الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كازاخستان تسهم في ترميم المكتبة الظاهرية بدمشق

كازاخستان تسهم في ترميم المكتبة الظاهرية بدمشق
19 يونيو 2011 21:26
في الطريق المسمى بباب البريد، والمؤدي إلى الجامع الأموي الكبير، تقع المكتبة الظاهرية بدمشق، أقدم وأكبر مكتبة عرفت في بلاد الشام، وضمت نوادر الكتب والمخطوطات في شتى العلوم. ومنذ سنوات تبدي حكومة كازاخستان اهتماماً كبيراً بهذه المكتبة التاريخية، وتقدم منحة مالية لإعادة ترميمها بالتعاون مع الحكومة السورية. حكاية بطل تنسب المكتبة الظاهرية إلى السلطان الظاهر بيبرس، ولعل أهم ما فيها عدا كتبها الثمينة هو ضريحه القائم في القاعة المجاورة لمدخلها، وبتعبير أدق، فإن المكتبة قامت في تربة السلطان الظاهر، ونضدت خزائن الكتب حول قاعة الضريح نفسه. وحول سر اهتمام كازاخستان بهذه المكتبة. يقول الباحث أحمد السعيد، الحاصل على ماجستير في الدراسات الإسلامية، «الرئيس الكازاخستاني جاء لزيارة ضريح السلطان الظاهر بيبرس عام 2007، الذي يعتبره أهل كازاخستان «بلاد القبجاق» أحد أجدادهم العظام، رغم أنه عاش في الأرض العربية، وسطر بطولاته فيها». ويضيف «لهذا القائد العظيم قصة تشبه الأسطورة. فقد حملته معها إحدى غزوات المغول الوحشية كطفل مشرد، وباعه المغول في حماة، ثم نُقل إلى دمشق، حيث اشتراه أحد الأمراء، وقدمه هدية للملك الأيوبي نجم الدين أيوب الذي أعتقه، وعهد إليه بقيادة فرقة من المماليك لما رأى فيه من صفات عسكرية مميزة، فأصبح سلطاناً عظيماً قاد وحكم بلاد الشام ومصر والحجاز، وهزم الصليبيين في معركة المنصورة بمصر، وأسر ملكهم ألفونسو التاسع ملك فرنسا، كما هزمهم في أنطاكيا بعد احتلال دام أكثر من قرن، وكان نصره الأكبر في معركة (عين جالوت) بفلسطين، حين هزم جحافل المغول، وبذلك استطاع هزيمة الغزاة الذين جاؤوا من الغرب والشرق معاً، وحكم سوريا ومصر والحجاز سبعة عشر عاماً كانت أعوام مجد وانتصار وعزة». ويوضح «خلال حياته قرر السلطان بيبرس أن يبني مدرسة على طراز المدرسة الظاهرية التي بناها في القاهرة، لكنه توفي مسموماً قبل أن يكتمل البناء، فأكمله ابنه الملك السعيد في القرن السابع الهجري، ونقل جثمان والده إلى ضريحه الحالي في مدخل البناء، وافتتحت المدرسة الظاهرية كمدرسة ابتدائية رسمية سرعان ما ذاع صيتها». محتويات المكتبة يعود الفضل في تحويل المدرسة الظاهرية الابتدائية إلى أول مكتبة عامة في سوريا وبلاد الشام للشيخ والعالم طاهر الجزائري، الذي أقنع الوالي العثماني الإصلاحي مدحت باشا بجمع المخطوطات الموقوفة في مدارس دمشق ومساجدها في مكتبة عامة وطنية يكون مقرها المدرسة الظاهرية. وبعد أن حصل الجزائري على موافقة السلطان العثماني شرع مع ثلة من رجال العلم بجمع الكتب والمخطوطات من عشر مكتبات متفرقة، وتم إحصاؤها وتصنيفها وفهرستها ووضعت في خزائن قبة الملك الظاهر، وفتحت أبوابها للراغبين عام 1881م، ووصل عدد محتوياتها إلى 72 ألف كتاب و85 دورية قديمة، بينما بلغ عدد المخطوطات 13 ألف مخطوط قديم ونادر. وهكذا أصبحت مرجعاً لكل طلاب العلم وللباحثين والدارسين من كل بلاد الشام وغيرها من البلاد العربية. وقد عانى الشيخ الجزائري كثيراً في جمع الكتب والمخطوطات كما يذكر المختص الأستاذ محمد الطويل. وتتألف المكتبة من المدرسة الظاهرية والمدرسة العادلية، وفي عام 1920 عندما أسس المجمع العلمي العربي اتخذ من المدرسة العدلية مقراً له، حتى انتقل إلى مقره الجديد في حي المالكي بدمشق قبل عقود، لكن المكتبة لا تزال بملكية المجمع، وهي تتبع له، ويدير شؤونها. وقد تم نقل عدد من المخطوطات الثمينة والهامة إلى المكتبة الوطنية بدمشق عند تأسيسها في أوائل الثمانينيات، بينما احتفظت المكتبة الظاهرية بالمايكروفيلم الذي يسمح للباحثين بمراجعة المخطوطات المطلوبة. صرح عمراني يعتبر مبنى المكتبة الظاهرية من المباني الإسلامية المهمة في دمشق القديمة، وهو يتصف بالفخامة والرشاقة، وتميزه المقرنصات الحجرية على الواجهة والمدخل. كما تبرز فيه رخاميات الجدران في قاعة ضريح الظاهر بيبرس، وكتابات مزخرفة لآيات من القرآن الكريم. ويشير المختص بالآثار محمد الكايد إلى أن اللوحات الفسيفسائية في قبة ضريح الظاهر بيبرس تعتبر من أهم اللوحات الجدارية في العالم، بعد لوحة الجامع الأموي، وهي ذات قيمة فنية عالية، حيث تعبر عن موضوعين، الأول دمشق والغوطة الشرقية والغربية، أما الموضوع الثاني، فهو تخيلي يعبر عن رؤية الفنان لجنة عدن وأنهارها المذكورة في القرآن الكريم. ونظراً لأصالة المكان وأهميته، فإن عملية ترميمه وتحديثه جرت بدقة بالغة، أما فيما يتعلق بالمكتبة، فقد زودت بتقنيات معاصرة، حيث يقول الدكتور مروان المحاسني، رئيس مجمع اللغة العربية، إن هدف الترميم أن نعيد المكتبة الظاهرية إلى وظيفتها الأساسية كمكتبة مع التزام المرممين بالقواعد التراثية الهندسية والمعمارية للمبنى، مشيراً إلى أن الحكومة الكازاخستانية دخلت المشروع بغرض إعادة ترميم ضريح الظاهر بيبرس. وأكد أن المكتبة الظاهرية جزء من مجمع اللغة العربية، ولها قيمة أثرية وتراثية كبيرة. من جهته، يقول محمد الكايد، رئيس البعثة الأثرية التي أسهمت بالترميم إنها «شملت الأسقف والنقوش الأثرية والفسيفساء والخطوط الصدفية في قاعة الضريح، كما تم بناء وتشكيل القوس الحجري ليعود إلى شكله الأصلي. أما الباب الخارجي الذي يعتبر تحفة أثرية عمرها 150 عاماً، فقد تمت صيانته بشكل جميل». وتشير ناهدة تقي الدين، مديرة المكتبة الظاهرية، إلى أنه تم تجهيز قاعات المكتبة بتقنيات حديثة للمحافظة على الكتب والمخطوطات، كما استخدم الخادم الآلي لأتمتة الدوريات، وتم تركيب أجهزة تكييف وتهوية. ويمكن القول إن أعمال الترميم والتجهيز للمكتبة الظاهرية انتهت، وسيتم الاحتفال بتدشينها قريباً وبحضور مسؤولين سوريين وآخرين من كازاخستان.
المصدر: دمشق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©