الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ترامب وشراكة الهادئ

20 نوفمبر 2016 22:16
عندما يسافر الرئيس باراك أوباما خلال عطلة نهاية الأسبوع لحضور قمة رؤساء منطقة آسيا والهادئ، فسوف يتحتم عليه أن يعترف بأن اتفاقية الشراكة عبر الهادئ، وهي الميثاق التجاري الذي سبق أن وقعه، من الأرجح أنها ماتت. ودليل ذلك أن الرئيس المنتخب دونالد ترامب حقق انتصاره جزئياً بإعلان أنه سيعمل على إسقاطها لو فاز بالرئاسة. واليوم، لم يبقَ في واشنطن إلا القليل ممن يمتلكون الجرأة الكافية لتحدي النظرة التي اقتنع بها العمال الأجانب ذوو الأجور المنخفضة، من أن العولمة حققت لهم بعض مصالحهم على حساب العمال الأميركيين ذوي الأجور المرتفعة. وهذه هي الحجة التي يستند إليها ترامب لرفض الاتفاقية. لكن سياسيي واشنطن، ومعهم ترامب، والناخبين الذين صوتوا لصالحه، كلهم مخطئون في نظرتهم للاتفاقية وتقييمهم لها. وربما لم يلاحظوا أن الدول الأكثر فقراً، مثل الهند، تتخوف من أن تكون الاتفاقية مصممة لتحقيق الفائدة للأميركيين دون غيرهم، وعلى المدى القريب. وبالطبع، لا أقصد أن التجارة الحرة أمر سيئ بالنسبة لعمال الهند والصين والدول النامية الأخرى. وعندما يحاول بعض اليساريين الأميركيين التحدث عن تأثير التجارة على طبقة العمال، فإنهم يتحولون إلى «مَصلحيين وطنيين» مثل ترامب، ويذهب بهم حسهم الحسابي الذهني إلى إسقاط العوائد الواضحة للتجارة الحرة على العمال في الدول الفقيرة، ولهذا فإنهم لا يستحقون أن يوصفوا بأنهم تقدميون. وحتى لو أخذنا بهذه المعايير، فهم مخطئون في حكمهم على اتفاقية الشراكة عبر الهادئ، لأنها صفقة من نوع آخر تماماً. ويمكن للأمم أن تتعامل مع القوانين التي تحكم التجارة العالمية بالسلع والبضائع بثلاث طرق: منها رفع الدولة لمستوى العوائق الجمركية لتغلق بذلك على نفسها باب التجارة وتغرق مواطنيها بالفقر أكثر مما كانوا. وكمثال على تأثير التجارة على العمال الفقراء، أثبتت الإحصائيات أن 10% من المواطنين الأميركيين الأكثر فقراً يربحون 62% من قوتهم الشرائية عن طريق التجارة. أو أن تفعل الدول العكس، فتخفض من العوائق والتعرفات الجمركية لتضمن استمرار تدفق البضائع. ولقد أثبتت مثل هذه المبادرات نجاحها في معظم الأحوال. وفي الولايات المتحدة لا تتعدى عوائد التعرفات الجمركية 2% من أصل القيمة الإجمالية للواردات. وتكمن الطريقة الثالثة في تركيز الدول على تطويع التدابير المعتمدة على الحدود حتى تضمن الحد من المنافسة وبحيث تصبح التجارة «عادلة». وللمرة الأولى، أصبحت القواعد المتبعة في العمل والإنتاج وحماية البيئة، وفقاً للمعايير الغربية، مفروضة على كل الدول الموقعة على الاتفاقية مهما كانت فقيرة. وحتى الدول غير المشاركة في الاتفاقية مثل الهند (وهي ليست إحدى الدول الأعضاء الاثنتي عشرة لاتفاقية الشراكة عبر الهادئ)، تعلم أنها لو وضعت موضع التنفيذ، فسوف تتعرض للضغوط من أجل القبول بإجراء إصلاحات مشابهة لتلك التي تبنتها الدول الأعضاء إذا أرادت الانضمام إليها فيما بعد. وبمجرد توقيع الدول الأعضاء الكبار على الاتفاقية، فهذا يعني أنها قبلت بالمعايير التجارية الجديدة المنصوص عليها في الاتفاقية. وهذه المعايير هي التي قال عنها محللون ونقاد إنها ضرورية من أجل تزويد العمال الأميركيين بمجال أوسع للعمل والتنافس. وعلى المدى البعيد، يمكن أن يستفيد عمال البلدان الأخرى من هذا التطور، لأن اتفاقية الشراكة عبر الهادئ تضمن تحقيق التغيرات الكبيرة في الدول الأعضاء وبطريقة عادلة. وعلى أن الضرورات الجيو استراتيجية الكبرى للاتفاقية لم تتغير. وكان من الواضح أن الولايات المتحدة تريد من خلالها الاحتفاظ بموقع القيادة في منطقة آسيا والهادئ. وكما سبق لأوباما أن قال عدة مرات، إذا لم تتبن الولايات المتحدة تلك القواعد والمعايير الجديدة في تجارة المستقبل، فإن الصين سوف تسبقها إلى ذلك، وهذا لا يصب في مصلحة العمال الأميركيين ولا الهنود. صحيح أن اتفاقية الشراكة عبر الهادئ ليست مكتملة الأوصاف، لكنها تمثل خطوة إلى الأمام بالنسبة للتجارة الدولية وللعمال أينما كانوا. وعندما كان ترامب يدير حملته الانتخابية، لم ينكر الحاجة للتعاون التجاري ووعد بعقد صفقات تجارية «ذكية». والآن، لم يبقَ أمام مساعديه إلا أن يشرحوا له الأسباب التي تجعل من اتفاقية الشراكة عبر الهادئ صفقة ذكية أيضاً. *محلل اقتصادي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©