الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سامي الرفاعي: في أعمالي أنحت «الضوء» كما أنحت «الحجر»

سامي الرفاعي: في أعمالي أنحت «الضوء» كما أنحت «الحجر»
16 يونيو 2013 21:06
عماد ملاح (بيروت) - الفنان والنحات اللبناني سامي الرفاعي يترك دائماً أعماله تتحدث عنه، وهو إذا أراد الكلام، فهذا يتم عبر منحوتاته الفنية والتشكيلية، التي يراها العلامة الدامغة في معارضه العديدة، من «عودة طائر الفينيق» إلى «رسالة حب إلى أمي»، إلى «أمي المرأة العنقاء» إلى مشاركته في نشاطات أخرى. تلميذ بعلبك يتحدث سامي الرفاعي عن «بعلبك» التي تربى فيها، وعن العمق التراثي الذي حملته «مدينة الشمس»، وأيضاً انعكاسات العلاقة مع منحوتاته، فيقول: أنا تلميذ بعلبك، مدينة الرؤية المفتوحة على الأفق، ألحاني قامت على وهادها وبساتينها وأشجارها، بشكل لم تعرفه أي مدينة أخرى في العالم كله. هذه المدينة علمتني كيف أرى الأشياء على حقيقتها؟ كيف أقرأ التاريخ واستقرئ الزمن، كي أستوقف هذا التاريخ ومستقبله، هذه المدينة التي وعيت فيها وربّيت فيها، ورضعت من صخرها معنى الوجع، هذه المدينة علمتني كيف أقف أمام المادة، محاوراً لها، مناوراً لها، مخترقاً لها، باحثاً في داخلها عن الجمال وعن الحقيقة. ويشرح التسميات الخاصة بعمل المنحوتة بقوله: غالباً ما نرى في النحت التجريدي أو في مثل هذا النوع من العمل، أن الاسم يكون مستوحى من علاقة النحات بالمنحوتة، أكثر من علاقة الاسم بالمنحوتة، وبالأحرى يقوم بين النحات والمنحوتة حوار تبادلي، أي تبادل في الكينونة، وأنا بالذات في كثير من الأحيان وأثناء عملية النحت، أتبادل الكينونة مع المنحوتة، فمرة أكون النحات ومرة أخرى أكون المنحوتة. ففي أعمالي والمعارض التي أقمتها مثل «رسالة حب إلى أمي»، وأمي المرأة العنقاء»، يلاحظ الزائر أن المرأة لها نصيب كبير، ولكن هذا أيضاً ينصرف إلى محتوى المنحوتة والشكل معاً. «أمي المرأة العنقاء» ويضيف الرفاعي: الموضوع الذي أطلقت عليه اسم «أمي المرأة العنقاء»، جمع نوعاً من الخشب الصلب القاسي والمتين والمتماسك، وبعدها شكل المنحوتة وتركيبها الذي يوحي بالقدرة والعزيمة والقوة ورباطة الجأش. وفي ذلك عبرت عن موقفين. الأول، أنه كان لأمي شخصية فعالة متينة ومتماسكة، فأنا تربيت يتيم الأب، ولكني لم أحس أنني تيتمت، لأنها حلّت مكان الأب والأم معاً، من أجل ذلك اخترت هذا الخشب، خشب الوزال المتوافر في أعالي جبال وسهول بعلبك، وهو من عمر الأرز. أما الثاني، أي التي أعني بها الأم «الأرض» أو استمرارية الولادة التي دائماً تنبض بالحياة، أيضاً أحاول أن أخلق وأجد الصلة، بين استمرارية الوجود واستمرارية الحياة، وبين الموضوع الذي أطلق عليها اسماً. من هنا كانت الأم هي الرابط الأساسي في هذا العمل الإبداعي. «عودة طائر الفينيق» أما عافية لبنان وعودة هذا البلد إلى دوره المرتجى، فسّره النحات الرفاعي في المعرض الآخر «عودة طائر الفينيق»، وهي أسطورة قديمة أتت من حضارة «ما بين النهرين» اقتبسها اليونان أولاً، ثم العرب وأطلقوا اسم «العنقاء» على طائر الفينيق، و»العنقاء» هو الطائر النادر الذي يضرب فيه المثل. والأسطورة كانت تقول إن هذا الطائر الجميل كان يعود في غالب الأحيان إلى موطنه الأول، ثم ينتفض حزيناً بجمال الحياة وقوة الحب والعزيمة، مملوءاً بحياة جديدة من رماد، لذلك وبعد الحرب التي لطالما أعلنت رفضي لها، عبرت، عن وجهة نظري، من خلال العمل الفني والإبداع، وعبر الإزميل والمطرقة والصخرة، عبر الحوار بيني وبين المادة. ويوضح: المعرض هذا أقمته بعد نهاية الحرب التي لا علاقة لإنسان وطني بها، بل لا علاقة للإنسان الحقيقي، وهو أتى تعبيراً عن رفضي للحرب، وإيماناً من أن هذا الوطن لا يمكن أن يذهب هباءً منثوراً، حتى لو أصبح رماداً فإنه سيحيا من رماده منتفضاً بالحياة. وهناك صلة أخرى بهذا المعرض الذي لا يزال يحن على بالي، حاولت فيه أن أرمز إلى الأم وإلى استمرارية الحياة، من هنا تجد هناك عطفاً بين قدرة الحياة، وقدرة الأم على الولادة، والعجب أنني جمعت قوة طائر الفينيق، وقوة العنقاء وقسوتها، مع حنان الأم وعطائها. وأعتقد أن عملية الولادة بحد ذاتها، هي قدرة وقوة لا تحد، وهي أقوى قوة موجودة في الكون، فالله هو الذي يجعل البذرة تقع ميتة على الأرض، فتلد مئة بذرة». «الجمالية الروحية» وعن اللمسات الفنية في أعمال الرفاعي، فيراها الجمهور عبر وحدة الأسلوب الذي يعتمد على الحركة اللولبية، كما يقول النحات الفنان، وهذه الحركة هي تعبير عن وحدة الوجود والإضافات في الحقيقة، هي أن الجمالية التي أسعى إليها تبرز تحت دائرة «الجمالية الروحية»، فلا يهمني من المنحوتة بعدها الجسدي، بقدر ما يهمني أولاً بعدها الروحي، وصولاً إلى ميدان الإبداع والفن. أنا أرسم، والنحات الذي لا يرسم ولا يعرف الرسم لا يمكن أن يكون نحاتاً، بل يكون منضد أحجار، أسعى للبعد الروحي، والذي يسعى لهذا الشيء، لابد وأن يصمم في خياله تصميماً دقيقاً ومن جميع جهاته. ومن أجل ذلك منحوتتي منحوتة مدارية تدور على نفسها لتحتفظ بتوازنها من جميع جهاتها، وهذا أيضاً معروف في أسلوبي في النحت، وأكاد أكون الوحيد الذي يتجرأ على وضع منحوتة مدارية، تدور لتراها من جميع الجهات، وأنت واقف في مكان ما، وهي مرتبطة بتوازنها، فالتوازن شيء مهم قد يكون مادياً وروحياً، وهذا يجب أن يكون في كل منحوتة. وفي معارضه المتعددة، يقول الفنان سامي الرفاعي، إن ما يميز منحوتتي هو الضوء، لأنني «أنحت الضوء كما أنحت المادة». والجمهور أمام أعمالي يتساءل: هذه المنحوتة هل هي الضوء، أم هي المادة؟.. ومن هنا يرى الجميع أثر بعلبك عندي، مثلاً وجدت أخشاباً جميلة في بعلبك مطمورة منذ أيام، «سفر برلك»، والأخشاب هذه قاسية جداً، لأن أهل بعلبك كانوا يخفون الخشب عن الأتراك، الذين كان يقضون على كل من يحمل خشباً، لأن الخشب كانوا يعتبرونه مادة عسكرية تسيّر القطارات. أخشاب قاسية مطمورة يقول الفنان النحات سامي الرفاعي: وجدت هذه الأخشاب مطمورة في التراب، ووجدت أنها تتميز بقسوتها وجبروتها، لأن «البعلبكي» كان يطمرها في الماء لمدة سنة، ثم يعيدها إلى الأرض، فمن هذه الأخشاب صنعت منحوتتي رسالة إلى أمي»، وموضوع «صراخ الجسد»، أنشأته على هذا الخشب أيضاً. فاخترت للموضوعات الصلبة والقاسية والحازمة، مادة صلبة وقاسية أيضاً، واخترت للموضوع اللين والطري مثل «الحفر أو الحياء»، مادة ناعمة لينة، وإن كنت أفضّل الأولى القاسية والمتماسكة، فأنا في بحث دائم ومستمر عن المادة الصلبة التي توازي قدرتي وخيالي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©