الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

مستقبل المهارات في ظل الثورة الصناعية الرابعة

مستقبل المهارات في ظل الثورة الصناعية الرابعة
4 أكتوبر 2017 23:38
التعليم النوعي والتنمية أمران متلازمان على نحو جدلي، فالتعليم النوعي يؤسس للتنمية، والتنمية بدورها تخلق الظروف التي يتطور في سياقها التعليم ليغدو أكثر انسجاماً مع عصره وزمانه، غير أن الإشكالية تبرز في تعريفنا للتعليم النوعي، ما هي النوعية التي نقصدها بالضبط؟ الأمم المتحدة، وفي أهدافها للتنمية المستدامة 2030، وضعت مقصداً واضحاً للتعليم النوعي يتعين على الأمم والشعوب العمل على بلوغه من أجل الارتقاء في سلّم التنمية. فضمن الهدف المتعلق بالتعليم دعت الأمم المتحدة إلى إحداث زيادة معتبرة في أعداد الشبان والبالغين الذين يمتلكون المهارات الصالحة لزمانهم، بما في ذلك المهارات التقنية والمهنية، مما يؤهلهم إما للحصول على العمل الكريم أو للانطلاق في رحلة الاستثمار الناجح عن طريق ريادة الأعمال. من هنا تتضح الرؤية الحقيقية وراء استضافة أبوظبي للمسابقة العالمية للمهارات 2017، برعاية كريمة من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي. هذه المسابقة ليست مجرد فعالية احتفالية، أو حدث عادي يمكن المرور عليه مرور الكرام، ومن الإنصاف القول إنها تأتي في مرحلة دقيقة تتسم بتحولات كبرى تشهدها دولة الإمارات العربية المتحدة استعداداً لوداع آخر برميل من النفط، ولتدشين مرحلة جديدة من الاستدامة الاقتصادية. لكن من يستعرض طبيعة المهن التي سيتم التنافس فيها ربما تتشكل لديه مجموعة من الأسئلة حول مدى التوافق بين هذا النوع من المهن، والتوجهات الوطنية العليا نحو العمل على صناعة المستقبل عبر بناء المدن الذكية، والاستفادة من البيانات الضخمة وإنترنت الأشياء، وترسيخ مفاهيم الثورة الصناعية الرابعة. وكما هو معلوم، فإن مفهوم الثورة الصناعية الرابعة يرتبط بالأتمتة وتقليل الأيدي العاملة، والتوظيف الأمثل للذكاء الصناعي، بحيث يقتصر دور العامل البشري على التدقيق والمراقبة. فهل يتفق هذا التوجه مع الحديث عن ضرورة إتقان المهارات التقليدية وتطويرها والتنافس فيها؟ الإجابة على هذا السؤال يمكن استنباطها من ثنايا التقرير الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في يناير 2016 بعنوان «مستقبل الوظائف – التوظيف والمهارات واستراتيجية قوة العمل في عصر الثورة الصناعية الرابعة». ويشار إلى أن التقرير كان خلاصة استبيان تم توزيعه على ما يزيد على 13 مليون شخص من العاملين في استقطاب وتوظيف الموارد البشرية في مختلف المجالات والمهارات. وضمن الباب الأول بعنوان «تحضير قوة العمل للثورة الصناعية الرابعة» يكشف التقرير عن أن الغالبية الكبرى من المستطلعة آراؤهم (44%) ترى أن المحرك الأكبر للتغيير الآن يتمثل في بيئات العمل المتغيرة وترتيبات العمل المرنة. ثمة أمران مهمان لا بد من التطرق إليهما عند الإجابة على هذا التساؤل: الأمر الأول هو أن الثورة الصناعية الرابعة لا تجبّ ما قبلها بجرة قلم كما يقال. وهي لا ترسم خطاً فاصلاً بين مرحلتين لا تلتقيان. فملامح الثورة الصناعية الثالثة، وهي ثورة الحوسبة الرقمية، ستبقى مكوناً أصيلاً من مكونات المرحلة الجديدة. وستظل البشرية لسنوات وعقود تستفيد من تطبيقات الحوسبة، إلا أن هذه الاستفادة لا تقف حجر عثرة أمام الانطلاق نحو مرحلة جديدة. والأمر نفسه ينطبق على كل المراحل التي مرت بها مسيرة التطور الإنساني. إننا نتحدث عن تداخل بين مراحل متعددة من التطور البشري. ضمن هذه الصيرورة التاريخية، ها نحن اليوم نشهد انبثاق عالم جديد يستند إلى كنوز الخبرات الإنسانية المتراكمة عبر مراحل مختلفة. أما الأمر الثاني في هذا السياق، فهو أن الثورة الصناعية الرابعة ستفرض طبائعها وخصائصها حتى على المهارات التي ورثتها البشرية منذ مئات السنين. فالنجارة مثلاً هي إحدى المهن الضاربة في القدم، وتتفق المصادر التاريخية على أن الإنسان في مختلف العصور قد صنع من الخشب أدوات زراعية كالمحاريث والسواقي والعربات وغيرها. وكذلك الأمر بالنسبة للحدادة وصناعة الأدوات وصيانة المعدات .. إلخ. لكن النجارة اليوم تختلف اختلافاً جوهرياً عنها قبل مئات أو آلاف السنين، إذ إن نجار القرن الحادي والعشرين هو نجار التكنولوجيا والتفاعل الرقمي والتواصل الاجتماعي والرياضيات والفيزياء وغير ذلك من المعارف الإنسانية. ولسوف يتضح من خلال مسابقة المهارات العالمية أبوظبي 2017 أن التنافس، وإن كان يتمحور حول المهارات، فإنه يتعلق أساساً بتطبيق مفاهيم الابتكار والسرعة والذكاء ورشاقة الأداء، وهي العناصر نفسها التي تشكل – بطريقة أو بأخرى – ملامح الثورة الصناعية الرابعة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©