السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التحول التكنولوجي.. والرقص في إعصار

20 نوفمبر 2016 22:13
تصويت بريطانيا لصالح الانسحاب من الاتحاد الأوروبي متبوعاً بانتخاب دونالد ترامب في الولايات المتحدة يشكّلان حدثاً سياسياً عملاقاً واحداً - حدث يجعل من 2016 سنة متميزة في التاريخ لا شك أنها ستظل موضوعَ بحث ودراسة لفترة طويلة. ولأن الأحداث السياسية الجسام لديها أسباب جسام، فقد بدأتُ قبل ثلاث سنوات الاشتغال على مشروع كتاب جديد حول ما يعتمل تحت السطح في العالم ويقلب أوضاع السياسة في بلدان كثيرة رأسا على عقب. ولكن جوابي يبدأ بسؤال: ما الذي حدث في 2007 وفي حدودها؟ ستيف جوبز و«آبل» طرحا أول هاتف آيفون في 2007، في ما مثّل بداية ثورة الهاتف الذكي التي باتت الآن تضع حاسوباً موصولاً بالإنترنت في كف الجميع على هذا الكوكب. وفي أواخر 2006، قرر «فيسبوك»، الذي كان مقتصراً على الجامعات والثانويات، الانفتاح على كل من يملك عنوان بريد إلكتروني قبل أن يعرف ذلك الانتشار الهائل عبر العالم. و«تويتر» ابتُكر عام 2006، ولكن إقلاعه كان في 2007. وفي العام ذاته، شرع «هادوب»، وهو أهم برنامج حاسوبي لم تسمع به من قبل، في توسيع قدرة أي شركة على تخزين وتحليل كميات هائلة من البيانات غير المنظمة، وهو ما عبّد الطريق لاحقاً للبيانات الكبيرة والحوسبة السحابية. وبالفعل، فـ«السحابة» لم تعرف إقلاعاً حقيقياً إلا في 2007. وقد يُنظر إلى 2007 مع مرور الوقت باعتبارها واحدة من أعظم نقاط التحول التكنولوجي في التاريخ، ولكننا تغافلنا عن ذلك تماماً. لماذا؟ السبب هو 2008. أجل، ذلك أنه في الوقت تحديداً الذي حققت فيه تكنولوجياتنا المادية تقدماً، عرفت الكثير مما يسميها عالمُ الاقتصاد بجامعة أوكسفورد إيريك بينهوكر «تكنولوجياتنا الاجتماعية» - أي كل القواعد والقوانين والمؤسسات والأدوات الاجتماعية التي يحتاج إليها الناس لجني أكبر قدرة ممكن من الفائدة من هذا التسارع التكنولوجي وتخفيف سلبياته وجوانبه السيئة - جموداً أو تأخراً. والواقع أنه في أفضل الأحوال تجد التكنولوجيات الاجتماعية صعوبةً في مواكبة التكنولوجيات المادية، ولكن مع «الركود الكبير» لـ2008 والشلل السياسي الذي تسبب فيه، تحوّلت هذه الفجوة الصغيرة إلى هوة. وفي تلك الأثناء، تضرر كثيرون. وكيف لا يتضررون؟ ذلك أن ما حدث في حدود 2007 هو أن قابلية الاتصال والحوسبة أصبحتا جد سريعتين ورخيصتين ومتاحتين في كل مكان لدرجة أنهما غيّرتا ثلاثة أشكال قوة، وكل ذلك في وقت واحد: قوة «الواحد»، وقوة الآلات، وقوة الأفكار. ذلك أن ما يستطيع الفرد أومجموعة صغيرة فعله الآن - قوة الواحد - من أجل صنع أشياء أو كسرها استثنائي حقاً. فعندما يريد ترامب قول شيء ما، مثلًا، يبعث برسالته من برجه في نيويورك مباشرة عبر «تويتر» إلى 15 مليوناً ونيف من متابعيه في أي ساعة من اليوم يريد. والشيء نفسه يقوم به تنظيم «داعش» من محافظة نائية في سوريا. واليوم كذلك، باتت الآلات قادرة ليس على هزم البشر في مسابقة «جيوبردي!» والشطرنج فحسب، ولكنها أخذت تبتدع وتبتكر حقاً، حيث تقدم تصاميم هندسية وغيرها، وتكتب قصصاً إخبارية وأغاني وأشعاراً لا يمكن تمييزها عن تلك التي يأتي بها البشر. إذا نظرت من أعلى، فسترى أن التكنولوجيا والعولمة، والطبيعة أيضاً (خاصة تغير المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، وتأثير نمو السكان)، تتسارع جميعها في الوقت نفسه وتغذي بعضها بعضاً: فالتطور في تكنولوجيا الحوسبة يؤدي إلى مزيد من العولمة، ومزيد من العولمة يؤدي إلى مزيد من تغير المناخ. ومعاً يؤدي تغيرُ المناخ والاتصال الرقمي إلى مزيد من الهجرة البشرية. وعليه، فلا غرو أن كثيرين في الغرب يشعرون أن التيار يجرفهم. فالشيئان اللذان كانان يمنحانهما الشعور بالثبات والاستقرار في العالم - مجتمعهم ووظائفهم - بات استقرارهما مزعزَعاً. فهم يذهبون إلى محل البقالة، فيجدون شخصاً ما هناك يتحدث معهم بلغة مختلفة أو يرتدي شيئاً ما يغطي رأسه. ويذهبون إلى العمل، فيجدون روبوتا يجلس إلى جانبهم ويبدو أنه يدرس وظيفتهم. وشخصياً، أثمّن هذا التنوع في الناس والأفكار، ولكنه بالنسبة لكثير من الأشخاص الآخرين تنوعٌ جاء بسرعة أكبر من قدرتهم على التكيف. إن هذا التطور السريع في التكنولوجيا والعولمة والطبيعة أشبه بإعصار مطلوب منا جميعاً أن نرقص فيه. وترامب ودعاة «البريكسيت» استشعروا قلق الكثيرين، ووعدوا ببناء جدار في وجه رياح التغيير العاتية هذه. ولكني أختلفُ معهم، وأعتقد أن التحدي يكمن في إيجاد عين الإعصار. وهذا معناه، بالنسبة لي، بناء مجتمعات صحية ومرنة بما يكفي لمواكبة هذه التطورات المتسارعة والاستفادة منها - ولكن أيضاً توفير منصة «استقرار دينامي» للمواطنين داخلها. وللحديث بقية. *كاتب أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©