السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تركيا: إقرار «التعديلات» انتصار لـ «العدالة والتنمية»

تركيا: إقرار «التعديلات» انتصار لـ «العدالة والتنمية»
14 سبتمبر 2010 07:32
سكوت بيترسون إسطنبول صادق الناخبون الأتراك أول من أمس الأحد على 26 تعديلاً دستوريّاً في استفتاء شهد تنافساً كبيراً وجرى على وقع استقطاب وصراع كبيرين بين العلمانيين وحكومة "حزب العدالة والتنمية"، على نحو كشف عن عمق الانقسامات في البلاد. ومن خلال الاختيار بين ورقتي الاقتراع البسيطتين "نعم" و"لا" اختار 58 في المئة من الناخبين الأتراك التصويت لصالح التغييرات على الوثيقة التي يرجع تاريخ إقرارها إلى الانقلاب العسكري في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، هذا في الوقت الذي صوت فيه ضد التعديلات 42 في المئة فقط من الناخبين، وهو ما ترك هامشاً مهمّاً من الفوز يصل إلى 16 في المئة، متجاوزاً النسبة المتوقعة سلفاً في أغلب استطلاعات الرأي التي أجريت قبل موعد الاستفتاء. ومن أكبر الفائزين في الاستفتاء أردوجان، الذي يواجه بمعية حزبه الحاكم، "العدالة والتنمية"، الانتخابات العامة المقرر عقدها في السنة المقبلة. ولكن هذا الانتصار الذي حققه الحزب ذو الجذور الإسلامية لم يكن سهلاً على كل حال، حيث اضطر أردوجان إلى خوض معركة شرسة ومواجهة تحديات كبيرة من خصومه المتوجسين من أن التغييرات الدستورية المقترحة من شأنها تقويض المؤسسة القضائية وترسيخ سلطة "حزب العدالة والتنمية" بأيديولوجيته الإسلامية المعروفة. فالدستور الجديد بتعديلاته المقترحة يعطي صلاحيات أوسع للحكومة ويقدمها على القضاء الذي يرى العديد من الأتراك أنه هو الضامن الوحيد بعد الجيش للتقاليد العلمانية التي أرسى دعائمها مصطفى كمال أتاتورك عند تأسيسه لتركيا المعاصرة في عام 1923، وهي المخاوف التي ينفيها تماماً أردوجان الذي يصر على أن هذه التعديلات ضرورية لترسيخ الديمقراطية في البلاد وفقاً للمعايير الأوروبية المطالبة بإخضاع المؤسسة العسكرية للحكم المدني. وبالنسبة لـ"حزب العدالة والتنمية" يتعين إعطاء الأولوية للمؤسسات المنتخبة من الشعب والمعبرة عن إرادته مثل الحكومة والبرلمان، فيما تبقى المؤسسات الأخرى مثل القضاء والجيش خاضعة للإرادة الشعبية وليس العكس وذلك انسجاماً مع التقاليد المتبعة في الديمقراطيات العريقة في العالم. ووسط موجات تصفيق الجمهور الذي احتشد احتفالاً بنتيجة الاستفتاء قال أردوجان بهذه المناسبة: "لقد اجتزنا عتبة تاريخية على طريق تأسيس ديمقراطية متقدمة، وترسيخ سيادة القانون"، مضيفاً: "لاشك أن مؤيدي التدخلات العسكرية والانقلابات هم الخاسرون اليوم". والحقيقة أنه على رغم الفوز الواضح الذي تمخضت عنه صناديق الاقتراع لا يمكن إخفاء الانقسام الذي كان بيّناً أيضاً في بعض مراكز التصويت، لاسيما في إسطنبول، ففي مركز يوجد بمدرسة "سيهانجير" الابتدائية التي وصل فيها عدد المسجلين إلى خمسة آلاف ناخب قال المحامي "باريس أصلان" الذي جاء للإدلاء بصوته في الاستفتاء "إنه قرار مهم بالنسبة لمستقبل تركيا، لأنه يمثل الفرق بين الديني والعلماني، وبين الاستبداد والديمقراطية، ولذا اخترت التصويت بلا"، وأضاف "أصلان" أن التغييرات المقترحة على الدستور أعدها "الحزب الإسلامي" وقد جاءت بدون "مشاركة الناس". وبالطبع لا يمكن النظر إلى هذه التصريحات إلا في إطار الاستقطاب الأيديولوجي الذي لا يعبر بالضرورة عن الحقيقة الموضوعية، فالتعديلات التي اقترحها "حزب العدالة والتنمية" حسم فيها الشعب رأيه في استفتاء نزيه وشفاف. كما أنه لا يمكن القول إن الأمر جاء ضد الديمقراطية فيما الواقع يشير إلى أن التعديلات أتت لترسيخها. ولكن المحامي "أصلان" يعكس موقف الأحزاب القومية التي عارضت على مدى السنوات الثماني الماضية حكم "حزب العدالة والتنمية" وتحسرت على تراجع دور العسكر في المجتمع التركي، وقد صدم أنصارها لعجز القضاء عن الوقوف في وجه الحزب ومنع وصوله أصلاً إلى السلطة. وهذا التخوف العلماني يعبر عنه "أصلان" بقوله: "إذا كانت النتيجة هي نعم لصالح الدستور فإن أردوجان سيتوج ملكاً، وسيصبح الحاكم الوحيد في تركيا". ولكن في ذات المركز الانتخابي الذي تستضيفه المدرسة الابتدائية نفسها في إسطنبول تروج وجهة نظر مختلفة تماماً عن تلك التي عبر عنها المحامي "أصلان"، وهو ما يؤكده الطالب "عبدالحميد" الذي جاء بصحبة والدته التي كانت ترتدي حجاباً يغطي شعرها حيث يقول: "نحن نعتقد بأن التصويت لصالح التعديلات الدستورية يدعم العملية الديمقراطية في تركيا"، مضيفاً: "إننا مقتنعون بحزب العدالة والتنمية كما أننا مقتنعون بقائده أردوجان"، مشيراً إلى أن والده أيضاً لن يتأخر في الوصول إلى مركز الاقتراع للتصوبت بـ"نعم" على التعديلات الدستورية. وحتى لا تتفاقم حدة الانقسام والاستقطاب في المجتمع دعا الرئيس التركي، "عبدالله جول"، إلى الوحدة بعد الإعلان عن نتائج الاستفتاء قائلا: "من الغد فصاعداً يتعين على تركيا التوحد والنظر إلى المستقبل، نحن نعرف أن الشعب هو من له الكلمة الفصل في الديمقراطيات ولذا أود تذكير الجميع بضرورة التعامل مع النتائج بالاحترام والنضج المطلوبين". وقد سعى أردوجان خلال التجمعات التي سبقت الاستفتاء إلى تطمين الأتراك بأن التغييرات الدستورية لن تمس حياتهم، وأن الهدف منها هو تحديث البلاد وتحصينها من الانقلابات العسكرية انسجاماً مع المعايير التي وضعها الاتحاد الأوروبي. يُذكر أن "حزب العدالة والتنمية" أعاد تحريك الحملة التركية الممتدة لعقود طويلة من أجل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي الذي ساند بدوره التعديلات الدستورية. ولكن مع ذلك، وتبديداً للمخاوف، سعى أردوجان إلى تبديد مشاعر الشك لدى الأتراك من أنه يريد المزيد من السلطة لنفسه بعد إزاحته للنخب والدوائر التقليدية المتحكمة في السلطة والمتمثلة في الجيش والقضاء، حيث قال في هذا السياق خلال حوار أجرته معه محطة "سي. إن. إن" الأميركية يوم الأحد الماضي: "لم أرغب أبداً في أن أصبح سلطاناً جديداً، بل إننا نحاول اليوم من خلال هـذا الاستفتاء الإطاحة بكل السلاطين المتبقين في الحياة العامة التركية، ونحن ننظر إلى أنفسنا باعتبارنا خداماً لهذه الأمة وليس أسياداً لها". ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©