الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حدود سوريا المضطربة... لاجئون وكمائن

حدود سوريا المضطربة... لاجئون وكمائن
16 يونيو 2012
أقدم محمد حمد، أحد سكان بلدة عرسال النائية والواقعة في شمال شرق لبنان، على مجازفة كبيرة هذا الأسبوع حين حاول قيادة مركبته إلى سوريا وتهريب الديزل إلى لبنان. ولكنه لم يفلح في مسعاه حيث قُتل في الحدود على الجانب اللبناني في كمين نصبه الجيش السوري - حادث فجر اشتباكاً مسلحاً خطيراً بين الجنود والسكان الغاضبين في هذه البلدة السنية، التي أضحت قاعدة لدعم معارضي نظام الرئيس السوري بشار الأسد. ويقول علي الحجيري، عمدة عرسال: "إن ما حدث لحمد هو أحدث مثال فقط لدخول القوات السورية إلى لبنان وقتلها لشعبنا". حمد لم يكن أول شخص من سكان "عرسال" يموت على أيدي القوات السورية العام الماضي. غير أنه وسط ارتفاع العنف على الحدود الشمالية للبنان خلال الأسابيع الستة الأخيرة، أثار موته حفيظة سكان يتبعون قواعد قبلية صارمة ولا يقيمون وزناً لسلطة دولة لبنانية يقولون إنها لطالما تجاهلت احتياجاتهم. الحكومة اللبنانية، التي تتألف بشكل رئيسي من حلفاء لدمشق، تتبنى سياسة تقوم على النأي عن الأزمة في سوريا، حيث رفضت التعبير عن انتقادات قوية لعمليات إطلاق النار عبر الحدود من قبل الجنود السوريين، وعمليات اختطاف اللبنانيين، وتوغلات الجيش السوري داخل الأراضي اللبنانية، ولاسيما في المناطق البرية المقفرة غير الخاضعة لمراقبة السلطات شرق وشمال "عرسال" حيث يعيش بعض رعاة الماعز في مساكن متفرقة. غير أنه في وقت أخذت تمتد فيه اضطرابات سوريا عبر الحدود، متسببة في اقتتال طائفي في طرابلس وشعور بالقلق بين اللبنانيين الذين يخشون أن يكون القادم أسوأ، باتت السياسة الحكومية تتعرض لضغوط متزايدة. والأسبوع الماضي، وفي انتقاد نادر للسلوك السوري، اتهم صقر صقر، رئيس المحكمة العسكرية في لبنان، جنوداً سوريين بقتل علي شعبان، مصور قناة "الجديد" اللبنانية الذي مات جراء وابل من إطلاق النار بمحاذاة سوريا قبل شهرين. "عرسال"، التي تقع في واد ضحل تحيط به جبال كلسية قاحلة، لديها تاريخ طويل من المعارضة للنظام السوري. فمنذ بدء الانتفاضة السورية قبل عام، أضحت هذه البلدة نقطة تجميع للدعم السُني اللبناني لمعارضي النظام السوري، سواء كانوا لاجئين فارين من أعمال العنف، أو مقاتلين من الجيش السوري الحر، أو متطوعين لبنانيين للصراع المسلح، أو مهربي أسلحة يستعملون الجبال الوعرة غير الآهلة لنقل الأسلحة إلى بؤر ساخنة سورية. وعندما قُتل حمد، حمل العشرات من الشبان أسلحتهم وقادوا مركباتهم عبر الصخور الوعرة، حيث عبروا أنهاراً جافة ومنطقة شبه صحراوية نحو سلسلة جبلية تقع على بعد ستة أميال إلى الشرق من البلدة وتمثل الحدود وفيها ينتشر الجنود السوريون بكثرة. دامت الاشتباكات عدة ساعات وشملت نيران المدفعية الثقيلة والدبابات السورية. ويقول حسين الأطرش، وهو راع للماعز في منتصف العمر يعيش مع عائلته و400 رأس من الماعز في خربة داوود، وهي منطقة زراعية صغيرة معزولة وقريبة من الحدود: "لقد علقنا وسط المعركة"، مضيفاً "كان هناك رصاص يتطاير فوق منزلنا". الأطرش كان يرتدي دشداشة متسخة، وسترة تمويه عسكرية، وكوفية بيضاء وحمراء مربوطة حول رأسه. مرر يده الكبيرة على لحيته الرمادية بينما كان يجلس على الأرضية المفروشة بالسجاد في منزله وهو يعد الشاي. ويقول الأطرش الذي يملك منزلاً في عرسال: "إذا قدت سيارتك إلى الشرق من هنا، فإنهم (الجنود السوريون) سيطلقون النار عليك. فهذا أقصى حد يمكنك الذهاب إليه"، مضيفاً "إننا قلقون جداً ونخشى أن يأتي السوريون إلى هنا خلال الاشتباك المقبل. إنني أريد أن أرحل، ولكن ماذا سأفعل مع عنزاتي؟ إنها الوسيلة الوحيدة التي أكسب بها قوت يومي، ولكنني لا أستطيع أخذها معي". محنة الأطرش والرعاة القلائل المتبقين الذين يرفضون بشدة ترك منازلهم في" خربة داوود"، تبدو غير ذات أهمية كبيرة بالنسبة للحكومة اللبنانية. فالوجود الأمني الوحيد في المنطقة هو عبارة عن شرطيين يشعران بالملل في نقطة تفتيش صغيرة عند المدخل الشرقي لـ"عرسال". وكان جنود لبنانيون قد أُرسلوا إلى "خربة داوود" لوقت قصير عقب اشتباكات يوم الأربعاء، ولكنهم سرعان ما رحلوا. السلطات السورية تتهم الفصائل اللبنانية بتهريب السلاح إلى سوريا ومساعدة المقاتلين المنتمين إلى المعارضة السورية. وقد كان ثمة عدد من الحوادث التي يقال إن الجنود السوريين قاموا خلالها باعتراض سبيل مقاتلين ومهربي أسلحة بمحاذاة الحدود. وفي هذا الإطار، أعلنت وكالة الأنباء السورية التي تديرها الدولة "سانا"، الخميس الماضي، أن الجيش أحبط محاولة تسلل "إرهابيين"من لبنان، مضيفة أن عدداً منهم جُرحوا قبل أن يتراجعوا إلى الأراضي اللبنانية. والأسبوع الماضي، أفادت "سانا" بأن الجنود أحبطوا محاولة لتهريب أسلحة على متن أربع شاحنات من نوع "بيك آب" من منطقة عرسال إلى سوريا. وجاء هذا الادعاء بعد أربعة أيام على تجربة مروعة عاشها "نايف العود"، وهو من سكان "عرسال"، حين واجه جنوداً سوريين أثناء رحلة ليلية لصيد الأرانب برفقة أصدقائه في الجبال القاحلة على بعد بضع أميال إلى الشمال من البلدة. صديق العود، عبد الغني الجباوي، الذي كان واقفاً خلف شاحنة "بيك آب" من طراز شيفروليه بيضاء كان يبحث في الظلام بواسطة مصباح يدوي عن أرانب بينما كان رجلان في الخلف ينتظران ببندقيتين محشوتين. وفجأة امتلأ الجو الليلي بفرقعات وومضات نيران الأسلحة الأوتوماتيكية، فأحدثت الرصاصات ثقوباً في المركبة - وركابها الستة، حيث وقع الجباوي طريحاً على الأرض وقُتل على الفور، في حين داس العود، سائق المركبة، على دواسة البنزين هرباً من الكمين. ويقول العود، وهو ملقي في سرير بمنزله على أطراف عسقال: "لقد أطفأتُ الأضواء الأمامية للمركبة وقدت بأقصى سرعة ممكنة، ولكنهم واصلوا إطلاق النار على المركبة". نيكولاس بلانفورد عرسال - لبنان ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©