الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بلد يحارب نفسه

7 أكتوبر 2017 23:10
حدث ذلك يوم 27 يناير من عام 1838 عندما اعتلى رجل شاب غريب الأطوار عمره 28 عاماً يدعى أبراهام لينكولن، منصّة الخطابة في قاعة «ليسيوم» بمدينة جرينفيلد التابعة لولاية إيلينوي، ليتحدث بحماس شديد عن موجة العنف التي اجتاحت المدينة والتي تزامنت مع ظهور ما يشبه الخط الذي يفصل مجتمع العبيد عن بقية الشعب الأميركي. وخلال خطابه، أعرب هذا الشاب عن أسفه الشديد من العواقب والتداعيات التي يمكن أن تؤدي إليها سياسة الفصل العنصري تلك، وأشار إلى حالة الفوضى وعدم الاستقرار التي يمكن أن تثيرها تلك السياسة في بلد لا يزال حديث النشأة. وكان أحد أبرز الموقعين على «إعلان الاستقلال» في ذلك الوقت ويدعى «تشارلز كارول» حياً يُرزق عندما أطلق لينكولن نداءه. وعرض لينكولن في مقدمة خطابه تصوراً للحال الخطير الذي سيؤدي إليه الاستقطاب الاجتماعي، وتساءل: «هل يمكننا أن نتوقع من دولة عملاقة عسكرياً أن تعبر المحيط الأطلسي وأن تدمر بلدنا؟». ليجيب بعد ذلك عن هذا السؤال بكل ثقة ووضوح حيث قال: «هذا مستحيل»، فمن أين يمكن أن يأتينا الخطر إذن؟ وتضمنت إجابته عن هذا السؤال الثاني بعض الرؤى التنبؤية التي نراها وهي تتحقق الآن، حيث قال: «إذا كان هذا الخطر لم يصل إلينا بعد، إلا أنه قد ينمو ويظهر بيننا، ولن يكون آتيا من الخارج. وإذا كان الدمار هو مصيرنا، فسوف نكون نحن سببه، ونحن الذين نصنعه بأيدينا». ويبدو أن قادتنا فضلوا النظر بعين عمياء إلى «العدو الوطني» الذي يفوق في خطورته ما يفعله الإرهابيون حول العالم، وهو الذي يتجسّد بمجموعات الضغط (اللوبيات) التي حوّلت قضية حيازة الأسلحة الفردية في الولايات المتحدة من حق منطقي إلى مرض وطني مزمن، بسبب معارضتهم القوية لفرض الرقابة على بيع وشراء الأسلحة الفردية. وتمكن الإرهابيون من قتل نحو 3 آلاف أميركي منذ عام 2000، منهم 2902 قتلوا يوم 11 سبتمبر 2001. إلا أن هذا العام وحده (2017)، شهد مقتل أكثر من 35 ألف أميركي بأحداث عنف محلية استخدمت فيها الأسلحة النارية، وربما يكون عدد الجرحى من جراء هذه الأحداث قد تجاوز 100 ألف. وتقف الجرائم وراء مقتل 10 آلاف من هؤلاء الضحايا، وقتل الباقون في أحداث شخصية مثل الانتحار أو الإصابة بجروح أثناء التعامل مع الأسلحة النارية. ولو كان العدو الخارجي هو الذي يتسبب في موت هذا العدد الكبير من الناس، لتوجّب علينا أن نسرع لاستخدام الأسلحة لمجابهته. لكننا نعاني كل شهر من حدث لا يقل خطورة عن أحداث 11 سبتمبر الإرهابية بسبب أحداث العنف التي تستخدم فيها الأسلحة الفردية. وتشير الإحصائيات إلى أن الأميركيين فقدوا في حوادث إطلاق النار خلال السنوات الخمسين الماضية أكثر من مجمل قتلاهم خلال كل الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة في تاريخها. ومع ذلك، فقد سمحنا للدماء بأن تسيل دون توقف. وذهب بعض الإعلاميين المحافظين من أمثال الصحفي «بيل أوريللي» إلى وصف ما يحدث على ضوء مذبحة لاس فيجاس الأسبوع الماضي بأن هؤلاء الضحايا هم «الثمن الذي ندفعه للحفاظ على حريتنا»! وأنا أقول له: كلا، لأن هؤلاء الأبرياء الذين نفقدهم في شوارعنا هم ضحايا الحرب التي أعلنّاها على أنفسنا. ولا يزال المدافعون عن «الحق في حمل السلاح» الذي ورد في المادة الثانية المعدلة من الدستور الأميركي، يتعاملون مع هذه المادة وكأنها قربان مقدس من دون الالتفات إلى الحقيقة التي تفيد بأن «السلاح» لم يعد يعني ما كان يعنيه لأوائل المستثمرين في صناعة السلاح، حيث كان ضرورياً لحماية الميليشيات والدفاع عنها في غياب المفهوم الحقيقي للدولة العصرية. ويذهب بعض أعضاء «اللوبيات» المؤيدة لحمل السلاح الفردي إلى أنه ضروري حتى لحماية مشاهير الرياضيين. وها نحن الآن نحقق النبوءة التي طلع بها الشاب لينكولن قبل ما يقارب القرنين من الزمن. ولقد أعلنّا بالفعل الحرب على أنفسنا. وعندما ألقى لينكولن خطابه، كان يستنكر فيه التجاهل الأعمى لنصوص القانون في «أميركا العنصرية». ونتساءل الآن عما إذا كان بوسعه في ذلك الوقت أن يتنبأ بما يحدث اليوم من تحوّل في القوانين والتشريعات والأنظمة التنفيذية التي تسمح بإزهاق أرواح الأميركيين بسبب تزويد مجتمعنا بكل الأدوات اللازمة للدمار الذاتي؟ *محلل أميركي للسياسات الوطنية والعلاقات الدولية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©