الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

جيفارا

16 يونيو 2012
لماذا قد يكون عالم مصاصي الدماء سِحراً وتنفيساً يغلب عليه التماهي مع استمرار القوى الأكثر فاعلية؟، بل وتفوقاً على عالم القوة المتمثل في شخصيات مثل هرقل وسوبرمان وحتى روبن هود، لكن بالتأكيد لم يتفوق بعد على نموذج مثل جيفارا. الإسقاط التَمَثُّلي للشخصيات الذي يحققه عالم مصاصي الدماء يأتي عبر المؤثرات التصويرية للسينما والتلفزيون، فمع تطور الأداء التقني أصبحت سهولة التعبير عن المكنون مرئية في نتائج حركية وأداءات متفوقة، ولم يعد التعبير عن المكنون مُفَكرٌ فيه فقط عبر جملة تُقال، أو تعابير مسرحية، ناهيك عن الرغبة في تغيير عالمنا الواقعي بتحولنا عنه، بما يُشابه تمنيات بعضنا مرات بنعمة النسيان، أو فقدان الذاكرة، أو الهجرة، أو العيش في مكان بعيد، أو ترك حياتنا فجأة وما نملك ومَن نحب والاختفاء، أو الانتحار، أو مراودتنا لتغيير ملامحنا تغييراً كلياً، أو امتلاك طاقية الإخفاء، أو العثور على المصباح السحري، أو هذا التمني المشهور بالموت بلا تعذيب عبر مرض أو حادثة ما. إن للتحول مضموناً مانحاً لقوة التخلص من ربق أوضاعنا السيئة سياسياً، بما للسياسي من معنىً اجتماعي غير كفوء لتصريف الحرية الوجودية تصريفاً يليق بموالاة كل فرد للاستمتاع بكونه وِلِد ليكون نفسه. الميراث الاجتماعي إسقاط ودَيْن، لذلك يُولد الناس وهم مُكبلون بما ليسوا هم بعد، ومن ثم تبدأ رحلة التحول عبر الأحلام، أكثر منها عبر واقعٍ نحن هو، وليس هو نحن. بالطبع تتعلق هذه المسألة والكلام عنها بالفترات السياسية الظالمة لمقدرات الفاعلية الإنسانية للحياة. وبالمناسبة؛ لقد أغرقت السياسة الحديثة في الـ 60 عاماً الفائتة آذاننا بالحريات والحقوق الشخصية والمدنية والإنسانية الجديدة، المتوافقة مع التطور الهائل للتجربة البشرية، حتى تحولت تلك الإنسانية ومراعاتها إلى عبودية أشر من أشكال العبودية التقليدية، إذ أصبحنا نراعي ما لا يراعينا، ونشأت الأحكام التصورية عبر مراقبة الكلام من خلال تصنيفات حادة، فمن الممكن مثلاً أن نقول أن كلمة “نجرؤ” العنصرية التي كانت تقال للسود في أميركا قد حظيت بقوانين تجريمية، لكن الإنسان نفسه دخل مرحلة عبودية رقابية حديثة قاسية، لا يُضاهى معها أيام كان مُستعبداً للخدمة القسرية. الصراع التمثيلي والإسقاطي الذي يدور بين مصاص دماء وإنسان، هو صراع من أجل الخلود، لا من أجل رغبات آنية. الإنسان لا يعرف إلا عالمه الذي تعود عليه، يحبه، يُثّمِّنه، لأنه متكون لديه عبر ميراث اجتماعي ديني، أي أن هناك قيما ما ينتمي لها ويحرسها عبر عقد تتم تهيئة شروطه الحياتية تأهيلاً لأبدية ما بعد الموت، مصاص الدماء يفلت من تلك اللعبة ويطرح الخلود على مرأىً منه، إنه لا يريد تسليم نفسه إلا لنفسه، ولو عبر مجتمع مصاصي الدماء المرهون والكافل لفرصة الأبد العيني. لذلك انتفت أهمية وقدرة اختبار “هرمان رورشاخ” - محلل نفسي سويسري - على المعالجة، اعتمد بعض بقع الحبر وبأشكال تناظرية، طالباً أن تتخيل ما الذي تشبهه هذه البقعة من الحبر، وتقوم أنت بإسقاط تقريبي لمخيلتك على الشكل، حتى يتوصل إلى جزء من تركيبتك. فلم تعد هناك من أمراض نفسية بعد، بل رغبات تحولية. amzf@live.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©