السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الجيش الأفغاني ومسؤولية البناء الذاتي

الجيش الأفغاني ومسؤولية البناء الذاتي
14 فبراير 2009 01:54
فيما يريد الرئيس باراك أوباما إرسال 30 ألف جندي أميركي إلى أفغانستان لتعزيز الأمن والتصدي للمسلحين، تعهد الألمان من جانبهم بتوفير أموال إضافية لإنجاح مهمة حلف شمال الأطلسي، وتولى البولنديون الإشراف على إحدى المحافظات، بل حتى الهولنديون يفكرون في الاحتفاظ ببعض قواتهم في ساحة القتال· ولا شك أن كل ذلك يعتبر أموراً إيجابية طالما يدرك الجميع أن أي حل بعيد الأمد لمشاكل أفغانستان الأمنية لا يكمن في عدد الجنود الذين يتم إرسالهم من قبل أميركا، أو أوروبا، بقدر ما يكمن في عدد الجنود الذين يمكن العثور عليهم في تلك البقعة الصحراوية التي تبعد بحوالي نصف ساعة عن العاصمة كابول· ففي تلك المنطقة، ينتصب مبنى مركز كابول للتدريب العسكري الذي يلعب دوراً مهماً في إعداد الجنود الأفغان، وإن كان المقر نفسه لا يوحي بذلك، حيث تتوزع الأقسام الدراسية وبعض الثكنات المتفرقة والبسيطة يتوسطها ميدان للرماية، بالإضافة إلى المتدربين أنفسهم الذين يتلقون دروساً أولية في الكمبيوتر· وخلال زيارتي الأخيرة للمركز في فصل الخريف الماضي تحدثت إلى أحد الطلبة المتدربين الذي تعلم التخاطب بـ''إنجليزية'' طليقة عندما كان في إيران مع أسرته لعشر سنوات، وقـــد أخبرني الطالـــب بأنه يتوق إلى استكمال دراستــــه في الولايــــات المتـــحدة مظهراً تفاؤلاً كبيراً بالمستقبل، لكن بالطبع لم يكن هذا الطالب سوى استثناء بين زملائه الذين بالكاد يعرفون مبادئ القراءة، كما أن العديدين منهم اعتادوا افتراش الأرض في منازل طينية قبل أن يصلــوا إلى هذا المركـــز· ومع ذلك، يمثل هذا الانتقال من حياة فقيرة إلى أخرى أفضــل فرصة للترقي الاجتماعي من ناحية، ولتوفير الظروف المواتية لاستتباب الأمن من ناحية أخرى، وهي فرصة أيضاً لتعزيز صفوف الجيش الأفغاني والرفع من قدراته القتالية وإن كان بعض السياسيين في واشنطن ما زالت تساورهم شكوك حول دواعي المزيد من بناء الجيش الأفغاني والجدوى من تأهيله· فقد وصل عديد الجيش الأفغاني في الوقت الحالي إلى 80 ألف جندي، ويستطيع مركز التدريب العسكري أن يستضيف في أي وقت ما لا يقل عن خمسة آلاف متدرب يخضعون لدروس مكثفة تمتد ما بين عشرة إلى 16 أسبوعاً، ولتحفيز المزيد من المتطوعين على لالتحاق بالجيش وتقليل نسبة الفارين من صفوفه أُدخلت تحسينات على المركز، حيث أُقيم محل للصرافة حتى يتسنى للجنود إرسال حوالات إلى أهاليهم في المناطق البعيدة، بالإضافة إلى ملعب لكرة القدم· وفيما يدرس البعض إمكانية رفع عدد الجنود الأفغان إلى 130 ألفاً، إلا أنني أعتقد أنه يجب التطلع إلى أكثر من ذلك؛ لأن مستقبل الأمن في أفغانستان يقع على عاتق هؤلاء الجنود وليس على الأميركيين وقوات حلف شمال الأطلسي المتنشرة حالياً في ربوع البلاد، بل إن نجاح الغرب في إنهاء المهمة في أفغانستان يعتمد -أكثر من العراق- على استكمال تدريب القوات المحلية وتجهيزها لمواجهة التحديات القادمة· صحيح أن أغلب ما يجري في المركز لا يتعدى المبادئ الأولية للتجنيد كالتدريب على الرماية وتعليم الانضباط العسكري وطاعة الأوامر، لكن الأفغان، عكس ما شهدناه في العراق، لا يعارضون مبدأ القتال والزج بأنفسهم في المعارك، فهم يرون الانخراط في صفوف الجيش كخطوة إلى الأمام في حياتهم، وكفرصة للترقي على عكس العراقيين· ويبقى الأهم من التدريب العسكري في تكوين الجنود والضباط هو إخضاعهم لبرامج التعليم المدني، حيث يساهم المدربون الأفغان في تعليم الجنود أموراً عن الهوية الوطنية والواجب الأخلاقي، وهو ما عجزت عن تقديمه المؤسسات الأفغانية الأخرى ليبرز الجيش كمؤسسة محورية ستنهض بمسؤولية مهمة وحيوية في رسم مستقبل البلاد· وفي هذا الإطار أيضاً تبرز أهمية الهوية المشتركة التي يساهم الجيش في تشكيلها، لاسيما في البيئة الأفغانية التي تتميز بالتنوع العرقي بين المكونات المختلفة: الطاجيك والهزارة والبشتون والأوزبك وغيرهم، ومن شأن المؤسسة العسكرية أن تربي في الجنود الشعور الوطني والتفاني في الدفاع عن البلاد بهوياتها المتنوعة· وقد جُرب من قبل الاعتماد على الجيش في بناء الكيانات الوطنية وتعبئة الناس للالتفاف حول مشروع الدولة كما كانت عليه الحال بالنسبة لتركيا التي لعبت فيها المؤسسة العسكرية دوراً ملحوظاً في بناء الدولة· ولا ننسى أيضاً الجوانب الأخرى التي تدفعنا للمطالبة بتوسيع مهام الجيش الأفغاني مثل التعدد اللغوي والعرقي وصعوبة السيطرة على بلاد شاسعة، وهو ما تؤكده التجربة التاريخية وتعثر القوات الغازية على مر العصور في بسط سيطرتها على أفغانستان، لكن عندما تعاونت الولايات المتحدة مع حلفائها داخل البلاد سواء تعلق الأمر بالمجاهدين خلال الثمانينيات، أو بتحالف الشمال في ،2001 تمكنت من تحقيق النجاح ودحر خصومها· وبخلاف ذلك النجاح الذي أُحرز في البداية تواجه قوات التحالف حالياً صعوبات كبيرة بسبب تضاعف عدد الضحايا المدنيين بسبب العجز عن التفريق بين اجتماع لـ''طالبان'' وحفل زفاف عادي، وبالطبع لن يصعب التمييز بين المناسبات الاجتماعية وتحركات العدو في حال وجود جيش محلي مطلع على ثقافة الناس ويتكلم لغتهم· وبالطبع يفترض في وضع مثالي أن تقوم الحكومة بدور المشجع على الوحدة الوطنيــــة، بل إنــــه كان من الأفضل لو ترأس حميد كرزاي باعتباره رئيساً لكـل الأفغان هذا الجهد، لكن البيروقراطية الحكومية عاجزة عن الاضطلاع بدورها ليبقى الجيش الأفغاني المؤسسة الوحيدة التي يمكن التعويـــل عليهـــا في صـــوغ مستقبل أفغانستان· آن أبلباوم محللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©