الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

هزة وجدان

هزة وجدان
3 يوليو 2014 02:07
علي بن تميم* عشتُ من أيسرِ حلِّ، وتشبَّهتُ بظِلِّ لستُ بالخِلِّ أُصا فيكَ، وما أنت بخِلِّ ربَّما يعتمدُ المر ءُ على العُضوِ الأثلِّ أيها الدنيا! لحاكِ اللّهُ من ربَّةِ دَلِّ ما تسلَّى خَلَدي عن كِ، وإن ظنَّ التسلِّي بدءا، لا بدّ من أن نميز بين الروحي والروحاني، حيث يقف الروحي في مقابل المادي أو الحسّي في الوهلة الأولى عندما نتأمل فيه، أما الروحاني فهو يتصل بالأدب مباشرة، غير أنني لا أقصد الأب الديني في المعتقدات المسيحية أو الإسلامية، إنما أقصد تلك التجربة في القراءة التي تجعل من الأدب على تماس روحي مع تجربة القارئ، وهذه التجربة فيها، من وجهة نظري، قَدْر كبير من الخصوصية، خصوصية الشاعر وليس الدين، وهذا ما يجعل الأدب الروحاني معبِّرا، أي أن ما يجعل الأدب روحانيا هي تلك الخصوصية التي تقوم بين الشاعر والطبيعة والتجربة الإنسانية العميقة، فالمقام الذي هو الأهم في هذا السياق هو مقام تلقٍّ وقراءة وليس مقام الفكرة الدينية. عندما نقرأ نصاً أحيانا فإننا نثقله بالسياقات التي نشأ فيها لكن نكتشف في ما بعد ومن خلال النص أن الروحانية قد لا تكون موجودة في هذه السياقات. ومن هذا المنطلق، على المبدع والقارئ أن يحذرا من الروحانية الذهنية الفارغة والمفرَّغة، فالروحانية هنا لا تعني جملة من الأدعية والابتهالات التي تحث على الفضيلة، بل تعني ذلك الالتقاء بين تجربتين: القارئ والمبدع، في سياقات قد لا تنتمي للدين بصلة. وبذلك فما يعتقده قارئ من القرّاء روحانيا قد لايقره قارئ آخر، ولعل أبرز مثال على ذلك هنا هو أننا نقيم مقارنة بين الروحانية في الشعر الصوفي والروحانية التي لدى أبي العلاء المعري كما في الأبيات الواردة أعلاه، إذ نلحظ في شعر الأخير قدرا أكبر من الخصوصية، بينما أِلغيت هذه الخصوصية في الشعر الصوفي من فرط التشابه الذي أصابه لأن صبوته واحدة وتنحصر في تمجيد الذات الإلهية فحسب. وعلى هذا المعنى فإن الصوفية قد عطّلت الخصوصية. أما المعري في شعره فهو يبحث عن الروحانية الدنيوية. أي أن الروحانية هنا لا تأتي لتطابق المادي بل للتعبير عن تجربة إنسانية خيضت دنيويا. إن التساؤل عن جوهر الشعري يوازي تساؤلا من نوع: كيف يمكن للشعر أن يعبر عن هذا البعد الحميمي والروحاني لهذا التجربة الدنيوية؟ تدفع قراءة أبياتا مثل هذه للمعري إلى اكتشاف أبعاد أخرى روحانية في تجربة دنيوية بينما نجد في نماذج من الشعر الصوفي ما يدفعك إلى العكس تماما حتى لو ادعى المؤلف ذلك. أما في الأكثر تميزاً من الشعر الصوفي، فقد تجد تمجيدا في الذات الإلهية يهزّ وجدانك العميق ما يعني أنه ليس لهذا السبب الديني أو ذاك قد حدث ذلك بل لأن الشعر في سياقات متعددة للقراءة منحك تلك الجمالية التي تهز الوجدان. في أبياته هذه يعبّر أبو العلاء المعري عن قيمة من القيم الإنسانية العليا، غير أن قراءتها في رمضان تجعلك تشعر بلذاذة أكثر في سياق روحاني واستعداد نفسي لتستقبل تلك الهزة الوجدانية في أفق القراءة. مدير البرامج في دار الكتب الوطنية*
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©