الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

«العصا لمن عصى» .. وسيلة تربوية بائدة تنفر منها التربية الحديثة

«العصا لمن عصى» .. وسيلة تربوية بائدة تنفر منها التربية الحديثة
16 يونيو 2013 13:46
في زمن سحيق، عندما كانت «الكتاتيب» مناهل العلم، كانت العصا جزءاً أساسياً من شخصية المطوع، مثلها مثل العمامة والكرسي. تطورت المدارس لكن بقيت مقولة «العصا لمن عصى» حاضرة، ورافقتها عقوبات معنوية مستحدثة، حتى ظهرت الدراسات التربوية الحديثة التي أثبتت أن ضرر العصا ورفيقاتها أكبر من نفعها، فهي قد ترضي غرور المعلم قليلاً، وتضبط إيقاع الصف مؤقتاً، وتجبر الطالب إجباراً على حفظ دروسه، لكنها قد تترك ندوباً في نفسيات غضّة، وتدفعها لاحقاً إلى تفريغ عدوانيتها في محيطها الأسري والاجتماعي. ولا تجد العقوبات البدنية أو النفسية أرضاً خصبة في الإمارات، ولا تعدو حالات الضرب عن كونها حوادث فردية لا تشكل مفهوم الظاهرة، نظراً لوجود لائحة سلوك طلابي تلتزم ببنودها جميع المدارس الحكومية والخاصة في الدولة. يتفق تربويون واجتماعيون وأولياء أمور على استنكار لجوء المعلمين والإداريين في المدارس إلى إيقاع العقاب البدني بالطلبة، مشددين على تناقضه مع أسس التربية الحديثة. وتندر حوادث ضرب المعلمين للطلبة المقيدة في سجلات المناطق التعليمية، ما يشي باضمحلال هذا السلوك وانحساره في غالبية المؤسسات التعليمية في الدولة، سواء أكانت حكومية أم خاصة. ويعزو مسؤولون هذه الندرة إلى إقرار لائحة السلوك الطلابي التي بدأ تطبيقها في عام 2011، وألزمت إدارات المدارس الخاصة بتطبيقها، فضلاً عن وعي الطلبة وأولياء أمورهم ومعلميهم بحقوق كل منهم وواجباته. وبالمجمل، يرفض أولياء الأمور إيقاع عقوبات بدنية أو نفسية بحق أبنائهم، مشيرين إلى وجود بدائل حديثة للتفاهم مع الطالب الذي يقصر في دراسته أو يسيء الأدب ويخرج عن جادة الصواب. في المقابل، يرى مديرو مدارس أن على أولياء الأمور الانخراط بشكل مؤثر أكثر في توعية أولادهم بضرورة إظهار الاحترام والتقدير للمعلم وبقية الطلبة، بوصفه أحد أبسط أصول التصرف في أي مدرسة. إلا أن هناك أولياء أمور يميلون إلى تأييد الضرب «غير المبرح» في المدارس، مبررين ذلك بأنهم من جيل تعلم وتربى بالضرب، ويستدلون بمقولة الأجداد: «اللحم لك والعظم لنا»، ليرد عليهم اجتماعيون بالقول المأثور «لا تؤدبوا أولادكم بأخلاقكم، فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم». لائحة السلوك هي المرجعية ليس هناك تباين بين تعاطي وزارة التربية والتعليم ومجلس أبوظبي للتعليم وهيئة المعرفة والتنمية البشرية في ما يتعلق بالإجراءات العقابية في المدارس الحكومية والخاصة، بحسب مسؤولين؛ فالمرجعية واحدة بالنسبة لجميع الأطراف، وهي لائحة السلوك الطلابي التي بدأت تطبيقها في عام 2011، وفرضت على إدارات المدارس الخاصة تطبيقها. أما ما فات تسجيله في اللائحة، فيحوَّل إلى اللجان التربوية في المدارس التي ترفع بالحادثة تقريراً يتم التحقيق فيه. وعلى الرغم من أن حوادث ضرب الطلبة في المدارس أو ضرب المعلم من قبل الطلبة، ترد في لائحة السلوك الطلابي، إلا أنها تمرّ بمراحل عدة من الإجراءات والتحقيق في خلفية الطرفين معاً قبل البتّ فيها. وتعتبر فوزية غريب الوكيل المساعد للعمليات التربوية في وزارة التربية والتعليم، أن ضرب الطلاب في المدارس الحكومية في الدولة يعبّر عن ثقافة تحاول الوزارة جاهدة الحد منها، مؤكدة أن تلك الحوادث لا تعدّ ظاهرة، وإنما حالات متفرقة في مختلف مدارس الدولة. وتلفت إلى أنه جرت العادة أن تعالج كل حالة من حالات الضرب على حدة، بدءاً من دراسة الموقف الذي استدعى ضرب الطالب، ومن ثم إحالة الحادثة إلى اللجان التربوية للتحقيق في مختلف الحيثيات، ومن ثم اتخاذ القرار المناسب، إما بمعاقبة المدرس أو إنذاره. أما في حالات تعرض المعلم للضرب من قبل طالب، فتبين غريب أن هذا الأمر يستدعي تعاون المدرسة وولي الأمر لمعرفة دوافع التصرف العدواني للطالب، واستقصاء الخلفية الاجتماعية والثقافية للطالب، كما تستعين المدرسة بالمرشد الاجتماعي لمتابعة حالة الطالب ومعالجتها. ويقول عبد الرحمن ناصر المدير التنفيذي لعلاقات المتعاملين في هيئة المعرفة والتنمية البشرية، إن للمدارس صلاحية مواجهة الحالات ذات العلاقة بسلوكيات الطلبة داخل الحرم المدرسي، انطلاقاً من دورها التربوي، مشيراً إلى أنه في حال تقدم أحد الطرفين إلى الهيئة بشكوى رسمية، يتم على الفور تشكيل فريق متخصص في الإدارة المعنية في الهيئة لجمع المعلومات من مختلف الأطراف موضوع الواقعة، وفي حال ثبوت مسؤولية أي من الطرفين عن حدوث الواقعة، تصدر الهيئة قرارها وفقاً للوائح والإجراءات المتبعة في هذا الخصوص. رفض من أولياء الأمور وتجد العقوبات البدنية والمعنوية رفضاً من معظم أولياء الأمور الذين طالبوا باتخاذ إجراءات صارمة بحق المدارس التي توقع عقوبات لا تتماشى مع أسس التربية الحديثة. ويلفت أولياء أمور إلى أن الضرب لم يعد ظاهرة في المدارس، لكنّ هناك طرقاً تؤثر على نفسية الطالب، وتفكك عرى ما يربطه بالمدرسة وبالعملية التعليمية برمتها، مثل الحبس في صالات مغلقة والتلفظ بألفاظ تقلل من ثقة الطالب بنفسه. وترفض هالة زعيتر، أم لولدين في إحدى المدارس الخاصة في دبي، السماح تحت أي ظرف بضرب أي من ولديها في المدرسة، بل إنها ترفض أي نوع من أنواع العقاب العشوائي الذي أصبح من العادات التربوية «البالية والبائدة». وتضيف زعيتر أن المدرسة تعلمها بأي عقاب قد يفرض على ابنها، للمساعدة على فهم تصرفه وضمان عدم تكراره في المرات المقبلة. أما أسيل الخليلي، أم لطالبة، فتحث أولياء الأمور على متابعة أبنائهم من ناحية الأداء والسلوك يومياً مع الإدارة المدرسية. وتؤكد أن غض الأهالي الطرف عن التصرفات غير اللائقة التي قد تصدر عن الطالب، لا يمكن وضعه إطلاقاً في خانة الحفاظ على الابن أو الابنة، وإنما الإسهام في تعزيز السلوك السيئ لديهم الذي قد يتضاعف لاحقاً ليصبح خارجاً عن السيطرة. ولا يرى بعض أولياء الأمور ضيراً في إيقاع عقوبة جسدية أو معنوية «بسيطة» بحق أبنائهم إذا قصروا في دراستهم أو تسببوا في شغب، حيث يقول أبو عفراء إن «بعض الوسائل، مثل حسم الدرجات، لا يؤثر في بعض الطلاب ممن تكون الدراسة آخر همه». ويضيف ولي أمر آخر عرف عن نفسه بأبي علي: «نحن كنا نتعرض للضرب من الصف الأول وحتى الإعدادية، وأصبحنا رجالاً يعتمد عليهم، وليس مثل شباب هذه الأيام، نتاج وسائل التربية الحديثة». دور الوالدين ومثلما يؤكد تربويون أن العقاب المتكرر وغير المدروس يؤثر على نفسية الطلاب ويجهض توجهات الدولة في تطوير التعليم، يشددون على أهمية وجود الوالدين في حياة الطالب ومتابعة تحصيله العلمي ومراقبة سلوكه. ويدعو محمد حسن مدير مدرسة محمد بن راشد للتعليم الثانوي، أولياء الأمور إلى عدم الانسحاب من واجباتهم إزاء أبنائهم في المدرسة، مناشداً ضرورة عدم توقع أن تقوم المدرسة بدور المنزل والمربي والمعلم. ويلفت إلى أن اعتماد الأهالي على المدرسة اعتماداً كلياً يفاقم الأمور سوءاً، فمتابعة الأهل اليومية لأبنائهم يمكن أن تعفي المدرسة والطالب من الكثير من المشاكل التي يمكن تفاديها. أما منصور شكري مدير مدرسة دبي للتعليم الثانوي، فينتقد دور بعض أولياء الأمور بقوله: «ليسوا إلا أسماء في سجلات المدرسة، أو أشباحاً لم نرها مطلقاً». ويؤكد أن تأثير غياب الأم أو الأب عن الطالب يلعب دوراً سلبياً ليس فقط على المستوى السلوكي، وإنما الأكاديمي والعاطفي. ويتابع أن من شأن ذلك أن يضعف ثقة الطالب بنفسه، وأن يؤثر لاحقاً على مختلف مراحل حياته المهنية والعائلية والأكاديمية. ويؤكد أن المدرسة لا تتغاضى على الإطلاق عن أي تجاوزات بالنسبة لضرب الطالب أو ضرب المعلم، مشيراً إلى أن الإدارة المدرسية في معظم الحالات تتوصل إلى إيجاد الحلول الملائمة من خلال اتباع الإجراءات الرسمية. ويشيد أحمد النقبي مدير مدرسة الظاهرة للتعليم الأساسي والثانوي بالعين، بلائحة السلوك الطلابي، معتبراً أنها تلبي احتياجات الميدان التربوي، من خلال ما تتضمنه من أساليب تربوية لمعالجة وضبط السلوكيات الطلابية. كذلك تثمن مريم حمد مديرة مدرسة أم الإمارات للتعليم الثانوي، وآمنة الكتبي أخصائية اجتماعية بمدرسة أم الإمارات، بجهود المؤسسات المعنية بالتعليم في الدولة، خصوصاً مجلس أبوظبي للتعليم، الذي يعمل على توفير البيئة التعليمية المثلى للطلبة. وتشير عائشة الشامسي مديرة مدرسة هاجر للتعليم الأساسي، إلى أن لائحة السلوك الطلابي تركز على معالجة السلوكيات غير المرغوبة لدى الطالب، وتعزيز السلوك الإيجابي لديه، داعية الهيئة التدريسية إلى تقديم النصح والإرشاد للطلبة ذوي المواقف المرفوضة، وتشجيعهم على الالتزام بالسلوك الحسن. لائحة السلوك الطلابي تتضمن لائحة السلوك الطلابي 20 مادة، وصنفت 44 مخالفة في 5 درجات، كما وضعت 7 ممارسات يفترض تجنّبها عند تعديل السلوك غير المرغوب فيه للطالب. وفيما تطبق اللائحة في المدارس الحكومية، فإنها فرضت على مدارس التعليم الخاص في المادة 19 مراعاة ما جاء فيها من قواعد وأحكام ومعايير عند وضع لوائح الانضباط السلوكي الخاص بها. وقد ربطت اللائحة فصل الطالب عن المدرسة أو حرمانه من الدراسة لمدة معينة، في حال ارتكابه إحدى مخالفات الدرجة الخامسة، بقرار من اللجنة التربوية في المدرسة وموافقة المنطقة التعليمية وإخطار ولي الأمر. وتتضمن مخالفات الدرجة الخامسة، الترويج لكل ما هو مخالف للقيم الأخلاقية أو الآداب والنظام العام، وحيازة وجلب وترويج أو استعمال المخدرات والعقاقير الطبية المخدرة والمؤثرات العقلية داخل المدرسة، والحضور إلى المدرسة تحت تأثير مخدر أو عقاقير طبية مخدرة ومؤثرات عقلية، والتعدي بالفعل على الزملاء أو العاملين بالمدرسة، وتزوير الوثائق الرسمية الخاصة بالمدرسة، والإساءة إلى الأديان السماوية أو إثارة كل ما يثير الفتنة الطائفية والمذهبية بالمدرسة، وإتيان أفعال جسيمة منافية للآداب العامة، مثل الاعتداء الجنسي أو ممارسة الجنس وارتكاب أفعال تخدش الحياء العام داخل المدرسة واستخدام الأسلحة النارية أو البيضاء وما في حكمها داخل المدرسة، وكل ما هو شبيه بهذه المخالفات. ففي مرحلة التعليم الإلزامي، يحرم الطالب من الدراسة لمدة عام دراسي، ويعطى فرصة لإعادة القيد في العام الدراسي التالي بمدرسة أخرى تحددها المنطقة التعليمية. وفي مرحلة التعليم غير الإلزامي، فإنه يتم الفصل النهائي من المدارس الحكومية، مع إتاحة الفرصة للالتحاق بالأنظمة التعليمية الأخرى مثل التعليم المنزلي، وتعليم الكبار، والتعليم الخاص. وحددت اللائحة 44 مخالفة سلوكية وصنفتها في 5 درجات، بواقع 10 مخالفات للدرجة الأولى التي تعتبر أدنى درجات المخالفة، و9 مخالفات للدرجة الثانية، و11 مخالفة للدرجة الثالثة، و3 مخالفات للدرجة الرابعة، و11 مخالفة للدرجة الخامسة. وقد دعت وزارة التربية إدارات المدارس بالتعامل مع اللائحة وما تضمنته من بنود وضوابط، وفق الدور التربوي والتعليمي الذي تمليه رسالة التعليم على جميع المنتسبين لهذه المهنة «رفيعة المستوى»، مع تغليب أساليب الإرشاد والتوجيه والتدرج في تنفيذ الإجراءات التي من شأنها حفظ المجتمع المدرسي واستقراره وحمايته من أية سلوكيات دخيلة أو غريبة على المجتمع. وأكدت الوزارة أنها وضعت الطالب محوراً في جميع مبادراتها التطويرية، وهي تعتبره الثروة الحقيقية للوطن، كما أنها تسعى جاهدة لتعزيز عمليات بناء الشخصية المتوازنة الطموح، وترسيخ مفاهيم القيم والسلوكيات الإيجابية لديه، وصولاً إلى المواطن الصالح الواثق من نفسه، والواعي بقضايا أمته، والقادر على تحقيق طموحات دولته فيه. وبحسب ما درجت على تأكيده الوزارة، فقد انطلقت اللائحة الجديدة في ضوابطها وآلياتها من حرص الوزارة على إيجاد البيئة التربوية العصرية للطلبة والمعلمين والإداريين وأولياء الأمور، فضلاً عن تعزيز كل ما هو إيجابي وبناء، من القيم والمبادئ والاتجاهات، وتوفير مناخ تربوي يتيح الفرص المثالية لنمو العلاقات المتوازنة بين الطلبة أنفسهم من جهة، وبينهم ومعلميهم وجميع العاملين في المدرسة وأولياء أمورهم من جهة أخرى. نخلاوي: العقاب المدرسي يتنافى مع المسلمات التربوية البديهية يوضح الدكتور ياسر نخلاوي، مدير الإدارة الطبية لطب الأطفال في مدينة خليفة الطبية في أبوظبي، الآثار السلبية للعقاب البدني في المدارس، قائلاً، إن «العقاب البدني يعني تعمد إلحاق الألم والأذى بجسد الشخص المعني، بقصد العقاب أو التأديب أو الإصلاح أو لتحقيق الانضباط أو الردع، وذلك بسبب قيام الطالب بسلوك ما غير مقبول، أو غير منضبط». وتابع النخلاوي أن هذا النوع من العقاب من أكثر أساليب التربية شيوعاً وانتشاراً في المدارس، إلا أنه بات محظوراً في مدارس عدد كبير من الدول المتقدمة، بعد أن أكدت الدراسات السلوكية والتربوية انعكاساته السلبية على نفوس الأطفال، ولكونه يتعارض مع أساليب التربية الحديثة، ويتنافى مع المسلمات التربوية البديهية. ويزيد: «كثيراً ما نرى أن العصا أو غيرها من أدوات الضرب من الأدوات الأساسية التي تصاحب المعلم داخل الصفوف الدراسية، وهو في حد ذاته مشهد غير تربوي، فالصف جُعل للدراسة وليس للعقاب والتأديب». ويشرح قائلاً «إن المعلمين الذين ينحازون إلى هذا الأسلوب، غالباً يجهلون أن التربية إعداد للحياة، وأن الحياة التي نعد الطفل لها، يمارس فيها الضرب باعتباره وسيلة من وسائل التوجيه نحو الاستقامة، وهذا خطأ تربوي جسيم باعتماد العنف وسيلة للتقويم». ويرجح النخلاوي أسباب لجوء المعلمين إلى الضرب بأنهم ربما يجدون في العقاب البدني أمراً سهلاً للضبط والسيطرة وفرض النظام، فهو وسيلة سهلة لضبط التلاميذ بما يريح المعلم ويكفل له تحقيق النظام بأيسر وأقصر وسيلة، متناسين الآثار السلبية النفسية للضرب، مثل إضعاف ثقة الطالب بنفسه، وميله إلى الخوف والاكتئاب والعزلة، والهروب الاجتماعي، وعمق الهوة التي تنشأ بين الطالب ومعلمه، ومقدار كره الطالب للعملية التعليمية، وانعكاسات كل ذلك على سلوك الطفل، ونزوعه إلى العنف والعدوانية في التعامل مع من حوله. ويؤكد الدكتور النخلاوي أهمية اتباع أساليب وطرق ووسائل أخرى للعقاب في المدارس باعتماد أساليب العقاب المعنوي والإثابة بمكافآت إيجابية، فمن الممكن أن يجرب المعلمون صيغ وطرق أخرى بديلة إن كان عقاب الطالب ضرورة، مثل الحرمان من النشاط أو بعض الألعاب التي يحبها أو تكليفه بواجبات إضافية أو الوقوف في الصف لفترة معينة أثناء الدرس أو حرمانه من المشاركة في رحلة مدرسية ترفيهية، وما شابه ذلك. ومن الأهمية أن تنسق الإدارة المدرسية مع أولياء الأمور والأسرة في هذا الجانب، ويستطيع الأخصائي الاجتماعي أو النفسي من القيام بدور كبير في هذا الاتجاه. عالم اجتماع: العقاب البدني والنفسي طريق مسدود نحو أي تطوير حقيقي للشخصية يرى الدكتور محمد أبو العينين الأستاذ بقسم علم الاجتماع – جامعة الإمارات، أن زمن العقاب البدني (الجسماني) والنفسي (المعنوي) قد ذهب بلا رجعة، ولم يعد مقبولاً اليوم أن نطبق أي من هذين النوعين من العقاب. «فنحن نعيش عصراً جديداً يحمل معه كل يوم مزيداً من الحقوق الممنوحة للأفراد بكل طوائفهم العمرية والمهنية والنوعية، بما في ذلك تلاميذ المدارس». ويضيف أبو العينين أن درجة الوعي بهذه الحقوق قد زادت، وتغيرت القوانين لصالح الأفراد الذين يستندون إليها لحماية أنفسهم من الإيذاء البدني والمعنوي، وذلك كله ضمن الإطار العام السائد في عالم اليوم المنادي بتوسيع هامش الحرية ومنح الأفراد حقوقاً لم تكن متوافرة لهم في الماضي. ويتابع: «تختلف أساليب العقاب بشكل عام باختلاف المجتمعات والمراحل التاريخية، ويكشف لنا دارسو المجتمع بشكل عام، والمتخصصون في أساليب العقاب بشكل خاص، عن تنوع هائل في هذه الأساليب تاريخياً وجغرافياً، ولعل من الأشكال المعروفة للعقاب، تلك المطبقة في المدارس، حيث ترتبط العملية التعليمية كونها عملية تربوية بفكرة العقاب في حال التقصير في أداء الواجبات المدرسية أو التغيب عن المدرسة أو سوء سلوك التلميذ». ويلفت إلى أن المدرسة مثلها في ذلك مثل أي مؤسسة اجتماعية أخرى - كالأسرة أو مكان العمل - تقوم الآن على قواعد وأسس ومبادئ جديدة تأخذ في الحسبان هذا التوجه العام، وتمنح التلاميذ حقوقاً موازية للحقوق العامة، وتحميهم من الإيذاء البدني أو المعنوي، فقد ثبت بالدليل القاطع أن هذا النوع من الإيذاء لا يفيد العملية التعليمية، بل قد ينفر منها التلميذ. ويشير إلى أن التعليم له أهداف أخرى إلى جانب الأهداف المعرفية، منها تنمية الشخصية وزرع الثقة، وهذه المهارات لن تتحقق بأساليب عقاب بالية تخاطب الجسد، بينما يفترض فيها أن تخاطب العقل. ويزيد: «إن القسوة المتطرفة والشدة المبالغ فيها تؤديان في غالب الأحيان إلى نتائج عكسية تماماً. وتبرهن الدراسات الاجتماعية والسلوكية والتربوية على أن العقابين البدني والنفسي طريقهما مسدود نحو أي تطوير حقيقي وفعال للشخصية».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©