الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

احتجاجات «تقسيم»... لن تكون الأخيرة

16 يونيو 2013 23:55
سولي أوزيل أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية بجامعة قدير هاس في إسطنبول كانت الرائحة اللاذعة للغازات المسيلة للدموع ما زالت عالقة في هواء حديقة جيزي في إسطنبول عندما عبرتها وعائلتي بعد منتصف الليل بقليل يوم الأربعاء. كان الوضع هادئاً نسبياً تحت أشجار الحديقة فيما يبدو استراحة مؤقتة بين حلقات من مسلسل الاضطرابات. وكانت الشرطة قد استعملت الغازات المسيلة للدموع في الحديقة يوم الثلاثاء وأخلت ساحة «تقسيم» المجاورة من المحتجين باستعمال خراطيم المياه، ما أدى إلى تفريق الآلاف من المحتجين المذعورين، وحمل الكثير منهم على اللجوء إلى فندق ديفان المجاور. وصباح الأربعاء، اعتصم المتظاهرون المتحدون للحكومة في الحديقة من جديد -حيث يعترض بعضهم على مخطط حكومي يقضي باستبدال الحديقة بمركز تسوق، في حين يحتج آخرون على العنف الذي استخدمته الشرطة، ولكنهم يشتركون جميعاً في الغضب من نموذج الحكم السلطوي على نحو متزايد الذي يتبناه أردوغان. واليوم، وبعد أن خفف أردوغان موقفه من مشروع تطوير الحديقة -وفي وقت دعمت فيه حافلات الشرطة المصطفة على طول شوارع إسطنبول تهديده بمزيد من المواجهة- يبدو أن الاحتجاجات التي شهدتها تركيا منذ نهاية مايو قد أخذت تخبو. غير أن هذه النتيجة لا تعني نهاية اضطرابات البلاد بشكل كامل. والحال أن الجهود الرامية إلى تفسير ما حدث في تركيا خلال الأسابيع القليلة الماضية دفعت البعض إلى استدعاء عدد من الأحداث التاريخية المماثلة. فهل ما يحدث في تركيا حالياً يشبه ما حدث في فرنسا عام 1968؟ أم أنه يشبه حركة «احتلوا وول ستريت» الأميركية؟ أم هو نسخة أخرى لـ«ميدان التحرير» وامتداد لـ«الربيع العربي»؟ وهل الدولة التي كان يفترض أن تكون نموذجاً للعالم العربي الجديد باتت تحاكي، بدلاً من ذلك، أنظمة الزعماء الذين تم خلعهم في ذلك العالم؟ شخصياً، أرى مثالاً مختلفاً: «الحركة الخضراء» الإيرانية قبل أربع سنوات. ذلك أنه على غرار تركيا، كان معظم المحتجين الإيرانيين متعلمين ومن الطبقة الوسطى التي تسكن المدن. ولكن النظام هاجم المظاهرات السلمية بكل الوسائل القمعية التي في حوزته، وكانت النتيجة سحق الحركة وبقاءه في السلطة. وفي يوم الجمعة الماضي فقط تمكن الناخبون الإيرانيون من انتخاب خلف للرئيس نجاد؛ ومع ذلك، فإن الاختيارات التي كانت أمامهم اقتصرت على المخلصين للمرشد. تركيا، بالطبع، مختلفة عن إيران من حيث إنها مجتمع منفتح تجرى فيه انتخابات حرة ونزيهة؛ وحكومته تعتمد على الدعم الشعبي. ولكن يبدو أن أردوغان سيخرج من هذه الاحتجاجات من دون خسائر على صعيد كتلته الناخبة. كما أنه لا يوجد منافس قوي لحزب «العدالة والتنمية» الحاكم. ولذلك، فإنهم واثقون من أنهم سيحافظون على سيطرتهم -في الوقت الراهن على الأقل. غير أن احتجاجات حديقة جيزي والمظاهرات التي فجرتها في مدن تركية أخرى أضعفت شرعية حزب «العدالة والتنمية» في الخارج والداخل. وهكذا، لم يعد باستطاعة «العدالة والتنمية» أن يقدم نفسه للعالم الخارجي على أنه حزب مصمم على إنشاء نظام ديمقراطي ليبرالي قائم على حكم القانون. أما داخل تركيا نفسها، فقد خسر الحزب بعض مصداقيته بين أولئك الذين دعموه في الماضي في مواجهة الجيش، وفي أعين الطبقة الوسطى التي غذاها ورعاها. والواقع أن أردوغان، الذي استفاد من عقود من التحرير الاقتصادي وعملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، نجح في رفع الدخل القومي ورخاء الأتراك بشكل ملموس. كما دفع بإصلاحات زادت من إمكانيات الوصول إلى السكن والرعاية الصحية والتعليم. ونتيجة لذلك، شهدت تركيا في عهده انفجاراً حقيقياً للطبقة الوسطى -مع ما يرافق ذلك من فردية ونزعة استهلاكية. غير أن جزءاً من هذه الطبقة الوسطى، العلمانية بشكل رئيسي، هو الذي يشعر بالغضب اليوم أكثر من غيره من جوانب أخرى من أجندة الحزب الحاكم. وهكذا، ثار الجمهور في المدن -وهو الذي لطالما كان هادئاً ومفتتاً- ضد تعسف الحكومة. وقد انفجرت مشاعر الغضب من النزعة السلطوية المتزايدة لرئيس الوزراء، وضد الجهود الرامية إلى إقصاء الناس من المشاركة في القرارات التي تؤثر على حياتهم. على أن مشاعر الاستياء تعود أيضاً إلى التكاليف الاجتماعية لسياسات حزب «العدالة والتنمية» الاقتصادية و«تحمسه الجنوني» للبناء. ويمكن القول إن مشاركة مجموعات من المناطق الأكثر فقراً من إسطنبول، إضافة إلى مشاركة أنصار نوادي كرة القدم، تمنح الحركة الاحتجاجية هوية عابرة للطبقات. وأخيراً، فإن الحركة تعكس مقاومة لمحاولات تقنين الحياة الاجتماعية والخاصة -ومن ذلك مثلاً فرض مزيد من القيود على المشروبات الكحولية وعلى الإجهاض ودعوة النساء إلى إنجاب ثلاثة أطفال على الأقل. ومن خلال احتجاجاتهم، أظهر الأتراك أنهم يسعون إلى إعادة تعريف مفهوم المواطنة وتوسيع الفضاء الليبرالي- الديمقراطي في الحياة السياسية للبلاد. فالمتظاهرون، وخاصة في ساحة «تقسيم»، تحدوا فهم أردوغان الضيق للديمقراطية. كما أن تشكيلتهم المتعددة بشكل استثنائي تختلف مع تعريف «العدالة والتنمية» الديني والثقافي التقييدي للمواطنة والمجتمع. إن هذه الحركة المدنية العفوية واسعة النطاق التي لا انتماء سياسياً لها غير مسبوقة في تركيا؛ وتعكس نزعات اجتماعية راسخة لن تختفي حتى وإن تم قمعها في الوقت الراهن. وعاجلاً أم آجلاً، ستجد لها متنفساً سياسياً. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©