الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الأم الصديقة» تعزز ثقافة الأسرة بتقبل الحياة مع طفل معاق

«الأم الصديقة» تعزز ثقافة الأسرة بتقبل الحياة مع طفل معاق
18 يونيو 2011 20:03
ذوو الاحتياجات الخاصة في حاجة ماسة إلى رعاية متميزة، ودعم وتأهيل وخطط دمج تتفق وطبيعة إعاقتهم وفق استراتيجية عامة تتبناها الدولة على صعيد الأسرة والمؤسسات التعليمية والمجتمع بأسره، تنطلق من رؤى تربوية واجتماعية وإنسانية شاملة، وترجمة هذه الفلسفة لم تهمل بالضرورة أولئك المعنيين بالرعاية المبكرة لهذه الفئة، وفي مقدمتهم الأمهات اللاتي يحتضن هؤلاء الأبناء بعطائهن وجهودهن. ومن ثم كانت مبادرة «الأم الصديقة» التي أطلقتها مؤسسة زايد العليا للرعاية الإنسانية وذوي الاحتياجات الخاصة، ممثلة بمركز أبوظبي للرعاية والتأهيل لتوعية الأهل بأهمية التدخل المبكر، ونشر الوعي بين أبناء الأسر بتقبل وجود طفل معاق بينهم، وكيفية دمجه في المجتمع وتوفير احتياجاته الضرورية. إذا كانت عملية التنشئة الاجتماعية السليمة تحتاج تضافر كل الجهود الأسرية والمجتمعية لإعداد وتربية جيل قويم، فإن الأمر يصبح أكثر تعقيداً إن تعلق بطفل معوق، وتبرز الحاجة إلى أهمية توعية وتأهيل المعنيين بالرعاية المبكرة بدءاً بالأم وانتهاء بجميع أفراد الأسرة، لأن عملية التكفل بفئة الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة تتسم بصعوبات عديدة، وتحتاج مزيداً من الوعي والثقافة والجهد، كما تتطلب توفير كوادر مؤهلة في مجال التربية الخاصة ليصبحوا مستعدين لتحقيق تلك الأهداف، وقادرين على احتواء وتربية وتأهيل وتمكين هذه الفئة من الاندماج الكامل في المجتمع. ونظراً للمتطلبات والاحتياجات المتكررة سواء على الجانب النفسي أو الجانب الصحي والمعرفي، أو الجوانب المتعلقة بالحياة اليومية الأخرى التي يتميز بها الأطفال ذوو الاحتياجات، والتي تسند بصفة مباشرة إلى الأمهات والمربين المشرفين على التكفل بهم داخل المراكز المتخصصة، ومع زيادة المهام الملقاة على عاتق المربين ونقص الدعم الاجتماعي المشجع، أصبحت عملية التكفل تشكل نوعاً من الضغوط على المربين. وانطلاقاً من هذه الفلسفة، بادرت مؤسسة زايد العليا ممثلة بمركز التدخل المبكر في مركز أبوظبي للرعاية والتأهيل، نحو إطلاق مبادرة «الأم الصديقة». البرنامج التدريبي تشير هيا عبدالله بني حماد، مديرة مركز أبوظبي للتأهيل، إلى أهداف المبادرة، وتقول:»لقد تمت صياغة أهداف محددة تنسجم واستراتيجية دمج الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع، وإعداد برنامج تدريبي خاص بالتعاون مع مجلس أمهات منطقة أبوظبي التعليمية، والمبادرة تسير في اتجاهين بالتوازي، الأول خاص بجانب التعليم الأكاديمي، والثاني بالتدريب واكتساب المشاركات للخبرات العملية المتعددة، وذلك من خلال تمكين الأم من تنمية قدراتها، وكيفية تكوين علاقة إيجابية مع ابنها المعاق، وكيفية توفير الجو الأسري الهادئ المستقر، وكيف تعمل على إحاطة بيئية تبعث فيه الحماس، دون أن تهمل معرفة قدرات الطفل، وفهم سيكولوجيته بشكل صحيح وعدم الضغط عليه بطلبات تفوق إدراكه وقدراته، والاستفادة من برامج التأهيل المعطاة له بشكل أكثر فاعلية حتى تحقق نتائجها المرضية». مجموعة «ساند» الدكتورة عبلة رشدي مرجان رئيسة شعبة التدخل المبكر في مركز أبوظبي للرعاية والتأهيل، توضح مدى الحاجة إلى مثل هذا النوع من المبادرات، وأهمية المشروع، وتقول:»ما من شك في أن أسر ذوي الاحياجات الخاصة يواجهون صعوبات وتحديات نفسية واجتماعية ومعرفية وثقافية عديدة، تتمثل في عدم الإلمام بقدر كاف من الخبرات وثقافة التعامل مع الطفل المعاق، وهذه الفئة ـ سواء أفراد الأسرة أو المعاق نفسه ـ ذات سيكولوجية خاصة، ومع اتساع المسافة بين ما يحتاجه ويطلبه الأطفال المعاقون، وما يقدمه أحد أفراد الأسرة ولا سيما الأم أوالمربي، يجد هذا الأخير أنه غير قادر على المزيد من العطاء نظراً للاستنزاف المتزايد من الجهد، أو ينتابه الإحساس بسلبية أدائه، وهو ما يطلق عليه عادة «الاحتراق النفسي». فهناك نوعان من الآباء أو الأمهات، الأول يغلب على إحساسهم الشعور بالذنب أو بالنقص تجاه الابن، ويغلب على تصرفهم معه فيه نوع من التدليل والحماية الزائدة. والنوع الثاني يغلب على إحساسهم الشعور بالرفض وعدم القبول فتكون تصرفاتهم معه بخشونة وعنف أو لامبالاة. وفي كلتا الحالتين خطأ، لأنه ينعكس بشكل مباشر أو غير مباشر على سلوكهم نحو الطفل، فيسبب ذلك له اضطراباً في نموه الانفعالي بكل تأكيد. فضلاً عن نقص الجانب المعرفي بثقافة التعامل مع الطفل المعاق، ونقص خبرات التأهيل والتعليم، وهي كلها عوامل تعيق عملية دمجه في المجتمع بشكل طبيعي». وتكمل الدكتورة مرجان: «من هنا كانت مبادرة «الأم الصديقة» التي تهدف إلى إكساب هؤلاء الأمهات خبرات التقبل والتعامل وتأهيل الابن المعاق، وتبادل الخبرات بين الأمهات والأسر التي تضم طفلاً من ذوي الاحتياجات الخاصة، وبينهن وبين سواهن من أمهات الأطفال الأسوياء، وتعزيز الشعور بقدرة أولادهن المعاقين على الاندماج والانخراط في المجتمع، وتوفير احتياجاتهم بالتعاون الإيجابي بين الأسرة والمؤسسات والجهات المعنية الأخرى، ونشر الوعي بين أفراد المجتمع كافة، بما يمكن أن يقدموه من دعم ومساندة فاعلة لهذه الفئة، ولقد بدأنا في هذه المبادرة ـ في مرحلتها الأولى ـ باستهداف 16 أماً، أطلقن على أنفسهن اسم «ساند»، ليكنّ نواة لغيرهن من الأمهات، وليشكلن فريقا لدعم الأمهات الجدد ممن لديهن أطفال من ذوي الإعاقة، ومن ثم ينقلن تجاربهن إليهن، إلى جانب فريق من المتطوعات للعمل كمدربات في وحدة التدخل المبكر، فشعبة التدخل المبكر في المركز تخدم 115 طفلاً وطفلة من مختلف فئات الإعاقة في المرحلة العمرية التي تمتد من مرحلة ما بعد الولادة وحتى عمر 5 سنوات، وتتجه المؤسسة في المرحلة الثانية من المبادرة إلى ضم فريق جديد من الأمهات العاملات في مؤسسات مختلفة مثل صندوق الزواج، ومؤسسة التنمية الأسرية، والاتحاد النسائي العام، ومؤسسة اتصالات، وبلدية أبوظبي، والشرطة المجتمعية، ووزارة الصحة وشركات البترول». المناخ الأسري وترى نورة محمد الخضر، سفير ذوي الاحتياجات الخاصة أن من الأهمية بمكان إشاعة المناخ الأسري والمجتمعي الذي تسوده روح المحبة والتفاهم والتعاون بما يعطي الطفل المعاق شعوراً بالأمان، ويحميه من القلق والصراعات الانفعالية والاضطرابات النفسية. ومن المهم أن يهتم الوالدان ببقية الإخوة أيضا حتى لا تظهر علامات الغيرة منهم له، وتزداد محبتهم له فيهبوا لمساعدته وإشراكه في ألعابهم في حدود قدراته، وبذلك يمكنهم قبوله معهم دون أن يحرجوه أو يملوا منه. وفي مثل هذه الدورات تتاح للأمهات ـ على سبيل المثال ـ خبرة ومميزات عملية الدمج، وكيف يكون الأطفال المعاقون أعضاء فاعلين في المجتمع، فدمج الأطفال المعاقين في المدارس مع أقرانهم غير المعاقين سيساعدهم على تكوين صداقات، وسيزيد من إحساسهم بالانتماء إلى المجتمع، الأمر الذي سيؤدي إلى تحفيزهم، وتنمية قدراتهم من ناحية، ويغير من ناحية أخرى، نظرة الأطفال غير المعاقين إلى الإعاقة، حتى تترسخ قناعات جديدة بأن المعاقين أيضا يمتلكون القدرات التي تؤهلهم للاعتماد على أنفسهم. فالدمج المدرسي هو عملية تهدف إلى تحقيق الدمج الاجتماعي والتعليمي للأطفال المعاقين وتمكينهم من الالتحاق بالمدارس ورياض الأطفال العادية مع غيرهم من الأطفال غير المعاقين، مما يوفر لهم بيئة تربوية ومعيشية أقرب ما تكون إلى البيئة الطبيعية». آراء وشهادات نورا الأحمد «ربة بيت»، ـ وهي أم لطفلة من ذوي الاحتياجات الخاصة وانخرطت في دورة «الأم الصديقة»، وكُرمت لتفوقها ـ تضيف:»إن التعامل مع الطفل المعاق ليس بالأمر الهين، وقد ينقصني وينقص غيري من الأمهات كثير من الخبرات الضرورية اللازمة في كيفية التعامل معه، أو تعليمه وإعداده ومن ثم دمجه في المجتمع، ولم أتردد في الانخراط في مثل هذه الدورة، إنها مبادرة هائلة استفدت منها ومن برامجها بشكل مباشر، من خلال آراء وخبرات المختصين، وما تلقيته من دروس نظرية وعملية وورش عمل ومحاضرات، ومن خلال تبادل الخبرات مع أمهات أخريات، كذلك مع أمهات لأطفال أسوياء شاركن في هذه الدورة». وتكمل «أم عبد العزيز خالد»، ـ وهي أيضاً أم لطفل معاق ـ وحاصلة على المركز الثاني في الدورة:»إن هذه الدورة إنما هي خطوة في الاتجاه الصحيح، ومهما اكتسبت الأمهات من خبرات شخصية، يكتشفن أنهن في حاجة ماسة إلى تبادل الخبرات والدروس، ولم أكن أتصور أن عملية تأهيل طفل معاق بشكل سليم تحتاج كل هذه الجهود والثقافة الذاتية. إن التعامل مع الأسوياء يحتاج خبرات عديدة، فكيف يكون الأمر إذن إن كنا نريد أن نتعامل مع أبنائنا المعاقين وندمجهم في المجتمع بأسلوب علمي ومتحضر وراق؟ لقد استفدنا الكثير، وأشعر بأننا مازلنا نحتاج المزيد من هذا الوعي وهذه الخبرة، وبدوري أدعو كل الأمهات للانخراط في مثل هذه المبادرات الإيجابية». اكتساب المهارات والخبرات أشادت موزة المنصوري، الأخصائية الاجتماعية المشاركة في برنامج المبادرة ضمن مجلس أبوظبي للأمهات، بمبادرة «الأم الصديقة»، وتقول:»نحن نعلم مدى حاجة مثل هؤلاء الأمهات لثقافة التعامل مع الطفل المعاق، وما يستلزم ذلك من خبرات نفسية واجتماعية ومهنية، كما أن كثيراً من أمهات الأطفال الأسوياء تنقصهم أيضاً هذه المهارات والخبرات، وتأتي هذه المبادرة لاكتساب الرؤى والخبرات ومهارات التعامل مع الأبناء المعاقين، ومن ثم تنقل هذه الخبرات إلى الغير، والمجتمع، وهي في الأساس تسهل وتعزز ثقافة التقبل والتعايش والتأهيل والتعليم والدمج المجتمعي. فالطفل المعاق يحتاج المزيد من الحب والتشجيع والدعم، وعلى الوالدين أن يساعدا الطفل على تحقيق النجاح، فإن لم يكن بوسعهم ذلك، فكيف يساعده الآخرون؟ فالطفل بشكل عام ينجح إن لمس منا التشجيع، ويزداد اطمئناناً إلى العالم من حوله ويزداد شعوره بالثقة في قدراته لقهر مشكلته، ومن ثم تنجح عملية الدمج التي نتوخاها لكافة الأبناء من ذوي الاحتياجات الخاصة».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©