السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«هوس التسوق» بين إغراءات السوق والنهم الشرائي للمستهلك

«هوس التسوق» بين إغراءات السوق والنهم الشرائي للمستهلك
16 يونيو 2013 21:05
هوس التسوق آفة تصيب الكثيرين وتجعلهم أسرى الحملات الدعائية للمنتجات المختلفة، خاصة في مواسم التخفيضات التي تكثر فيها العروض المغرية للشراء، وتحاصر المستهلكين في كل مكان، بشكل يدفع البعض للشراء، بغض النظر عن مدى حاجته الحقيقية لهذه السلعة أو تلك، ما قد يسبب له أزمات مادية أو شعوراً بالندم، كونه أسرف واقتنى أشياء لا تفيده حالياً ولا مستقبلاً، ومن هنا تظهر الحاجة لوضع خطط شرائية وسقف لاحتياجات الفرد وتطلعاته حتى يتجنب الوقوع في اهتزازات مادية تؤثر على أهدافه التي يسعى لتحقيقها على المدى البعيد. أحمد السعداوي (أبوظبي) - يجد البعض في التسوق متعة ومتنفساً لرغبات داخلية في السعي لاقتناء كل ما هو جديد، بينما يقف البعض الآخر حائراً بين تلبية احتياجاته الحقيقية أو الاستجابة لضغوط المنتجين والعارضين، فيسارع بشراء ما لم يخطط له أو يبتعد مسرعاً هرباً من دفع فاتورة باهظة قيمة مشتريات تربك ميزانيته الشهرية. يقول مأمون الصياد، موظف بإحدى شركات الطيران، إن أكثر ما يدفعه إلى التسوق هو وجود فروق رهيبة بين أسعار المنتجات، قبل التخفيضات وأثناء عرضها خلال مواسم التخفيضات، حيث إن بعض التخفيضات تتجاوز الخمسين في المائة، وتصل أحياناً أخرى إلى خمسة وسبعين في المائة، خاصة فيما يتعلق بالملابس وبعض أنواع الأحذية والمنتجات الجلدية، فيقوم بشراء أكثر من سلعة من النوع نفسه، كأن يقوم بشراء قمصان عدة أو “تي شيرتات”، وتقديمها هدايا لأهله وأصدقائه عند العودة لبلده الأصلي في عطلته السنوية. ويوضح الصياد أن تتابع مواسم التخفيضات، بشكل لافت يشجع الكثيرين على الشراء حتى لو لم تكن لديهم حاجة حقيقية لهذه السلع، وهو ما يشعر به عندما يقرر السفر، فيجد نفسه متورطاً في حمل وزن كبير لم يكن يتوقعه، وبالتالي يدفع مبالغ إضافية لهذا الوزن قد تصل إلى سعر تذكرة الطيران نفسه. متعة التسوق غادة علّام، منسقة خدمات في شركة سياحية، ذكرت من جانبها، أن التسوق فيه شيء من المتعة بأن نحصل على أشياء نرغب فيها ونحب أن نستخدمها، ولا ترى في ذلك سبباً لمشكلات كبيرة، لأنه في النهاية لن يقوم أي شخص بشراء أي سلعة إلا إذا كان يمتلك ثمنها، أما بعض الذين يبالغون في الشراء واقتناء أشياء باهظة الثمن، ويلجأون أحياناً إلى القروض من أجل ذلك، يخطئون في حق أنفسهم، ويضعون أنفسهم في مآزق مادية، هم في غنى عنها. وتحكي علّام عن إحدى صديقاتها التي سعت لشراء شقة في بلدها بسعر كبير، وفي الوقت نفسه كانت مرتبطة بأقساط شهرية لسيارتها الحديثة، غير أنها تركت العمل بشكل مفاجئ، ما أوقعها بكثير من المشكلات والخسائر المادية، لأنها تصرفت بشكل يفوق إمكاناتها الفعلية، وحدثت مشكلات كثيرة مع زوجها الذي كان ينصحها دوماً بضرورة التروي في شراء أي شيء، والتقيد بحدود مادية معينة، وعدم تجاوزها. سالمة المرزوقي، ربة منزل، ولديها أربعة أبناء في مراحل التعليم المختلفة، أكدت أن مبالغة البعض في الشراء تأتي نتيجة ضغوط خارجية، وخصوصاً من الأبناء الذين يريدون أن يقتنوا دائما أحدث الأجهزة التكنولوجية، مثل الآي باد والآي فون، وغيرها من التقنيات الحديثة، التي يريد الأبناء اقتناءها مثل جميع أصحابهم، وكذلك ضرورة ترتيب رحلات لهم خلال الإجازة الصيفية، بعد عناء العام الدراسي، وهذه المتطلبات لابد من تحقيقها للأبناء بغض النظر عن ظروف الأهل والوالد حتى ينشأوا بنفسية سوية، ولا يشعرون بأنهم أقل من أقرانهم. احتياجات عمرية الطالبة الجامعية حسناء بهاني، ذكرت من جانبها أن مشترياتها كافة تكون متناسبة مع احتياجاتها العمرية، حتى سعيها لشراء أنواع حديثة من أجهزة الاتصالات وغيرها من التقنيات الحديثة، يعتبر ضرورة حتى تستطيع مسايرة العصر، وبالنسبة للملابس وغيرها من مستلزماتها الشخصية، تذكر بهاني أن الشباب دائما يهتمون بارتداء الماركات المعروفة، لأنها أكثر جودة في الصنع، وتتسم بموديلات جذابة، ولا تنفي أن ذلك قد يمثل عبئاً على ميزانية الوالد، غير أنها فترة معينة في حياتها ستنتهي بانتهاء دراستها الجامعية والتحاقها بسوق العمل. تقنية المختبر أسماء عبد اللطيف، أوردت أن هناك أشياء كثيرة قد تكون غير متوافرة بالمنزل، ومع مشاغل الأسرة والعمل أنسى شراءها، لأنه يمكن الاستغناء عنها، ولكن حسن العروض داخل المراكز التجارية يجعلني أسارع بالحصول عليها، أحياناً بكميات أكثر مما أحتاج. وهذا لا يقتصر على لوازم البيت العادية، وإنما يمتد إلى السلع الكمالية أيضا مثل المعطرات والشموع وأدوات الماكياج، وغيرها من السلع التي تكلف ميزانية الأسرة. واعترفت عبد اللطيف، أن اندفاعها أحياناً للشراء، قد يسبب لها بعض المشاحنات البسيطة مع زوجها أثناء عملية التسوق، كونه يرى أن المبلغ الذي حدده للتسوق تم تجاوزه، بسبب شراء سلع قد لا يحتاجها البيت في الوقت الحالي، فتحاول التحكم فيما يتم شراؤه ولكن جودة البضائع وأسعارها المغرية تقلل من عزيمتها، فتقرر شراء بعض هذه السلع من مالها الخاص، بعيداً عن الميزانية التي أقرها رب الأسرة. دور المستهلك من ناحيته، قال المهندس حسن الكثيري رئيس شبكة المستهلك العربي خبير قضايا المستهلك الإماراتي، إن المستهلك يلعب دوراً رئيساً في تحديد سلوكياته الشرائية، وعليه أن يطرح على نفسه سؤالاً قبل أن يقرر عملية الشراء.. لماذا يرغب في الحصول على هذه السلعة؟ ومن خلال الإجابة يعرف هل هو في حاجة إلى هذه السلعة فعلاً أم لا..؟ وبيّن الكثيري أن الشراء يرتبط بدوافع عدة، منها المحاكاة، والرغبة في تقليد الغير، وشطارة البائع، وأسلوب عرض السلعة، والضغوط النفسية، العاطفة، والرغبة في إرضاء الأبناء، والحملات الدعائية المكثفة. وكي يتجنب المشتري الوقوع تحت ضغط الحملات الدعائية وعروض التخفيضات المغرية، وغيرها من وسائل التسويق المحترفة، عليه أن يعرف جيداً احتياجته الفعلية، مثلا لو كان هناك تخفيضات على ثمن سلعة من ألف درهم إلى خمسمائة درهم، على المستهلك أن لا ينظر إلى نسبة التخفيض الكبيرة، وإنما عليه أن يدرك أن شراءه سلعة يمكن الاستغناء عنها، يكلفه خسارة الخمسمائة درهم، لأنه في الأصل ليس في حاجة إليها، ويمكنه أن يستفيد من هذا المال في شراء أشياء أخرى ربما يكون في حاجة حقيقية لها، انطلاقاً من المبدأ القائل “إن عدم استعمال السلعة يعني خسارة ما دفع فيها من مال”. النهم الشرائي إلى ذلك أكد الكثيري أن كلمة «لماذا؟»، تصنع توجيهاً قوياً للمستهلك، مشيراً إلى أن التخفيضات والتنزيلات مستمرة طوال العام بشكل دائم تقريباً، وعلى المستهلك ألا ينخدع بالعبارات الرنانة، مثل “تخفيضات شاملة، تنزيلات كبرى، تصفية كبرى لأن البناية تحت الهدم”. في السياق ذاته لفت الخبير الاقتصادي إلى أن النهم الشرائي في عصرنا الحالي تجاوز الإسراف الغذائي، وامتد إلى كثير من الخدمات والكماليات التي تستنزف جزءاً كبيراً من ميزانية الأسرة، خاصة في منطقة الخليج، حيث نجد أن نسبة كبيرة من الأموال تذهب إلى السلع الكمالية، مثل شراء أحدث موديلات السيارات، وأجهزة الهاتف، وأدوات الماكياج والعطور أو عمل تعديلات مكلفة على السيارات، وهو سلوك خاص بالشباب والمراهقين. وأوضح الكثيري أن المستهلك إذا أدرك قيمة المقارنة بين المنافذ التسويقية، والأسئلة التي يطرحها على نفسه قبل شروعه في الحصول على السلعة، واتخاذه قرار الشراء، في هذه الحالة يصبح مستهلكاً حكيماً. فريسة للشراء ومن واقع خبرته في التعامل مع المال والمستهلكين، أشار عيسى محمد مسؤول أول تمويل مصرفي في أحد البنوك، إلى أن بعض المستهلكين فعلاً قد يتورطون في قروض بنكية نتيجة نهم شراء السلع والخدمات، لافتاً إلى أن كثيراً من الأشخاص يتسوقون حتى يشعروا بالطمأنينة والرضا الداخلي، ويعتبرون التسوق وسيلة للخروج من الملل والاكتئاب، والبعض يعتبره نوعاً من الرفاهية، وهناك فئة تقضي على شعورها بالملل بالتجول في المراكز التجارية، وبالتالي يقعون فريسة لما يرونه من أشياء وبضائع تعجبهم معروضة بأسعار مغرية، فيشترونها على الرغم من عدم حاجتهم الفعلية لها. وهناك نمط من المستهلكين يندفع لشراء الموديلات الحديثة من الأجهزة والسيارات وأحدث صيحات الأزياء بغرض التباهي، دونما عمل موازنة مع دخلهم الحقيقي، فتحدث المشكلات وعدم الاستقرار المادي. ولا يتوقف أصحاب هذا النمط على ذلك، بل يذهبون إلى دول أخرى لقضاء عطلات تسويقية، ما يكبدهم أعباء مالية مضاعفة قد تستمر معهم عدة سنوات، لمجرد رغبتهم في التباهي أمام أصدقائهم أنهم سافروا إلى هذه الدولة أو تلك، واشتروا أحدث الماركات والموديلات. التخطيط المالي وترتيب الأولويات أكد عيسى محمد مسؤول أول تمويل مصرفي في أحد البنوك، أن السبيل الوحيد لتجنيب المستهلك الوقوع في فخ شراء سلع لا يحتاجها، هو التخطيط المالي وترتيب أولوياته في الحياة، وإذا ما كان لديه فائض مادي يدفعه لشراء سلع استهلاكية غير مفيدة، عليه أن يلزم نفسه بشراء ما يفيده وأهله مستقبلاً، كأن يشتري قطعة أرض أو شقة أو عقار، فيكون ملزماً بدفع أقساط شهرية لها، وبالتالي يقلل من حجم إنفاقه على السلع الاستهلاكية غير الضرورية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©