السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

النظام العربي.. واقع في الأسر وقابل للكسر!

16 يونيو 2015 22:26
حين نتحدث عن الأمة العربية أو العالم العربي أو العروبة فنحن بالتأكيد نتكلم عن كيان افتراضي نظري ليس له وجود ملموس أو محسوس في الواقع المعاش. فقد اعتمد هذا الكيان منذ التبشير به على الشعارات التي لا مدلول ولا معنى لها. فنحن لم نكن يوماً كتلة واحدة، ولم يحدث مرة واحدة أن اعترفنا بالتناقضات الضخمة بين دول هذا الكيان الافتراضي. كما أن الخلافات العربية العميقة والمتجذرة لم تتغيب ولم تتخلف لحظة واحدة لكنها كانت دوماً إما مكتومة أو ظاهرة، وهي في الحالتين عميقة وعصية على الحل. ولأن النظام العربي أساساً هش وافتراضي سرعان ما انهار تماماً عندما هبت عليه عواصف الخريف العربي وضربته أمواج الإرهاب. كل شيء في هذه الأمة نظري وافتراضي وشعاري مثل العمل العربي المشترك والحفاظ على الأمن القومي العربي ومعاهدة الدفاع العربي المشترك، وتشكيل القوة العربية المشتركة. وجامعة الدول العربية نفسها كيان ورقي لا وجود له على الأرض وفي الواقع، لم نشعر يوماً بأن لها أي دور في القضايا العربية - وكل هذا لأننا مصممون على عدم المواجهة الحقيقية لقضايانا وعدم ترتيب أولوياتنا، ولأننا مصممون على التعامل مع مظهر الأشياء دون الولوج إلى جوهرها. والكل يعلم تماماً أن التناقضات بين دول عربية وأخرى أضعاف تناقضات هذه الدول مجتمعة مع إسرائيل وهناك كيانات يفترض أنها عربية وتتبنى قضية واحدة لكن التناقضات بينها بلغت حد العداء والاحتراب، وهذا ينطبق على منظمتي «فتح» و»حماس» اللتين تفرغتا للعداء البيني، ولم يعد العداء لإسرائيل يعنيهما في شيء، حتى أصبحت فلسطين دولتين في غزة ورام الله يصعب حتى المستحيل جمعهما في دولة واحدة حتى لو نجحت المفاوضات ووافقت إسرائيل على قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس. ولأن الأمة العربية كيان مصاب بهشاشة العظام وقابل للكسر، فإن العرب متحدون نظرياً في الشعارات، لكن الشيطان يسكن المدلول والمضمون. النظريات العربية ملائكية والتطبيق شيطاني. الملائكة تكتب النظريات والشعارات العربية، لكن الشياطين تتولى التطبيق. العرب متحدون في مواجهة الإرهاب. هذا هو الشعار الملائكي، لكن الشياطين تتولى تعريف الإرهاب لكل دولة من دول هذا الكيان المتوحد في الشعار. ولكل دولة رؤيتها المناقضة لدولة أو لدول أخرى. هناك دولة ترى كياناً أو جماعة ما إرهابية، بينما تراها دولة أخرى جماعة شرعية معارضة مظلومة. هناك مواجهة للإرهاب في منطقة مثل العراق، وهناك دعم لنفس الإرهاب في سوريا وليبيا. والحسابات في كل الأحوال ليست عربية لكن العرب في الغالب ينفذون إرادات قوى دولية أو إقليمية أخرى. وتناقضات تعريف الإرهاب تنسحب بالضرورة على مفهوم الأمن القومي العربي والدفاع عنه. وفي الواقع لا يوجد عملياً ما يسمى بالأمن القومي العربي، وحتى الآن وحتى الغد وربما حتى يوم القيامة، لم يقل لنا أحد مفهومه للأمن القومي العربي، فهذا الشعار افتراضي وليس حقيقياً. وقد ولد في ظل الحروب العربية مع إسرائيل والعداء لها، وهذا العداء لإسرائيل سقط الآن، ولم يعد له وجود، وحلت محله عداءات أخرى وتهديدات أقوى. فإسرائيل ما زالت عدواً للعرب من الناحية النظرية، وما زلنا نقول: العدو الصهيوني والكيان الصهيوني وقضية فلسطين هي قضية العرب الأولى، وهذه كلها شعارات بلا مدلول ولا مضمون، ولا معنى كعادة العرب دوماً في أن كل أمورنا وقضايانا نظرية وشعارية وافتراضية وليست حقيقية، بل يدحضها الواقع الذي تمثله تناقضات «فتح» و»حماس» والتنسيق القوي بين دول عربية وإسرائيل وخروج أو إخراج دول المواجهة من المواجهة إما بالسلام الراسخ مع إسرائيل، أو بالانكفاء على الهم الداخلي، كما يحدث في سوريا أو حتى في غزة ورام الله، أو بظهور عدو أكثر شراسة وعنفاً ودناءة من إسرائيل وهو الإرهاب وجماعاته السرطانية.. وهو عدو فرض التقارب العربي الإسرائيلي باعتباره عدواً مشتركاً وربما فرض التنسيق الأمني مع إسرائيل بوصف جميع دول المنطقة دولاً وطنية تواجه سرطان الميليشيات الذي نثرته ونشرته في جسد الأمة أميركا وإيران وتركيا وليس ببعيد أن نثر ونشر الأورام الإرهابية والميليشاوية في الجسد العربي هدفه فرض التقارب العربي الإسرائيلي وإسقاط القضية الفلسطينية. وأزعم أن هذا الهدف تحقق بنسبة تقترب من المئة في المئة. نحن أمة عربية. هذه جملة اسمية، لكن لا توجد جملة فعلية عربية. ربما لأن لغتنا العربية تعلي الاسم على الفعل. فالجملة في لغتنا تبدأ بالاسم، بينما اللغات الأخرى في العالم كله تبدأ فيها الجمل بفعل لا باسم.. ويبدو أننا تأثرنا بلغتنا فصار كل شيء عندنا اسمياً لا فعلياً. وذلك باب واسع ربما نفتحه يوماً ما. لا أظن أبداً وليس كل الظن إثماً أن القوة العربية المشتركة للحفاظ على الأمن القومي سترى النور فعلاً. لكنها ستراه اسماً. فسوف نختلف على المقر وعلى القيادة وعلى التمويل. والأهم من ذلك كله أننا سنختلف على المهام التي ستؤديها هذه القوة الافتراضية الاسمية. نحن دول عربية ولسنا أمة عربية. وكل دولة بما لديها فرحة أو مهمومة. ولكل دولة رؤيتها في أمنها القومي، وهي رؤية قد تتصادم مع رؤية دولة أخرى. وهناك دول عربية ترى أن دولاً عربية أخرى تهدد أمنها القومي أكثر من التهديد الإسرائيلي أو التركي أو الإيراني. الدول العربية ترى أن أمنها القومي يتعلق بحدودها الجغرافية فقط. بينما دول مثل أميركا وإيران وتركيا تدافع عن أمنها القومي على بعد مئات وآلاف الأميال من حدودها الجغرافية.. إيران تدافع عن أمنها القومي في العراق وسوريا ولبنان والسعودية واليمن، وكذلك تفعل أميركا وتركيا. ولا أحد يقول إن أميركا وإيران وتركيا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. بينما لو تحركت مصر للدفاع عن أمنها القومي في ليبيا يقال إنها تتدخل في الشؤون الداخلية لليبيا.. وعندما تدافع السعودية ودول مجلس التعاون عن أمنها القومي في اليمن يقال إنها تتدخل في شؤون اليمن الداخلية. فالمطلوب أن تنكفئ كل الدول العربية على حدودها وذاتها حتى إذا كان الخطر يطال غرف نومها. والمشكلة أن دولاً عربية تميل إلى التفسير الأميركي التركي الإيراني للأمن القومي العابر للحدود وتنكر على دول عربية أخرى هذا التفسير. والجدل البيزنطي حول الدجاجة والبيضة وأيهما سبق الآخر في الوجود تحول إلى جدل عربي لا نهاية له. ولأن العرب اتفقوا على ألا يتفقوا فإنهم سيظلون بيوتاً من زجاج قابلة للكسر بأي ضربة حجر وبيوتاً من ورق قابلة للتطاير مع أي عاصفة. البداية دائماً مبشرة لكن التفاصيل مسكونة بالشياطين والأهواء. نعرف كيف ندخل ولكننا نضل طريق الخروج ويسهل استدراجنا إلى المتاهة. كل الملفات مفتوحة وعواصف الحزم العربية لا تريد أن تتحول إلى عواصف حسم.. وسنبقى إلى ما لا نهاية عشاقاً للاسم كارهين للفعل. وهذا هو أكبر الإثم. وسنبقى في دائرة الكلام. وعلى الأمن القومي العربي السلام لأن النظام العربي واقع في الأسر وقابل للكسر! محمد أبوكريشة * *كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©