأوسط. ويتعين أن يذكر أحدنا الزعماء الأتراك أنهم إذا عادوا إلى فكرة تركيا الديمقراطية متعددة الأعراق فلن يقلقوا على حدودهم. فتركيا الديمقراطية يمكن أن تنفتح على أكراد العراق وسوريا. والبديل هو صراع بلا نهاية مع الأكراد في كل مكان وحين وهو ما يهز كيان تركيا وقد يورطها أكثر في الفوضى الإقليمية. * باحثة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية وكاتبة في جريدة «جمهوريت» التركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©